تأجيل قضية الوزير مبديع و28 دركيا ببني ملال لإضراب المحامين وملف الحواص يعود من جديد كانت محكمة الاستئناف بالبيضاء، زوال الخميس الماضي، شبيهة بمكان مهجور، غياب تام للمحامين وشبه تام للمرتفقين، باستثناء رجال الأمن الموزعين في أماكن محددة، تشعر كأنهم يتشوقون لظهور مرتفق لتوجيهه صوب مصلحة ما. كان مقررا في هذا اليوم عرض ثلاثة ملفات، اثنان وقعت أحداثهما بمنطقة جغرافية واحدة، الأول محاكمة محمد مبديع، الوزير السابق ورئيس المجلس الجماعي للفقيه بنصالح، والثاني يتعلق بمتابعة 28 دركيا ببني ملال بتهم الارتشاء، في حين يتعلق الملف الثالث بمتابعة موثق بجناية التزوير. إنجاز : مصطفى لطفي قررت هيأة الحكم بغرفة جرائم الأموال، تأجيل الملفات الثلاثة لغياب دفاع المتهمين، بسبب قرار مقاطعة القضايا الجنائية، التي أعلن عنها المحامون على الصعيد الوطني، احتجاجا على مشروع قانون المسطرة المدنية، ما زاد الوضع احتقانا داخل المحاكمة، سيما من قبل أقارب المتابعين، إذ بعد تأجيلات لأسابيع بسبب إضراب كتاب الضبط، تؤجل الآن المحاكمات بسبب إضراب المحامين. مبديع... محاكمة وزير في السابق كانت محاكمة الوزير والقيادي في الحركة الشعبية، مبديع، تحظى بحضور وازن ومتابعة إعلامية متميزة، إلا أنه خلال الخميس الماضي، غاب الجميع، بمن فيهم محاموه، واكتفى الإعلاميون بتحريك هواتفهم للتعرف على تاريخ الجلسة المقبلة، والتي حددتها المحكمة في 21 نونبر الجاري. جلسة مرت في لمح البصر، إذ بعد تأكد الهيأة من غياب دفاع المتهم، تقرر تأجيلها، ما دامت القضايا الجنائية، يلزم فيها حضور المحامي للدفاع عن موكله، لتدخل القضية متاهات جديدة، إذ بعد أسبوع من تأجيلات بسبب إضراب كتاب الضبط، تلقى المصير نفسه بعد إعلان المحامين مقاطعة القضايا الجنائية. وكانت أولى جلسات محاكمة رئيس جماعة الفقيه بصالح، في27 يونيو الماضي، بعد أشهر من استنطاق تفصيلي في حالة اعتقال أمام قاضي التحقيق، وقبلها البحث التمهيدي الذي أشرفت عليه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بعد شكاية من الجمعية المغربية لحماية المال العام، تتهمه بجناية تبديد أموال عمومية والاغتناء غير المشروع، وخرق قانون الصفقات العمومية وتهم أخرى خطيرة. شباك بارون تصطاد 28 دركيا من أبرز الملفات التي كانت ستعرض على غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف، بموازاة مع محاكمة الوزير مبدع، ملف وصف بالمثير والخطير في الوقت نفسه، ويتعلق بمتابعة 28 دركيا بمنطقة بني ملال وضابط شرطة، متابعين بتهم الارتشاء واستغلا النفوذ، بعد أن ورطهم بارون مخدرات بالمنطقة. سقوط الدركيين، منهم من يعمل بالقيادة الجهوية وآخرون بمراكز ترابية بالإقليم، تم بعد أن شرعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في تعميق البحث مع بارون مخدرات شهير، اعترف بتقديمه رشاوي وأموالا للدركيين وأمنيين، مقابل الغض عن نشاطه الممنوع، وهو ما تأكد بعد إخضاع هاتفه للخبرة التقنية التي وقفت على وجود محادثات بين البارون والمشتبه فيهم، ليصدر الوكيل العام للملك قرارا بفتح تحقيق في هذه الفضيحة المدوية. الشك في ملف الحواص بعد أن أيدت محكمة النقض القرار الاستئنافي الصادر في حق زين العابدين الحواص، الرئيس السابق لجماعة السوالم، والقاضي بإدانته بتسع سنوات سجنا وتأييد الإدانة في حق ثلاثة متابعين في القضية، قبلت النقض الذي تقدم به أربعة متهمين آخرين، وأحالت ملفاتهم على محكمة الاستئناف بالبيضاء، إذ دخلت مرحلة التعيين للنظر فيها، من قبل هيأة حكم جديدة. ومن بين الملفات المطعون فيها بالنقض، تلك التي تتعلق بالمستشار (خ.ر) المدان بسنتين حبسا نافذا بتهمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية والغدر، في ما يعرف بأموال المرأب البلدي بالسوالم. وطعن دفاع المستشار في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لأنها لم تجر مواجهة بينه وبين من اتهمه بالتوصل بمبالغ المرأب المستخلصة من عقد الكراء. وخلال عرض القضية في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية، لم يتم الاعتماد على دفتر تحملات كراء المرأب البلدي، بحكم أنه حدد مبالغ الكراء والجهة التي يحق لها استخلاصها، وبالتالي فهي وسيلة لإثبات أن المتهم لم يتحصل على أي مبلغ من هذه العملية، سيما أن المهام المفوض له القيام بها بالمجلس الجماعي السوالم، بعيدة كل