البرلمان على محك حقوق الإنسان

الحنوشي يرصد إشكاليات مستجدة في حصيلة مجلسي النواب والمستشارين خلال الولاية العاشرةتضمن الكتاب، الصادر في 285 صفحة من الحجم المتوسط، عدة محاور تهم بالخصوص المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والإطار المرجعي لعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان، والديموقراطية وحقوق الإنسان والبرلمانات، والبرلمان المغربي وحصيلة الأداء في علاقة بالحقوق، إضافة إلى الحصيلة التشريعية في المجال، والأسئلة البرلمانية، علاوة على مجموعة من الملاحق حول وضعية الممارسة الاتفاقية بالمغرب ومبادئ بلغراد بشأن العلاقة بين المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمان، ومبادئ باريس المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. عمل تأسيسي بامتياز أكد الكاتب أن مسوغات اختبار موضوع "البرلمان وحقوق الإنسان مرجعيات وممارسات” تعود إلى اعتبارين أساسيين، أولهما ذاتي يتمثل في المسار المهني الشخصي، الذي جعل الباحث في قلب المؤسسات والهيآت العمومية والمدنية التي يؤول إليها الاختصاص في كل من مجال البرلمان ومجال حقوق الإنسان، حيث لم تنقطع صلته الشخصية بهذين المجالين، إما متطوعا في إحدى الجمعيات المدنية المهتمة بحقوق الإنسان أو إطارا بمجلس النواب أو مديرا لديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة إلى اعتبار موضوعي، عبر عنه بما حفزه للتعاطي البحثي مع المجالين “ما لاحظته من نقص كبير في الاهتمام بمنجز المؤسسة التشريعية في علاقة بقضايا حقوق الإنسان، وشح الكتابات ذات الصلة، إذ تعود أولى الكتابات بخصوص العلاقة المتبادلة بين البرلمان وحقوق الإنسان إلى سنة 1984". واعتبرت خديجة مروازي، الأستاذة الباحثة بجامعة ابن طفيل في تصدير هذا المؤلف، أنه يأتي "ليؤكد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الإنتاج المعرفي، في علاقة بالمؤسسة التشريعية من جهة وفي علاقة بحقوق الإنسان من جهة ثانية، ضمن سياق مسائل لمدى استثمار، مختلف الفاعلين المؤسساتيين وغير المؤسساتيين، لما تتيحه الوثيقة الدستورية من مكتسبات تعزز الحقوق والحريات"، واصفة إياه بعمل تأسيسي بامتياز، لأنه، وإن حدد مجاله في البرلمان بمجلسيه، وإطاره الزمني في الولاية العاشرة وموضوعه في المنجز التشريعي والرقابي في علاقة بحقوق الإنسان، فإن محتواه المعرفي يتجاوز ذلك، ليبسط، ليس فقط أمام البرلماني بل لجميع الفاعلين، مؤسساتيين وغير مؤسساتيين. الدستور والقانون التنظيمي من جهته أبرز محمد بوعزيز، مدير الشؤون البرلمانية سابقا بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، في تقديم الكتاب أنه" لما كان موضوع حقوق الإنسان قد أصبح يتسع بشكل أكبر، ليشمل مجالات لم تكن من قبل لتعد من مشمولاته، كما أن الآليات المخول توظيفها من أجل ترسيخ دور البرلمان في هذا الإطار، أصبحت بشكل مواز في تعددها، لتفتح المجال أمام ممثلي الأمة لإثارته كلما تبين لها ضرورة ذلك، فإن الكاتب لم يقتصر، وهو يقف على حصيلة عمل البرلمان على ما تم إنجازه على المستوى التشريعي خلال الولاية العاشرة التي ركز عليها دراسته، وإنما تعداها إلى آليات المراقبة المعتمدة دستوريا، أو تلك التي أقرها النظام الداخلي لكل من مجلسي النواب والمستشارين تحت رقابة القضاء الدستوري". وأوضح التقديم أن الكتابات السابقة، خاصة في المجال البرلماني، أبانت أنه كلما وظف الباحث تجربته المهنية، وضمها إلى رصيده المعرفي النظري، إلا وكان أقرب من خلق نقطة التقاء يدرك فيها كل من الممارس والمنظر ضالته، منوها بتناول المؤلف للمبادرات الموازية للبرلمان في مجال الاهتمام بحقوق الإنسان، من باريس إلى بلغراد قدم الكتاب قيمة مضافة علمية وتوثيقية غير مسبوقة، في مجال رصد الحصيلة البرلمانية في الولاية العاشرة، خاصة في علاقته بمنظومة حقوق الإنسان، برصد شامل غير خاضع لمنطق الانتقاء أو العينة بتناول عمل البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب وغرفة المستشارين في ما يتعلق بمشاريع القوانين، ومقترحات القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. ويرصد الكتاب عمل المؤسسة التشريعية وأداء البرلمان بشكل يحدد الإطار المرجعي والمعياري لعلاقة البرلمانات بمؤسسات حقوق الإنسان، استنادا إلى مبادئ بلغراد، في إشارة إلى الوثيقة الصادرة عن مؤتمر مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد في العاصمة الصربية بلغراد في فبراير 2012 . وتعد مبادئ بلغراد الإطار المرجعي لتجسير العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمؤسسات البرلمانية، لذلك توقف عندها الباحث بشكل مفصل باعتبارها وثيقة مرجعية على المستوى الدولي، لإطلاع القراء على أهم مضامين الوثيقة المؤطرة للالتزامات المشتركة للبرلمانات والمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، ومنها أساسا تقديم المشورة والتوصيات والمعلومات إلى البرلمان في القضايا والمواضيع ذات الصلة بحقوق الإنسان، طلبا لتقوية المؤسسة البرلمانية في ممارسة دورها