جمع بين حبه المهنة التي تمكن من بصم اسمه داخلها وحبه للرياضة التي شكلت العشق الدفين في أزقة البيضاء الصاخبة، ولد المصطفى أجنبيي في أبريل 1961، محملًا بحلم يرتقي به إلى رتب الأمن الوطني، حلم لم يكن عابرًا في مخيلته الطفولية، بل كان نارا مستعرة تحركه نحو مستقبل يليق بطموحاته. منذ نعومة أظافره، تشكلت رؤيته في أن يكون حارسًا للوطن، يقف في وجه الظلم، ويصون أمن المواطنين. تلك الرؤية لم تكن مجرد خيال طفولي، بل كانت شغفا متأصلا في كيانه، ودافعًا وراء كل خطوة خطاها في حياته. اليوم، يروي المصطفى لـ"الصباح" من أكادير، التي يعتبرها واحة للهدوء والراحة النفسية، تفاصيل رحلته الفريدة. بعد حصوله على شهادة الباكلوريا في 1982، سلك المصطفى الطريق نحو تحقيق حلمه بارتداء الزي الرسمي، فالتحق بمعهد الشرطة في القنيطرة في نونبر 1985. في تلك الفترة، كان المعهد مدرسة لصقل شخصيته وتكوين درع من الانضباط والحزم. تخرج في 1986، ليبدأ مسيرته المهنية في مصلحة الاستعلامات العامة بمنطقة عين الشق الحي الحسني، حيث تدرب على يد كبار رجال الأمن، أمثال البقالي والحبيري والديوري، ممن زرعوا فيه قيمًا ستظل ترسم ملامح مسيرته المهنية الطويلة. تجربة الحدود في 1994، انتقل المصطفى إلى مطار محمد الخامس، ليدخل عالمًا جديدًا من التحديات الأمنية. في ظل تدفق المهاجرين خلال فصل الصيف، كان عليه أن يتعامل يوميًا مع محاولات التهريب وتزوير الوثائق، مما شكل له اختبارا حقيقيا لقدرته على التعامل مع الضغط والعمل تحت الظروف الصعبة. سرعان ما اكتسب خبرة ميدانية واسعة، حيث انتقل بين مهام متعددة داخل المطار، ما مكنه من الارتقاء إلى رتبة مفتش ممتاز وعميد ديمومة لشرطة الحدود، وهي رتبة لم يصل إليها إلا بعــد سنوات من التفاني والجدية. فــي غياب رئيس مصلحة الحدود، كان المصطفى يقود الفريق بحنكة واحترافية، متصديًا لمحاولات تهريب المخــدرات بأساليــب متطـــورة ومتـــزايدة الخطورة. ولعل أبرز ما يميز هذه الفترة من حياته المهنية هو مشاركته في تفكيك شبكات دولية لتهريب المخدرات، خاصة تلك التي كانت تستخدم الأشخاص وسيلة لتهريب الممنوعات. بفضل خبرته في مجال الهواتف والتنسيق مع الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية، كان المصطفى جزءا لا يتجزأ من نجاحات الأمن الوطني في هذا المجال. الوجه الرياضي لم يكن الجانب الأمني هو الوجه الوحيد للمصطفى، بل كان له عشق قديم للرياضة، حيث قاد فريق ولاية أمن الدار البيضاء لكرة القدم المصغرة نحو تحقيق البطولة الوطنية للأمن الوطني لثلاثة ألقاب متتالية، بين 2008 و2011. هذا الإنجاز الرياضي لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج للروح الرياضية التي رافقت المصطفى منذ صغره، وللأخلاق المهنية التي شكلت نهج حياته. في أبريل 2023، وبعد مسيرة مهنية حافلة، اختار المصطفى أن يتقاعد، لكنه لم يتخل عن شغفه بالحياة. بفضل حبه الدائم للتعلم والمساهمة في بناء المجتمع، التحق بمعهد خاص للصحافة بالبيضاء. اختار الكتابة وسيلة لنقل تجربته الثرية، وسطر من خلالها رؤى جديدة تعكس تجربته في ميدان الأمن، مقدمًا نصائحه للأجيال القادمة. هكذا، يظل اسم المصطفى أجنبيي حاضرًا في ذاكرة الوطن، ليس فقط شرطيا بارعا، بل أديبا وطنيا واعيا بتفاصيل مهنته وحياته. عبد الجليل شاهي (أكادير)