البعد عن المرأب. وارتكز دفاع المستشار في النقض على أن غرفة الجنايات خلال الإدانة تسرب إليها الشك، طبقا للقاعدة القانونية، التي تفيد أن الدليل إذا تسرب إليه الشك يبطل الاستدلال به. وخلال نظر محكمة النقض، في الملف تبين لها نقصان التعليل في القرار الجنائي الاستئنافي، وضعف الدليل الموجه للمتهم، فقررت نقض الحكم. توجس عائلات المتابعين شكل إضراب المحامين صدمة لعائلات المتابعين في جميع القضايا، وليس فقط جرائم الأموال، على أساس أن أقاربهم المتابعين في حالة اعتقال أكثر تضررا، ويعانون في صمت، فما هم بالمفرج عنهم وما هم بالمدانين بأحكام نهائية. ما زاد في حدة الاحتقان، انتشار إشاعات بين عائلات المتهمين من أنه في حالة واصل المحامون إضرابهم ودخلت المحاكم مرحلة تصعيد جديدة، فإن هيآت الحكم ستدخل ملفات أقاربهم للتأمل والمداولة وتصدر أحكاما فيها دون حاجة إلى مرافعات الدفاع، ما يحرم المتابعين من حقهم الدستوري في الدفاع عن أنفسهم، ويجعلهم وجها لوجه أمام أحكام مشددة. صحيح أن كل ما يروج مجرد توجسات، لكنها تتحول يوما بعد آخر إلى يقين، سيما من قبل مروجي هذه الإشاعات الذين يزعمون بين الفينة والأخرى أن السلطات القضائية على وشك الاجتماع والتأشير على هذه الخطوة عقابا للمحامين بسبب إضرابهم. ثلاثة أسئلة: ورطة الصفة ما الذي يميز جرائم الأموال عن باقي القضايا الأخرى؟ جرائم الأموال أو اختلاس أموال عمومية، هي جرائم يقوم بها موظفون عموميون، بمعنى أن هذه الأموال تكون تحت تصرفهم عند مزاولة مهامهم التي تكون لها صفة المسؤولية أو يتورط فيها أشخاص خلال ممارستهم مهام انتحابية داخل جماعات محلية أو بلديات، إذ يكون تحت أيديهم التصرف في جميع الأموال، وهنا تكون لهم صفة موظف عمومي، وبالتالي رئيس جماعة أو بلدية، هو منتخب من قبل المواطنين، وأن التفويض الذي يمارس به مهامه، يكسبه صفة موظف وهنا تدخل مسألة الرقابة القبلية والبعدية، سواء من قبل وزارة الداخلية أو المجلس الأعلى للحسابات. وفي السابق كان اختصاص هذا النوع من الجرائم يعود إلى محكمة العدل الخاصة، لكن بعد التخلي عن هذه المحكمة، صارت قضايا جرائم الأموال منظمة بالفصل 241 من القانون الجنائي، وما يليها من الفصول. ومن خلال النظر في هذه الفصول، نجد أن المشرع خصص لها عقوبات مشددة، ما يدل على خطورة الجريمة، رغم أن الواقع يكشف غير ذلك، إذ رغم هذه النصوص، ما زالت المتابعات تتقاطر في حق عدد كبير من رؤساء الجماعات، وبالتالي فحسب الاجتماعات والتوصيات على المستوى الحكومي، والمهتمين بالقطاع، هناك توجه نحو المزيد من تشديد العقوبة، والتفعيل السليم والعملي للعقوبات الإضافية، ومنها الحرمان من الحقوق الوطنية والسياسية، كمنع المتورط من الترشح للانتخابات. يلاحظ أن الرشوة تجر الموظف لجرائم الأموال، كما حاكمت مسؤولي أندية رياضية، رغم تورطهم في قضايا جنحية، كيف ذلك؟ بالعودة إلى الفصل 241، نجد أن متابعة القاضي والموظف عن كل رشوة يتلقاها من جهة معينة تدخل في خانة الاختلاس، لأن الصفة التي يملكها مكنته من تسلمها من قبل الغير للقيام بمهام أو الامتناع عن القيام بها، وبالتالي فإن أموال الرشوة تدخل في إطار الغدر، حسب الفصل 243. والغدر في وصفه هو اختلاس أموال عمومية، وبالتالي فالموظف استغل منصبه، الذي منحه قوة للضغط في حق الآخر لإجباره على تسليمها له، لهذا فالمشرع فرض عقوبة مشددة من خمس سنوات سجنا إلى 10 سنوات، وقد تتضاعف حسب قيمة المبلغ. اما بخصوص متابعة مسؤولي بعض الأندية الرياضية أمام جرائم الأموال، فالأعمال الإجرامية تكيف على أنهم استغلوا مناصبهم في هذه الأندية لإخفاء الجرائم التي يقومون بها، إضافة إلى أن المشرع اعتبر أموال الأندية أموالا عمومية وأي تصرف فيها بسوء نية يصنف ضمن خانة الاختلاس. يلاحظ وجود حيف، حيث يدان موظف بنك بالاختلاس، في حين يدان مستخدم ببنك خاص بخيانة الأمانة؟ موظف في مؤسسة بنكبة عمومية أو شبه عمومية، يعتبر موظفا عموميا، ويعامل بهذه الصفة، لما يتمتع به من امتيازات، سواء من حيث الأجرة والصلاحيات والصفة، وفي حال تورط في سرقتها يعد مختلسا، أما مستخدم في بنك، فهو ليس بموظف. صحيح أن هناك حيفا، حيث أن المستخدم ببنك خاص، يحظى بعقوبة مخففة، في حين تكون مشددة لكل من له صفة الموظف، لكن في قضايا الاختلاس، تحل الدولة محل الموظف عندما يتم الحكم عليه بإرجاع الأموال. رضوان رامي محام بهيأة البيضاء