مقاربة ملكية متبصرة لحشد إمكانات جديدة للتعاون والتنمية المشتركة يجمع المتتبعون على اعتبار المبادرة الملكية الأطلسية، فكرة رائدة تعكس الرؤية الإفريقية للملك محمد السادس، التي تجلت في العديد من المبادرات والمشاريع التنموية المشتركة بين المغرب وعدد من البلدان الإفريقية. ولقيت المبادرة ترحيبا من قبل قادة الدول الإفريقية، التي أكدت أن المشروع الملكي من شأنه المساهمة في تنمية البلدان الإفريقية، وتمكينها من الولوج إلى المحيط الأطلسي، وتعزيز سبل التعاون المشترك. وأكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، في لقاء بالرباط، أن المبادرة الملكية الأطلسية تعتبر مقاربة متبصرة لحشد إمكانات جديدة للتعاون، الذي يعود بالنفع على الجميع، وكذا لتحقيق التنمية المشتركة للفضاء الأطلسي-الساحلي، في قارة إفريقية تعتمد على مواردها الخاصة ومنفتحة على العالم. وقال هلال، في مداخلة خلال الدورة الثالثة للمنتدى السنوي"المغرب الدبلوماسي-الصحراء" المنعقدة حول موضوع "الواجهة الأطلسية 2030... رؤية ملكية لعصر تواصل وازدهار عابر للقارات"، إن هذه المبادرة، التي تعتبر التفاتة ملكية جريئة وغير مسبوقة في إفريقيا، معززة بهدف تحقيق تعاون إقليمي استباقي، في فضاء جغرافي تمت إعادة النظر فيه، وفق مقاربة سلمية ومتضامنة. وتمنح مبادرة الملك البلدان غير الساحلية بمنطقة الساحل منفذا على المحيط الأطلسي، وهي الرؤية التي اعتبرها هلال، واقعية وإستراتيجية على أكثر من مستوى، مضيفا أنها نابعة أيضا من حرص جلالة الملك الدائم على تعزيز ارتباط المملكة بعمقها الإفريقي ووحدة إفريقيا. وتأتي المبادرة الأطلسية، في سياق الزيارات المتعددة التي قام بها الملك للقارة الإفريقية، والأوراش السوسيو اقتصادية الضخمة التي تم إطلاقها بعدد من البلدان الإفريقية الشقيقة. كما تشكل التجسيد الأمثل للرؤية الملكية من أجل إفريقيا موحدة ومزدهرة ومعتمدة على نفسها، وليست لها أهداف أخرى، سوى تعزيز السلام والاستقرار والتنمية السوسيو – اقتصادية في البلدان الإفريقية الشقيقة بمنطقة الساحل. كما تندرج المبادرة الأطلسية في إطار استمرارية الإستراتيجية متعددة الأبعاد، التي أطلقها الملك لفائدة إفريقيا عموما، وواجهتها الأطلسية على وجه الخصوص، في إشارة إلى إطلاق مبادرة البلدان الإفريقية الأطلسية، وإحداث 3 لجان للمناخ على هامش مؤتمر الأطراف (كوب 22) بمراكش، الأولى خاصة بمنطقة الساحل، والثانية بحوض الكونغو، والثالثة بالدول الجزرية، وإطلاق المشروع الضخم لخط أنابيب الغاز المغرب – نيجيريا، والذي ستستفيد منه بشكل كبير البلدان الـ 12 التي سيعبرها، بالإضافة إلى تلك المتواجدة بالقارة الأوربية. إن الساحل، بالنسبة إلى جلالة الملك، ليس منطقة مثل باقي المناطق الأخرى، أو مجرد حاجز صحراوي عاد بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، بل على العكس من ذلك، هي مركز السلام والأمن الإقليمي للمتوسط، والبحر الأحمر، وإفريقيا جنوب الصحراء والأطلسي"، كما يعد الساحل منطقة إستراتيجية للغاية على المستوى الجيو اقتصادي العالمي، من خلال رأسمالها البشري ومؤهلاتها الاقتصادية، وخصوصياتها السياسية والسوسيولوجية، وإكراهاتها الأمنية والمناخية