في كل مرة يلوح في الأفق تعديل حكومي، يتحول تطبيق "واتساب" و"فيسبوك" إلى ما يشبه "مرصدا فلكيا" سياسيا، إذ تنتقل لوائح "سرية" بين الهواتف المحمولة، تضم أسماء الوزراء الجدد وهندسة حقائب وزارية، بدءا من العدل والاقتصاد، وصولا إلى التربية الوطنية و"الانتقال الطاقي". وكأن كل مستخدم "واتساب" تحول فجأة إلى عراف حكومي يرى ما لا يراه أحد، فيختار وزير العدل هنا، ووزير التجهيز هناك، مع إضافة وزارة جديدة لم يُسمع بها من قبل، حتى لتبدو هذه القوائم أشبه بـ"كوكبة أبراج"، يحاول الجميع استنباط معانيها، حتى أن بعض الأسماء تتكرر في كل لائحة "افتراضية"، وكأنها نجوم في سماء السياسة، يتنبأ الناس بتألقها أو أفولها. في كل مرة، نجد أن هؤلاء "العرافين" لديهم مصادرهم السرية، والتي غالبا ما تكون أقرب إلى دائرة "سربيس الأذن" منها إلى مصدر حقيقي. ويتفنن بعض المنجمين في توقعاتهم ويقدمون لائحة فيها أسماء وزارات لم تكن ضمن الهيكلة الحكومية من الأساس، لإضفاء مزيد من التشويق والإثارة السياسية. في عصر المعلومات السريعة، تتحول الشائعات إلى "حقيقة مؤقتة"، ويبقى السؤال المحير: من أين تأتي تلك القوائم، ولماذا يصدقها البعض بلا تردد، ولم يختف أصحابها بمجرد الإعلان عن أسماء المنعم عليهم بالحقائب الوزارية؟ إن "التنجيم السياسي" عبر "واتساب" هواية جديدة، يتمتع بها الناس في فترات الركود الحكومي، يطعمون بها فضولهم ويتخيلون حكومتهم المثالية التي لم ولن تكون، لكنها في الوقت نفسه "بالونات اختبار" لجس نبض الرأي العام واستطلاع ردود الأفعال حيال مقترحات أو سياسات جديدة، وهي إستراتيجية يمكن اعتبارها بمثابة جس نبض غير رسمي يسبق تنفيذ تغييرات حكومية، مثل التعديلات الوزارية، أو السياسات الاقتصادية والاجتماعية، أو إجراءات تنظيمية معينة، وتبرز أهميتها في أنها وسيلة تتيح لصناع القرار التفاعل مع ردود الفعل الشعبية وتعديل الخطط، حسب الاتجاهات العامة المتوقعة. في بعض الحالات، تحقق هذه الإستراتيجية نجاحا ملحوظا، إذا نجحت الحكومة في قياس ردود الفعل وتعديل قراراتها لتحقيق أقصى درجات القبول الشعبي، لكن في "الحالة المغربية"، تثير هذه التسريبات سخط المغاربة وتحدث جدلا واسعا، خاصة إذا شعروا بأن الحكومة تتلاعب بمشاعرهم أو تستخدمهم أداة للتجربة. إن التلاعب بالرأي العام قد يؤدي إلى تآكل الثقة بالمؤسسات، خاصة إذا شعر المواطنون أن المعلومات التي تصلهم هي مجرد وسائل لاختبار مدى تقبلهم، أو أنهم كانوا ضحية "منجمين" افتراضيين. خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma