مراكز ثابتة وطائرات خاصة مجهزة لإسقاط أمطار "الخير" «اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك»، هذا دعاء الكثير من المغاربة، مع بداية كل موسم فلاحي، سيما أن المغرب مازال يعتمد على التساقطات المطرية، بنسبة كبيرة لسقي مزروعاته. الاستجابة لهذا الدعاء يظل أمل الكثير من الفلاحين، الذين قد يخرجون حفاة لصلاة الاستسقاء مرددين بقلوب خاشعة الدعاء. في المقابل، تلجأ الهيأة العليا الوطنية المسيرة لبرنامج «الغيث»، إلى طريقة أخرى، وتستعين بتقنية متطورة، للحصول على أمطار المغرب في حاجة ماسة إليها. إنها تقنية الاستمطار الاصطناعي التي تدخل في إطار برنامج «الغيث». إنجاز: إيمان رضيف ابتداء من نونبر إلى أبريل من كل سنة، قد يلجأ المغرب إلى تقنية الاستمطار الاصطناعي، وهي تقنية متطورة، أصبح المغرب رائدا فيها، وأضحى من الدول التي يستعان بخدماتها للحصول على تساقطات مطرية. برنامج «الغيث» الذي يعد مشروعا علميا وطنيا وضع سنة 1984 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني، بعد توالي سنوات الجفاف، من الحلول التي يلجأ إليها المغرب من أجل زيادة قدرة السحب على إنتاج التساقطات المطرية والثلجية عن طريق تلقيحها اصطناعيا. مراكز وطائرات للتخصيب المغرب أصبح رائدا في عملية «الاستمطار الاصطناعي»، هذا ما أكده مدير مديرية الأرصاد الجوية، خلال لقاء صحافي نظم، أخيرا، مؤكدا أن الكثير من الدول الإفريقية أضحت تستعين بخدمات المغرب في هذا الشأن. تصريحات المسؤول عززها بمجموعة من التجارب الإفريقية، مؤكدا أن خبراء مغاربة استطاعوا إنجاح العملية بفضل خبرتهم الكبيرة التي اكتسبوها بفضل تنفيذ برنامج «الغيث»، والذي يتوفر على هيكل تنظيمي خاص يرأسه الجنرال دو كور دارمي حسني بن سليمان، منسق الهيأة العليا الوطنية المسيرة لبرنامج الغيث، ويضم الأرصاد الجوية الوطنية، والدرك الملكي والقوات الملكية الجوية.وكان المسؤول يتحدث بكل ثقة عن تجربة المغرب في هذا الميدان، محاولا التأكيد على أن المشروع الذي وضعه الملك الراحل الحسن الثاني، نجح في تحقيق الأهداف المتوخاة منه، سيما دراسات التقييم، المنجزة على أساس معطيات إحصائية فزيائية-كميائية، أثبتت زيادة نسبة التساقطات المطرية والثلجية بـ 10 إلى 17 في المائة، والتي ترجمت من خلال دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع خلال مرحلته الأولى، بحاصل الربح على التكلفة يقدر بـ3.37. وعن الطريقة المستعملة لتخصيب السحب، يقول مسؤولو مديرية الأرصاد الجوية، إنه على مستوى ثلاثة مراكز في بني ملال والحاجب، وأزيلال، وهي مراكز تتوفر على آليات دقيقة لقياس المعطيات الخاصة بفيزياء السحب، يتدخل المغرب، كلما ثبت أن الأحوال الجوية مناسبة لتلقيح السحب، للحصول على تساقطات مطرية لتجنب الجفاف. وأكد المسؤولون أن التخصيب لا يحدث فقط على مستوى تلك المراكز، إذ أن هناك طرقا أخرى جد متطورة، ويتعلق الأمر، بالتخصيب عن طريق الاستعانة بطائرات خاصة، تكون مجهزة بمختبر يضم تجهيزات دقيقة وحواسيب، وهي عملية جد متطورة وتحتاج إلى كفاءة كبيرة. ويمكن مختبر الطائرة القاذفة من تحليل المكونات الميكروفيزيائية للجو، بهدف تحديد الوقت المناسب لنشر المواد المخصبة فوق السحب. وللقيام بهذه العمليات تقوم طائرات مجهزة بأجهزة الاستشعار بقياس المعطيات الخاصة بفيزياء السحب، إضافة إلى مختلف المعطيات