والبيئية، والتي ينبغي التغلب عليها بشكل جماعي. إن جلالة الملك يرى في القارة الإفريقية فرصا يتعين تثمينها، تتمثل في المؤهلات السوسيو اقتصادية لمنطقة الساحل، ودينامية شبابها، والثقة قي نخبها وقدرة شعوبها على الصمود. إن العلاقة بين السلام والأمن والازدهار، يقول هلال، تجعل من مركزية التنمية حجر الزاوية لحل مشاكل منطقة الساحل، مضيفا أن التنمية المستدامة وحدها الكفيلة بتوفير ردود ملائمة، مع احترام السيادة السياسية، وسيادة صنع القرار لبلدان الساحل على أراضيها وثرواتها، على عكس الحلول الخارجية. إن المبادرة الملكية، يقول هلال، نموذج ملهم حقيقي لفك العزلة عن 47 بلدا في العالم، تتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للبلدان غير الساحلية، التي ستعقد مؤتمرها الأممي في كيغالي، في وقت لاحق من هذا العام، وستكون بمثابة رافعة لتعزيز التنمية ليس فقط في بلدان الساحل، وإنما أيضا بالمنطقة برمتها، وبالقارة الإفريقية على المدى الطويل، مضيفا أن الحماس الذي أثارته في البلدان المستفيدة يبشر بإدماجها في السياسات والإستراتيجيات الوطنية للتنمية، مع تعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل مشاريع البنية التحتية اللازمة لتفعيلها . وتشكل المبادرة إطارا متفردا لتحقيق تعاون إفريقي متعدد الأبعاد يؤسس لميلاد إفريقيا جديدة، مزدهرة ومستقرة، وتوحيد جهود البلدان الإفريقية، في مختلف المجالات، من أجل تنمية القارة وضمان ازدهارها واستقرارها وأمنها. كما تأتي أهمية المبادرة الملكية باعتبارها أرضية لاستثمار المؤهلات الإستراتيجية التي تتمتع بها القارة، وفق مقاربة تشاركية، تمكن بلدان الساحل من منفذ بحري على الواجهة الأطلسية المغربية. لقد أعادت المتغيرات الجيوإستراتيجية العالمية، خلال العقدين الماضيين وضع القارة الإفريقية في قلب اهتمامات القوى الكبرى، خاصة بعد تداعيات جائحة "كوفيد - 19 " والنزاع الروسي- الأوكراني، والأزمات الطاقية والغذائية والمناخية، وتنامي الصراع على الموارد والمعادن والمواقع الإستراتيجية. وفي منظور الرؤية الملكية، فإن البلدان الإفريقية مطالبة اليوم باستغلال مخاض ميلاد النظام الدولي الجديد وتحويله إلى فرصة للتنمية المشتركة، وتعزيز التكتلات الإفريقية والتعاون الاقتصادي جنوب – جنوب، وفق معادلة "رابح – رابح"، والانخراط في المشاريع الإستراتيجية والهيكلية الجادة، الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والازدهار لفائدة شعوب القارة. حلقة وصل إن المغرب، بحكم موقعه الإستراتيجي، يطمح لأن يكون حلقة وصل بين ضفتي الأطلسي، من أجل تعزيز المواجهة الجماعية للتحديات التي تواجه البلدان الإفريقية عموما، والأطلسية على الخصوص، سيما في ظل ضعف القاعدة الاقتصادية لبعض بلدان القارة، وعدم استقرارها، ما يفاقم مخاطر الإرهاب والمجموعات المسلحة الانفصالية والإرهابية والتهريب العابر للحدود. كما أن العلاقات المغربية الأطلسية تشكل أرضية مناسبة للاستفادة من فرص التعاون الكبيرة المتاحة، ولتطويق المخاطر الاقتصادية والأمنية على الخصوص، من خلال تحقيق تنمية شاملة تضمن الازدهار المشترك لبلدان ضفتي الأطلسي. ب. ب ورش ميناء الداخلة الأطلسي (أرشيف)