«الديفا» العصامية التي استقطبت المدارس اللحنية في المغرب غيب الموت، نهاية الأسبوع، الماضي، أيقونة الأغنية المغربية الفنان نعيمة سميح، عن سن ناهز الحادية والسبعين، بعد صراع مرير مع المرض، لتطوي بذلك صفحة من كتاب المجد الغنائي المغربي، الذي سيظل مفتوحا في قلوب أجيال من محبيها وعشاق صوتها. في هذا الخاص تأخذكم "الصباح" في محطات من مسار هاته الفنانة الاستثنائية. إنجاز: عزيز المجدوب وقعت الراحلة على مسار فردي عصامي قادها من دروب وأزقة درب السلطان، الذي ولدت به في 1954، نحو المجد والشهرة في مختلف الأقطار، لتغدو أيقونة ورمزا للطرب المغربي، إذ رغم مغادرتها مقاعد الدراسة في سن مبكر، إلا أنها عوضت ذلك بالانغماس خلف شغفها بالطرب والغناء، ومقاومتها البيئة المحافظة التي نشأت فيها والتي كانت تقف عائقا أمام انجرافها نحو الفن. كان أول ظهور لنعيمة سميح، من خلال "مسابقة المغرب العربي" التي نظمتها الإذاعة المغربية مطلع السبعينات بثلاث أغنيات، الأولى "اسأل دموع عينيا" للراحلة وردة وفي الحلقة الثانية "عايز جوباتك" للمطربة نجاح سلام وأخيرا و"حياتك يا شيخ مسعود" للمطربة شريفة فاضل ففازت بالجائزة الأولى. وعن تلك المشاركة كتب الفنان سعيد المغربي قائلا " التقيت نعيمة سميح أمام الإذاعة سنة 1972 في لقاء عابر بمعية مجموعة من الملحنين في اللجنة التي اختبرتنا. بعدها سأستلذ نضج أدائها (...) عندما مثلث الدار البيضاء في مسابقة بطولة الأغنية المغربية حيث شاركت بأغنية لشريفة فاضل. وأضاف المغربي "براعة أدائها والبحة التي يمتاز بها صوتها وضعتها في الرتبة الأولى. كم كانت سعادتي حينها عندما جمعت التلفزة المغربية مرشحي مراكش والبيضاء في حلقة واحدة، (...) أصبحت منذ ذلك الحين ودون أن تدرك تعلقي بها نموذجا خاصا للأغنية المغربية. (...) إنها الصوت الذي وجد فيه الملحنون المغاربة بعثا جديدا لتوطين الأغنية المغربية، نظرا لبعض خصوصيات الأداء التي لا توجد في غيرها، علما أن نعيمة تعتبر على هذا المستوى طفرة نوعية وعاملا محفزا، للملحنين من أجل ابتكار أجمل الألحان ومغربتها". معارضة أبوية نظم بالمناسبة حفل في تونس لكن والدها أحمد سميح منعها، آنذاك، من السفر والمشاركة في الحفل، لولا تدخل مجموعة من كبار الفنانين والملحنين، منهم الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي والموسيقار محمد بن عبد السلام والموسيقار عبد الرحيم السقاط، والإعلامي الراحل خالد مشبال، الذين اقنعوه بأن ابنته تتوفر على موهبة خارقة، لا يجوز الوقوف في طريقها، فسجلت نعيمة سميح أغنيتي "نوارة" و "شيخ مسعود "سنة 1972 للإذاعة. وتوالت مشاركاتها في العديد من البرامج منها برنامج "خميس الحظ" الذي كان يعده ويقدمه الإعلامي محمد البوعناني الذي أدت فيه رائعة "الله عليها قصارة" كما استقطبها الراحل عبد النبي الجيراري لبرنامج "مواهب" حيث أدت العديد من الأغاني التي أعلنتها صوتا استثنائيا سيطبع مسار الأغنية العصرية المغربية. سجلت نعيمة سميح اسمها أصغر فنانة عربية وثالث مطربة عربية تغني على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير في باريس في 1977 بعد كل من أم كلثوم وفيروز. تعاملت نعيمة سميح مع مدارس لحنية وأسماء من قبيل عبد القادر الراشدي ومحمد بنعبد السلام وأحمد العلوي والمعطي البيضاوي وعبدالقادر وهبي وعبدالله عصامي وإبراهيم العلمي وعبدالحميد بن إبراهيم وأحمد الشجعي وعبد الوهاب الدكالي وسعيد الشرايبي وعبدالرحيم السقاط ومحمود الإدريسي، فكانت بمثابة أروع واجهة صوتية بالنسبة إلى ألحانهم، لتكون النتيجة كما هائلا من الروائع الغنائية، التي أدخلت اسم الراحلة سجل الخلود، وجعلتها "قصيدة على كل لسان" كما شدت بذلك ذات أغنية. "هذا حالي" و"على غفلة" حكى الفنان الراحل فتح الله المغاري ظروف ميلاد أغنية "هذا حالي" قائلا إنها جاءت في ظروف صحية ونفسية خاصة مرت منها نعيمة سميح بعد النجاح المدوي لرائعتها "ياك آجرحي" التي كتبها علي الحداني ولحنها عبد القادر وهبي، إذ دخلت المطربة المغربية في دوامة من المشاكل انتهت بسقوطها مريضة، لتتلقى العلاج بإحدى المصحات. وأضاف المغاري، في حديث سابق مع "الصباح" أنه كان والملحن الراحل عبد القادر الراشدي يترددان على نعيمة سميح، ويلاحظان تأثرها نفسيا وصحيا