"من دار لدار"، ليس الأمر عنوانا لمسلسل أو شريط وإنما هو واقع عدد من الأمهات اللواتي ضحين بالغالي والنفيس لأجل أسرهن، وكانت النهاية غير متوقعة، إما الارتكان في زاوية مظلمة من البيت في انتظار الذي يأتي وقد لا يأتي، أو التجوال بين البيوت.نكران الجميل الذي تعانيه مثل تلك النساء، تطرح معه علامات استفهام هل الأمر يتعلق بجحود، أم أن المتغيرات الاقتصادية ساهمت في التباعد الأسري بين الآباء وأبنائهم، حتى أفقدهم الشعور بالمسؤولية تجاه من بشرهن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت أقدام الأمهات"، المتغيرات التي تعاش في الوقت الحاضر ساهمت في تباعد بين الأم وأبنائها، وهو ما يجمع الباحثون عليه في تحليلهم للظاهرة التي أضحت تزداد بشكل مقلق، إذ يؤكدون أن التغير في "مناخ الأسرة" ساهم بشكل كبير في تغيير نظرة المجتمع إلى مكانة الأم، من مسيرة للأسرة إلى مجرد ضيف "ثقيل" عند الأبناء، الذين يرفض بعضهم وجودها بصفة دائمة في بيته، ويبحثون عن الحلول التي تمكنهم من وضع حد لتلك الإقامة، وصلت عند بعضهم إلى حد وضعها في دور العجزة. لم تعد الأم أو الجدة ما كان يصطلح عليه في السابق "بركة البيت" والتي كان الكل يتهافت على وجودها بينهم، وإنما أصبحت عند البعض هما يجب التخلص منه. تحكي الحاجة عائشة أنها كانت المعيل الأول لأسرتها بعد وفاة زوجها ، لم ترغب ساعتها في الزواج من شخص ثان وفضلت تربية أبنائها الخمسة، والسهر على تمدرسهم، كانت تعتبرهم سندها في المستقبل، ونجحت إلى حد كبير في تحقيق حلمها بعد تفوقهم الدراسي والحصول على شهادات جامعية، لكن سرعان ما تبددت أحلامها بعد أن استقل كل واحد منهم بحياته الخاصة، بعيدا عنها وتركوها لوحدها في الغرفة التي كانت تكتريها، تجابه المرض وضيق الحال في صمت، إلا أن حنان الأم يدفعها إلى إيجاد تبريرات لجحود أبنائها بالحديث عن مشاغل الحياة. الحاجة عائشة ليست وحدها من تخلى أبناؤها، ف"أمي خدوج" لم تعد تحتمل ما تعيشه من جحود خاصة بعد أن رفضت ابنتها الوحيدة أن تقيم عندها لتبدأ سلسلة من "دار لدار" بين ابنيها في إقامة مؤقتة سرعان ما يضيق بها الحال. تمنت "أمي خدوج" لو أنها تجد مكانا لها لتعيش فيه بعيدا عن أبنائها بعد أن باعت حصتها من إرث أبيها ومنحت كل واحد منهم مبلغا ماليا لتساعدهم على اقتناء مساكن خاصة بهم لتجد نفسها بدون مأوى، وضيفا غير مرغوب فيه. تستغرب "أمي خدوج" من الإجحاف الذي تلاقيه من أبنائها وتقول "لم أكن في يوم عاقة والدي ولا حتى حماتي، ولم ارتكب ذنبا لأجازى في أيامي الأخيرة بمثل ذلك من قبل فلذات كبدي". كانت تتحدث والدموع تنهمر من عينيها، وفي لحظة ما سكتت عن الكلام وبقلب الأم رفعت عينيها إلى السماء وقالت" ياربي اسمح لي أنا ما شي غضبانة عليهم"."الأمهات المنسيات" هن من يستحققن الاحتفال ليس فقط في 8 مارس اليوم العالمي للمرأة ولكن الاحتفال على مدى أيام السنة، اعترافا لهن بما قدمنه من تضحيات لأسرهن. كريمة مصلي