الجوية العامة ويتم تحليلها آنيا، من طرف مهندسين رصديين، بواسطة حاسوب على متن الطائرة. سحب قابلة للتخصيبلا يمكن اللجوء إلى «الاستمطار الاصطناعي» في أي وقت، إذ لا بد من توفير شروط محددة. وقبل العملية من الضروري مراقبة حالة الطقس، الذي يخول استشعار مختلف العوامل المناخية بدقة بفضل التكنولوجيات وأدوات الرصد الحديثة. ومن بين النقط التي تكتسي أهمية خاصة في عمليات «الاستمطار الاصطناعي»، تحديد موقع السحب «القابلة للتخصيب» بدقة، وتوقع الوقت المناسب للتخصيب الجوي الذي يأتي في المرحلة الثانية لتشكيل سحب، إضافة إلى المعطيات التي توفرها الرادارات الأرضية، أو صور الأقمار الاصطناعية. ولتحقيق أعلى نسبة من الأهداف المتوخاة من البرنامج، يدرس حاليا مشروع توسيع البرنامج الذي أنجز على ثلاث مراحل، وتوسيع منطقة العمليات نحو جهات مختلفة بالمملكة، بالإضافة إلى إنجاز سلسلة من المولدات الأرضية بين ولماس وبني ملال مرورا بخنيفرة، وذلك لتصبح هذه السلسلة متواصلة من دمنات إلى الحاجب، بالإضافة إلى تأهيل وتجهيز المراكز الحالية بمختلف أجهزة القياس الدقيقة والتي تمكن من الرفع من نجاعة هاته العمليات، علما أن المهندسين العاملين في البرنامج يواصلون أبحاثهم وذلك لتقييم عمليات تخصيب السحب وتحسين مردوديتها، خاصة أنه منذ 2005 تم توسيع نطاق التدخلات بواسطة الطائرة لتشمل جل مناطق المملكة.وفي ما يتعلق بالمراحل التي أنجز فيها برنامج «الغيث»، فأول مرحلة تهم دراسة الجدوى، والتي أنجزت بين 1984و1989، بشراكة وطيدة مع خبراء أمريكيين من الوكالة الأمريكية العالمية للتنمية، فيما قام الخبراء المغاربة المكونون، في المرحلة التأكيدية، ما بين 1990 و1995، وهي المرحلة الثانية، بإِدارة المشروع وتطويره للرقي به إلى برنامج عملي. وفي المرحلة الثالثة، أي منذ 1996 ، أصبح البرنامج يتوفر على خبرات تقنية عالية تحظى بالاعتراف في محيطها الإفريقي والدولي. "الاستمطار الاصطناعي" رهن إشارة الدول الإفريقية حصل برنامج "الغيث" على اعتراف من هيآت دولية وازنة من خلال تنظيم المؤتمر الدولي الثامن للاستمطار الاصطناعي في الدار البيضاء2003. وتحظى التجربة المغربية بشهرة كبيرة في إفريقيا، إذ يشهد على ذلك العملية التي تمت في بوركينا فاصو خلال ست سنوات، إذ أن تقنية تخصيب السحب في البلاد والتي كانت تعاني الجفاف لمدة طويلة وأزمات غذائية حادة، عرفت نجاحا كبيرا، واستطاعت بفضلها بوركينا فاصو الواقعة غرب إفريقيا بفضل تقنية «الاستمطار الاصطناعي» أن ترى من جديد تساقطات مطرية هامة. كما يعتبر الدعم المغربي بمثابة نقل للخبرة وتكوين لفائدة فاعليين محليين، إذ باتت بوركينا فاصو تتوفر على فريق للاستمطار الاصطناعي .ويتلقى البرنامج طلبات من العديد من الدول الإفريقية لتقديم الدعم والخبرات في هذا المجال، كما هو الحال بالنسبة إلى برنامج «ساغا»، وبرنامج «باوان» في السنغال، إذ تم توشيح عدة أطر مغربية بأوسمة شرفي اعترافا بكفاءات الأطر المغربية في مجال «الاستمطار الاصطناعي» ونجاعة العمليات المنجزة.وساهم المغرب، من خلال عملية «باوان» في البرنامج السنغالي الذي يتوخى ضمان الأمن الغذائي للبلاد إلى تقليص تبعيتها الغذائية باعتبارها إحدى الأولويات بالنسبة إلى الحكومة السنغالية. وفي إطار التعاون جنوب- جنوب وضع المغرب تقنية الاستمطار الاصطناعي رهن إشارة العديد من البلدان الإفريقية.