بالمشاكل التي عاشتها، لدرجة أن مستقبلها الفني كان مهددا إثر دوامة الإحباط التي دخلتها وجعلت الأقاويل تكثر حولها. اقترح الراشدي على المغاري إخراج نعيمة سميح من حالتها النفسية، وإعادتها إلى المشهد الفني عبر أغنية تترجم وضعها، حتى يكون أداؤها لها صادقا، فانبرى المغاري لكتابة نص أغنية "هذا حالي" الذي يقول في مطلعه "يا حبابي هذا حالي/ هكذا هو عاجبني/ راضية باللي يجرى لي/ قلبي وحدو حاكمني/ غيرو ما عندي والي/ يرشدني أو يعاتبني...". كانت الأغنية سببا في عودة نعيمة سميح إلى المشهد الفني، خاصة بعد أن تألقت في أدائها وتماهت مع معانيها في تنفيذ اللحن البديع الذي صاغه عبد القادر الراشدي، وهو ما منحها دفعة نفسية قوية، شجعت هذا الثلاثي على إطلاق أغنية ستحقق هي الأخرى نجاحا مدويا وهي "على غفلة". في هذه الأغنية سيجد المغاري نفسه وقد أبدع نصا محكما مبنى ومعنى، خاصة في المقطع القائل "على غفلة ما كانت فالبال/ صبحت كانخمم وعقلي تاه/ تغيّر خاطري كلت أنا محال/ لغيام فالصمايم والريح معاه/ داتني الرعشة وبدا لهوال/ لغرام جاني برعادو وشتاه...". وسيتكرس الإبداع في أغنية "على غفلة" من خلال لحن الراشدي وأداء سميح بشكل جعل هذه الأغنية تأخذ طابعا مرجعيا في أغاني مرحلة نهاية السبعينات، التي ما زال صداها مهيمنا إلى اليوم. رصيد غنائي في رصيد الفنانة نعيمة سميح أزيد من 120 أغنية وآلاف التسجيلات، إذ يذكر فقط أن رائعة "جريت وجاريت" لها اكثر من 500 تسجيل حي وإذاعي و 13 تسجيلا تجاريا. وتعاملت نعيمة سميح، خلال مسارها الفني، مع أسماء ومدارس لحنية مختلفة، منها الموسيقار الراحل محمد بنعبد السلام الذي لحن لها روائع من قبيل "البحارة" و"تفتح الورد" و"نوارة" و"الله عليها قصارة" وغيرها. كما تعاملت سميح مع الفنان المعطي البيضاوي في قصيدتين لحنهما لها بعنوان "أطلال الحب" و"محراب الحب" كتبهما الشاعر الغنائي محمد الخضر الريسوني، الأولى يقول مطلعها "كم بنينا من قصور في الهوى.. وفرشنا الورد في أرجائها"، ومطلع القصيدة الثانية يقول "آه يا قلب حنانا هل ترى.. ذات يوم عاشق للحب لونا" سجلتا على التوالي في سنتي 1975 و1976. أما الموسيقار الراحل عبدالقادر الراشدي فلحن لها "هذا حالي" و"غاب عليا الهلال" و"على غفلة" و"جاري يا جاري" و"بطل النضال"، فيما لحن لها الملحن أحمد العلوي أغاني من قبيل "أمري لله" و"كن جيد" و"لا تحرموني من ولفي". وتعاملت مع الملحن عبد القادر وهبي في رائعة "جريت و جاريت" والملحن عبدالله عصامي في "قطيب الخيزران" أو "أحلى صورة"، ولحن لها الفنان الراحل إبراهيم العلمي "هنا وهناك" وهي من كلمات محمد رؤوف، ولحن لها الراحل حميد بنبراهيم قصيدة "لست أشكو"، وخصها الموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط برائعة "شفت الخاتم وعجبني"، ووضع لها الفنان الراحل محمود الإدريسي أغنية "شكون يعمر هاذ الدار". وجمع سميح تعامل فني كبير مع الموسيقار عبد الوهاب الدكالي في رائعتيهما الملحمية "رحلة النصر" التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي محمد الباتولي، كما لحن لها الموسيقار عزيز حسني أغنية "دموع الكية" وهي من كلمات الزجال والشاعر الراحل مصطفى بغداد. خليجيات سميح رغم تشبث الفنانة نعيمة سميح بتامغربيت في أدائها الغنائي، إلا أنها خاضت تجربة قصيرة بدول الخليج العربي تعاملت فيها مع العديد من الأسماء الفنية، وأفرزت تلك التجربة العديد من الأعمال الغنائية، حملت عناوين مختلفة. ومن الأعمال التي غنتها سميح باللهجة الخليجية هناك أغنية " لو همست" من كلمات إبراهيم جمعه ولحن تراثي قديم، وأغنية "الشوق" من كلمات جمعة الغويص وألحان يوسف المهنا، و"أصحى وأنوم" كتبها إبراهيم جمعه وألحان يحيي عمر، ثم "الحصان" كلمات سلطانه السديري وألحان يحيي عمر "واقلبي" كلمات يوسف ناصر وألحان يوسف المهنا الذي لحن لها أيضا "علشانك" من كلمات أحمد الشرقاوي ثم دويتو "يا سلام" مع عبدالمحسن المهنا من كلمات يوسف ناصر، وأيضا أغنية "واقف على بابكم" (وهي في الأصل لفرج عبدالكريم) من كلمات الشيخ عيسى الخليفة وألحان عبدالعزيز ناصر، إضافة إلى أغنية "جيتك لبابك حبيبي" وهي من كلمات سليمان الحمد وألحان يوسف المهنا، و"في بعادك صرت أنا مثل الغريب" من كلمات تركي وألحان طلال المداح.