قديما في المغرب، لم يكن الناس في حاجة إلى دليل سلوك أو مدونة قيم، إذ كانت الأخلاق تعاش وتمارس في تفاصيل الحياة اليومية: الجار يعين جاره، دون انتظار شكر، والعابر في الطريق يوقر الكبير، ويحنو على الصغير، والنية الصافية تقدر قبل أي وثيقة رسمية. لكن مشهد اليوم يشي بتحول عميق، فالعلاقات داخل الأحزاب لم تعد تبنى على قناعة فكرية أو التقاء مبدئي، بل أصبحت أقرب إلى تحالفات موسمية تحكمها المصلحة الشخصية، وتتغير حسب الريح السياسية، والانتماء الحزبي فقد نبله، وتحول إلى بطاقة مرور نحو مواقع القرار، حيث توزع الامتيازات بدل الأفكار. النقابات، التي كانت يوما صوت الطبقة العاملة وأداة للمرافعة من أجل الكرامة، تحولت في كثير من الحالات إلى بوابة للترقي الوظيفي أو مدخل إلى صفقات مشبوهة، ونضال بعض "المناضلين" لم يعد موجها نحو رفع الحيف، بل نحو رفع أجورهم أو مقاعدهم في مجالس الإدارة. وفي الفضاء العام، باتت العلاقات بين الناس تعاني جفافا قيميا، إذ غابت اللمسة الإنسانية من التعامل اليومي، وأصبح الغريب ينظر إليه بريبة، والمحتاج يعامل باعتباره عبئا، والمرأة المسنة، التي تحاول عبور الشارع، قد تظل واقفة ساعات إن لم تسعفها صدفة طيبة، والعزلة الاجتماعية امتدت إلى الحافلات، وإلى الأسواق، وحتى إلى المآتم التي كانت آخر حصون التضامن. العلاقات الاجتماعية هي الأخرى صارت خاضعة لحسابات المال، فحفلات الزفاف تقاس بعدد الأغلفة، لا بعدد الأحباب، والولائم لا تنظم لتكريم الضيف، بل لاستعراض الإمكانات، والزيارات العائلية، لم تعد بريئة، بل محكومة بـ "واش عندو ما يعاون؟". وسط هذا التحول، تظل القيم النبيلة موجودة، لكنها تصارع للبقاء، فهناك من لا يزال يؤمن بأن الكرامة لا تشترى، وأن الاحترام لا يباع، وأن التضامن ليس سلعة موسمية، غير أن أصواتهم باتت خافتة وسط صخب الطمع، وصراخ المصلحة، وهوس الوجاهة. قد لا يكون هذا الزمن زمن القيم، لكنه زمن اختبارها، والزمن، مهما طال، لا يحترم سوى المجتمعات التي تحترم إنسانيتها. وربما، في زحام المصالح، لا نحتاج إلى خطب رنانة أو شعارات مستهلكة، بل إلى لحظة صدق نعيد فيها النظر إلى أنفسنا في مرآة المجتمع، فأعظم خسارة لا تقاس بما فقدناه من مال، بل بما فقدناه من إنسانيتنا ونحن نلهث خلفه، والمجتمعات لا تنهار فجأة، بل تتفتت كلما تهاوت قيمة، وتبعث من جديد فقط، حين يتجرأ أبناؤها على إحياء ما هو نبيل وسط العتمة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma