أربع عشرة سنة قضتها فاطنة رفقة زوجها، أنجبا خلالها أربعة أولاد، بعدها لفظ الزوج أنفاسه وتركها تواجه قدرها رفقة أبنائها الأربعة الذين لا يتعدى كبيرهم اثنتي عشرة سنة، قدر انقلب فيه كل شيء رأسا على عقب ووجدت فيه فاطنة نفسها مجبرة على لعب دور الأب والأم في الوقت نفسه.كان الهم الأول بالنسبة إلى فاطنة هو توفير لقمة العيش لأبنائها الأربعة، وهو ما اضطرها إلى البحث عن عمل. لم تكن تجيد أي حرفة، تزوجت بطريقة تقليدية وتكلفت طيلة سنوات زواجها بتربية أبنائها، فلم يكن أمامها من خيار سوى الاشتغال خادمة في المنازل.توسطت إحدى جارات فاطنة لها للعمل لدى عائلة فرنسية مقيمة بالمغرب. كان من حسن حظها أن الفيلا التي ستشتغل بها غير بعيدة عن الحي الصفيحي الذي تقطن به، وقد ساعدها ذلك في التوجه بين الفينة والأخرى إلى المنزل لتدبر أمر أبنائها الذين كلفت شقيقتها ذات 17 ربيعا بالعناية بهم في غيابها.كان من حسن حظ فاطنة أنها اشتغلت لدى أسرة متفهمة لوضعها الاجتماعي. كانت تعاملها معاملة خاصة وتشفق عليها، فلم تكن تدقق معها في ساعات العمل، كما أن فاطنة كانت تعود مساء كل يوم محملة بمختلف أنواع الأكل التي تمنحها لها مشغلتها، أو تطلب منها أحيانا حمل ما تبقى منها.خلال عودتها ليلا كانت فاطنة تعيد ترتيب البيت الذي تركت فيه الأبناء طيلة النهار، ثم تحرص على أن يراجع أبناؤها دروسهم، خاصة أن هم تعليمهم كان هدفا كبيرا وضعته نصب عينيها، بعد أن أيقنت بعد وفاة زوجها أن يديها مغلولتان وأن فرص العمل لديها قليلة، فكل باب طرقته كان صاحبه يسألها عن نوع الدبلوم الذي بحوزتها.قضت فاطنة سنوات في تربية أبنائها والحرص على تعليمهم، مرت السنوات ونسيت فيها أنها امرأة ولها حاجيات مثل باقي النساء، وبين الفينة والأخرى كانت مشغلتها الفرنسية تسألها بكلمات عربية متلعثمة «فاطنة علاش ما تزوجتيش»، فكان الجواب نفسه «أولادي هما رجلي»، وتزيد على ذلك بالتأكيد أن فخرها وسعادتها التي لا حدود لها هي أن تربي أبناءها تربية حسنة وتعلمهم تعليما ينفعهم في المستقبل.كبر الأبناء وتوفق ثلاثة منهم في إتمام دراستهم فيما هاجر الرابع إلى الخارج للعمل، فجاءت ثمرات سنوات التضحية، بعد أن رد الأبناء الجميل، وكانت البداية بتحقيق فاطنة لأمنية الحج، كما خصصوا لها مبلغا ماليا تصرفه فيما تشاء اعترافا بالتضحيات التي قدمتها، غير أن المرض لم يمهلها لحظات سعادة طويلة، فقد أصيبت بالزهايمر، الذي يبدو أن القدر سلطه عليها لينسيها سنوات التعب التي عاشتها، ليتكلف أبناؤها بالتناوب على رعايتها. الصديق بوكزول