انتشرت بإقليمي آسفي واليوسفية، منذ سنوات بل عقود مضت، صناعة ماء الحياة بشكل تقليدي، والتي تلقى إقبالا ورواجا كبيرين سيما بالمناطق القروية، التي لا تتوفر على محلات بيع الخمور، وهو ما شجع بعض المتعاطين لهذا النوع من "الصناعة" إلى إنشاء شبه معامل سرية لصناعة هذه المادة التي يحظر القانون صناعتها وتجارتها.وبلغة الأرقام فإن عناصر الدرك الملكي بالقيادة الجهوية بآسفي، حجزت عدة أطنان من ماء الحياة، وأدوات متعددة لصناعتها في الفترة الأخيرة بعدد من جماعات إقليمي آسفي واليوسفية.وبعيدا عن عدم قانونية مثل هذه الصناعة، فإن المواد التي تقطر منها "الماحيا"، تشكل خطرا حقيقيا على حياة متعاطيها، مما يفرض مواجهة صارمة لهاته الآفة.ويؤكد أحد الباحثين والمهتمين بهذا الموضوع، أن "أكثر طرق تصنيع ماء الحياة شيوعا هي التقطير، إذ يتم وضع التين المجفف وغيره من الفواكه في إناء كبير وتضاف إليه الخميرة ثم يغلق الإناء بإحكام لمدة زمنية تصل شهرا كاملا، وهي عملية تسمى بالتخمر".ويضيف المتحدث أنه بعد هذه المرحلة يتم وضع الخليط في إناء آخر ثم يغلق بإحكام ما عدا فتحة صغيرة يخرج منها أنبوب نحاسي نهايته مغمورة في الماء، ثم تترك المكونات تحت درجة حرارة مرتفعة لتتفاعل، وتسمى هذه العملية بالتقطير، ومعلوم أن التقطير ووسائل فصل السوائل من خلال الاختلافات في درجة غليانها، قد تم اختراعه في حوالي العام 800 ميلادية، بواسطة العالم جابر بن حيان الذي قام بتحويل الكيمياء القديمة إلى الكيمياء الحديثة كما نعرفها الآن، مخترعا العديد من العمليات الأساسية والأدوات التي لا نزال نستخدمها إلى حد الآن.وأكد المتحدث أن مسكر ماء الحياة يختلف عن أي مشروب كحولي آخر وذلك لأنه غير ثابت التركيز أو الجودة أو الطعم، بل يتغير تبعا لشخصية صانعه وظروف تحضيره.وإذا كانت هذه هي الطرق التي يتم، قبل عقود من الزمن، اتباعها في تقطير ماء الحياة، فإنها تختلف اليوم بعدد من المناطق بإقليم آسفي، إذ أن طريقة تحضرها تتعدى التين المجفف إلى مواد سامة منها شفرات الحلاقة والبيض الفاسد والسكر، والسر في ذلك كما يقول أحد مروجي ماء الحياة، ارتفاع تكاليف التين المجفف من جهة، والرفع من تركيز المحلول، إذ أن ربع لتر مثلا من هذه "الماحيا" يكفي شخصين للوصول إلى قمة السكر.ويشير أحد تجار هذه المادة، إلى أن أغلب تجار وصناع ماء الحياة، لم يعودوا يلجؤون إلى التين المجفف، لأنه مكلف، فمثلا، يقول المتحدث، إنتاج 150 لترا من ماء الحياة يتطلب مدة تخمر تصل شهرا تقريبا، في حين أن الاعتماد مثلا على سنيدة ومخلفات البيض الفاسد، بالإضافة إلى الخميرة، لا يتطلب سوى خمسة أيام، إذ يربح صانع هذه المادة الوقت وكذا الرفع من عائدات هذه التجارة، والحصول على سمعة جيدة، لأن أغلب المتعاطين لهذه المادة يبحثون عن درجة تركيز عالية، توصلهم إلى حالة متقدمة من السكر.ولم يخف المصدر نفسه، أن بعض الأشخاص الآخرين سيما بجماعة التوابث بإقليم آسفي، يعمدون إلى إضافة أقراص الهلوسة في ماء الحياة، مما يؤدي بشارب "الماحيا" إلى ارتكاب جرائم وحماقات.مصدر طبي أكد أن تناول هذا المشروب، يشكل خطرا حقيقيا على حياة مستعمليه، فبغض النظر عن الجرائم التي يمكن أن تنتج تحت تأثيره، فإن طبيعة المواد الخطيرة المستعملة في تخميره وتقطيره، تؤدي مع المدة إلى تلف الكبد وأضرار بالمعدة.ويتراوح ثمن اللتر الواحد من ماء الحياة بين 40 درهما و50، ويصل في بعض الأحيان إلى 80 درهما. محمد العوال (آسفي)