في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما في ذلك التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الأممي، والاستشارة الحقوقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من قبل البرلمانات بشأن محتوى ومقترحات القوانين الجديدة، والتأكد من مدى احترامها لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان، والعمل على تقديم مقترحات عند الاقتضاء من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان . تفاهم واستشارة تناول الكتاب بالرصد والتوثيق عملية تنزيل مبادئ بلغراد في التجربة المؤسساتية المغربية، بدءا بتوقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلسي النواب والمستشارين في دجنبر 2014 احتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، والتي شكلت الإطار المرجعي لما جاء من مبادرات، قبل تحيينها في يونيو 2021، وصولا إلى دراسة مجالات التعاون بالصيغة المغربية لمبادئ بلغراد من خلال تقديم مشورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل إعمال مقاربة حقوق الإنسان في إنتاج التشريعات الوطنية ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها . وتشمل الاتفاقية استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال دراسة أثر مشاريع المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والموجودة قيد المصادقة، على المنظومة القانونية الوطنية، وعلى التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال تقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان ..ويمتد مجال التعاون والتنسيق ضمن اتفاقية بلغراد إلى إعداد استراتيجية لمتابعة التوصيات التي تقدمها الآليات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتنسيق المبادرات المشتركة في مجال الدبلوماسية البرلمانية والموازية، إلى جانب دعم المجلس في إنجاز الدراسات والأبحاث في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة. تجويد التشريع وفر كتاب الحنوشي رصيدا مرجعيا مهما من ثمار التعاون المؤسساتي، وذلك من خلال عدد هام من التقارير والمذكرات والآراء الاستشارية واللقاءات الدراسية، والندوات العلمية بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو بمبادرة من مجلس النواب أو مجلس المستشارين، أو بمبادرة من الفرق البرلمانية أو بعض اللجان البرلمانية الدائمة أو الموضوعاتية . وساعدت هذه الحصيلة إلى حد كبير في تجويد التشريع المغربي وتقوية الدور الرقابي للبرلمان المغربي بغرفتيه، وفي دعم مجال الديبلوماسية الموازية . ولم يكتف الباحث ضمن هذا المجهود التوثيقي الهام برصد المؤشرات الكمية فقط، بل كانت لمسة الحقوقي حاضرة في تحليل لمختلف مجالات التشريع التي بلورتها اتفاقية بلغراد بصيغتها المغربية، بما فيها القضايا الخلافية أيضا . ويؤشر الإصدار على جيل جديد من الكتابات التي من شأنها المساعدة على قراءة هادئة للتجربة المغربية في بعدها المؤسساتي من خلال علاقة البرلمان المغربي مع مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعملهما المشترك لتطوير المنظومة الحقوقية بوضع مسار خبرة علمية ومهنية في المجال بين يدي الفاعلين وعموم القراء خدمة للتطور المؤسساتي الوطني. ويمكن وصف الكتاب بأنه دليل إرشادي لفهم وظيفة البرلمان الحقوقية، في أفق أن يكون لبنة أولى في مشروع ووضع برنامج لتكوين. امتحان كورونا فتح الكتاب عدة مداخل لفهم المنظومة الدولية لحقوق الإنسان في سياقها التاريخي وهيآتها وهياكلها وبنياتها المرجعية الحقوقية الكونية، قيمتها ومبادئها، بداية من السياق الدولي لعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان ومبادئه المؤسسة، مرورا بالمدى الإقليمي لهذه العلاقة في إطاراتها المرجعية الأوروبية والإفريقية والعربية والإسلامية، وصولا إلى مدخل التجربة المغربية لعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان، بتشريح جوهر عدد من التحديات التي تواجه المؤسسة التشريعية الوطنية في مهمتها سيرا على منوال عملية صناعة القوانين التي تتعرض إلى مخاضات عسيرة، تتجاذبها توافقات سياسية قد تكون على حساب حقوق الإنسان، مع تسليط الضوء على المكانة المحورية الذي يمكن أن تلعبه الأغلبية البرلمانية، التي ينعكس دورها سلبا أو إيجابا على تحديد المقاصد الحقوقية للقانون، إضافة إلى تحديات لا تقل أهمية مثل حالة الطوارئ أو الاستثناء، بدليل أن البرلمان تعرض لامتحان صعب حينما ضربت جائحة كورونا المغرب. في سطور - من مواليد 1965 بالرباط، - حاصل على شهادة الإجازة في الفلسفة - إطار بمجلس النواب - شغل مديرا لديوان رئيس مجلس حقوق الإنسان (2011-2018) - ساهم في إنجاز العديد من الأبحاث والتقارير في مجالات العمل الجمعوي وحقوق الإنسان - شارك في دراسات عدة تخص مجالات الشباب وتقييم السياسات العمومية والحياة البرلمانية.

البرلمان على محك حقوق الإنسان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إطلاق النار بصفرو لاعتقال جانح

إدانة سائق حافلة بأزيلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات