شكلت الندوة التي نظمها محامون اتحاديون بالبيضاء، الأربعاء الماضي، حول مشروع قانون المسطرة المدنية، صرخة إلى من يهمهم الأمر، ليس فقط حول التراجعات التي سجلها أصحاب البذلة السوداء عن حقوقهم المكتسبة في الدفاع، بل امتدت أيضا إلى عراقيل وضعها المشروع نفسه للمتقاضين، ستقف حجر عثرة أمام سعيهم إلى نيل حقوقهم عن طريق المساطر القضائية. وضمن ما راع انتباهي أن المادة 30 من مشروع القانون موضوع الجدل، حصرت الحق في الطعن في الأحكام بالنسبة إلى المطالب المدنية التي تفوق 4 ملايين، إذ لا يجوز لمن لم يبلغ نزاعه ذلك المبلغ أن يطعن بالاستئناف لأن الحكم أصبح نهائيا وحائزا لقوة الشيء المقضي به، كما أن المادة 375 من المشروع ذاته تمنع الولوج للطعن بالنقض عندما يكون النزاع حول مبلغ لا يتجاوز 10 ملايين. المحامون المشاركون في الندوة وضمنهم نقباء وقادة سياسيون، بل بينهم رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان، ورئيس سابق للجنة نفسها، استغربوا هذا التمييز بين المواطنين بمعيار المبلغ المالي، ومنعهم وفق ذلك من اللجوء إلى المحكمة الأعلى، واعتبروه حيفا يتجاوز مبادئ الدستور التي تنص على المساواة أمام القانون. ولعلي بأن المحاكم في واقعها مليئة بملفات من هذا النوع، بل إنها غارقة فيها، وأخص بالذكر ملفات الكراء والقضايا المدنية الأخرى، التي قد تكون مداخيلها هي المعيل للأسر. مشروع القانون الجديد الذي قدمه عبد اللطيف وهبي، وزير العدل أمام البرلمان، لم يتضمن فقط هذا التمييز بسبب القيمة المالية، بل تعداه إلى التمييز بين المواطن والإدارة، رغم أن الأخيرة لها من الامتياز ما حباها به القانون، وتجلت "الحكرة" في الفصل 383 من مشروع المسطرة المدنية الذي منح الإدارة حق تنفيذ الأحكام في حالة الطعن بالنقض، وحرم المواطن من هذا الحق، أي أنه ملزم بانتظار قرار محكمة النقض. وهذا إمعان في الميز، فبعد أن استفادت الإدارة العمومية لسنوات من وضعية تفضيلية في تنفيذ الأحكام بسبب المادة 9 من قانون المالية التي منعت تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد ممتلكات وأموال الدولة، ها هي اليوم في الطريق إلى إقامة درع وقائي صلب، يضرب مبدأ المساواة بين الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، المنصوص عليه في الدستور، على اعتبار أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. نقائص وتناقضات كثيرة طرحتها ندوة المحامين الاتحاديين حول ملاءمة مشروع قانون المسطرة المدنية مع مبدأ المشروعية الدستورية، تنسجم تماما مع فكرة مقال سابق لرشيد وهابي، المحامي بالجديدة، عنونه بـ "من ميزان العدالة إلى عدالة الميزان". إننا اليوم أصبحنا فعلا نشعر أن الملفات سيتم "وزنها" قبل قبولها أو الإذن بالطعن فيها بالاستئناف أو النقض. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma