أغامر بالحديث عن عبد الإله بنكيران، فـ "البكاء على الميت خسارة"، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يصارع الموت السياسي، ويقاوم سكراته بالبحث عن "البوز". في عقل بنكيران السياسي تناقضات كثيرة، وفهمها سهل وبسيط، إذ يكفي قراءة كتاب "الأمير" للسياسي الإيطالي نيقولا مكيافيلي، لاكتشاف أنه مثله الأعلى، لذلك تجده يناور للعودة إلى السلطة، رغم فشله فيها، ويجلد خصومه بما تبقى له من نفس، غير عابئ بتحولات المشهد وذكاء المغاربة، الذين أدركوا أن "مصباح" حزبه انطفأ إلى الأبد. في الخطاب السياسي لبنكيران تجد التناقضات "المكيافيلية" بارزة، حتى لو استدعى الوقوع في النفاق السياسي، إذ مازال يعتقد أن دغدغة المشاعر، واللعب على وتر التضامن مع الشعوب، ربما يجذبان اهتمام المغاربة، ويدفعانهم إلى الصفح عن فشله في التدبير الحكومي، بل التسبب في كوارث اجتماعية. يلهث بنكيران "المكيافيلي" للعودة إلى السلطة دائما، مستدعيا أحداثا قديمة، ووقائع تنتقص من مبدأ "المجالس أمانات"، ثم يطوي الصفحة ويغيب في "الزاوية" في انتظار فرصة الظهور، ولو على "يوتوب"... بئس السياسة في زمن مواقع التواصل الاجتماعي. دعا بنكيران، أخيرا، إلى إلغاء مهرجان "موازين"، بدعوى تزامنه مع الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها الفلسطينيون، معتقدا أن المغاربة يمتلكون "ذاكرة السمك"، ولو امتلك الشجاعة التي يدعيها، وقرأ التعاليق المصاحبة للفيديو في صفحات حزبه الافتراضية، لتنحى عن المشهد السياسي إلى الأبد، فحبل النفاق قصير. تساءل أحدهم، معلقا على تصريحات بنكيران: "لماذا لم تؤجل فعاليات مهرجان "موازين" أثناء توليك رئاسة الحكومة، رغم أن إسرائيل كانت تشن حربا شرسة على قطاع غزة وقتها؟ إذ فضلت الصمت، بل إن وزراء في حكومتك حضروا أنشطته وكشفت الصور عن استمتاعهم". ألم أقل إني أغامر بالحديث عن بنكيران، فذاكرة المغاربة قوية قادرة على إفحام بنكيران "الميكيافيلي"، وتكشف تناقضاته، لكن دعوته إلى تأجيل المهرجان، تميط اللثام أيضا، عن "أسلوب حياة" من تربى سياسيا في الجماعات الدينية. أخفى بنكيران دعوته لإلغاء "موازين" في "جلباب" القضية الفلسطينية، إذ لم يكشف أن وراء دعوته سلوكا يجري في دماء "المتأسلمين"، المعادين للنزعة الإنسانية وإعلاء قيمة الحرية، ومخاطبة الوجدان التي تنشرها الفنون والآداب. يعتقد بنكيران، في قرارة نفسه، أن كراهية الفن تجعل أعضاء حزبه أتقياء، ويطبقون تعاليم الإسلام الصحيحة، ولا بأس من "معاداة الفن" للوصول إلى الحكومة، ولو باستدعاء قضايا عادلة... إنه استغلال سياسي بائس لـ "زعيم" يقاوم "سكرات الموت السياسي". خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma