“أجسام طائرة” مجهولة فوق الصناديق

علي بوطيبة: ديمقراطية دستور 2011 حولتها الأحزاب إلى تجارة الدكاكين الانتخابية بعد أن كانت الأحزاب السياسية تتنافس في تفريخ المناضلين وزعامات سياسية لضمان شعبية جارفة بين المواطنين، وبالتالي حضور وازن بالحكومة أو البرلمان بناء على برامج سياسية واجتماعية صاغها مثقفو الحزب، انقلبت الأمور رأسا على عقب في الوقت الحالي، إذ فتحت مقراتها لكائنات انتخابية ورموز فساد، مع تقديم إغراءات لها للترشح باسمها لضمان مقاعد برلمانية تعبد الطريق صوب منصب رئيس الحكومة أو على الأقل التفاوض من موقع قوة على مناصب وزارية. لا تهم السلوكات والأنشطة المشبوهة لـ"المناضلين الجدد" بالنسبة إلى القيادات الحزبية، بل على العكس، في حال وجهت لهم أصابع الاتهام، يسارعون للدفاع عنهم، والاستعداد لخوض حرب شرسة لحمايتهم من أي متابعة قضائية، فالمقاعد أولى من القيم والأخلاق. وفي هذا الإطار، توقف علي بوطيبة، فاعل سياسي وأستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، عند محطة تاريخية وهي أنه بالعودة إلى المغرب قبل الاستعمار، يهيمن على الحياة السياسية، المخزن والباشوات والقياد، وجمعتهم بالقبائل علاقة اعتبارية ورمزية ونوع من التقدير والاحترام، ولدرجة أن بعض القرارات الهامة كانت تتخذ عن طريق الإجماع، لكن بعد دخول الاستعمار الفرنسي، تم تطبيق النظام الرأسمالي وتبني الديمقراطية والبرلمان، فبدأ مسلسل تأسيس الأحزاب والنقابات، وصارت الانتخابات هي الفيصل بين الجميع. وأكد بوطيبة أن السلطات الاستعمارية منحت الأحزاب السياسية والنقابات قيمة خاصة، وجعلتها المحاور الوحيد لها، وبالتالي تم إسقاط مفهوم القبيلة وتقزيم دورها، لكن بعد استقلال المغرب، سيعمل الملك الراحل الحسن الثاني على مغربة هذه الإطارات السياسية والنقابية، إذ ستهيمن عليها عائلات عريقة، تمتاز بالوقار والتقدير، سواء داخل الأحزاب الوطنية، سيما الاستقلال والشورى والاستقلال، أو داخل الأحزاب الإدارية نفسها، من قبيل عائلات عصمان والمعطي بوعبيد والأبيض. وأكد الخبير أن الأحزاب السياسية إلى حدود دستور 1996، ظلت تحظى بمكانة خاصة لدى المغاربة، إذ كان لـ"المناضل" دور اعتباري ورمزي في تأطير الجماهير وتمثليها في المؤسسات المنتخبة، كما ساد الود والتبجيل بين جميع قادة الأحزاب مهما اختلفت توجهاتهم، بحكم أن الوزير الأول وقتها كان يعين من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، مهما كانت عدد المقاعد التي يحصل عليها أي حزب في الاستحقاقات الانتخابية. إلا أنه بعد دستور 2011، يؤكد بوطيبة، تغيرت قواعد اللعبة، إذ تم تعويض منصب الوزير الأول برئيس الحكومة، مع صلاحيات موسعة، فعدنا إلى ديمقراطية النظام الرأسمالي المتوحش، والتي يحكمها منطق واحد ضمان رئاسة الحكومة وعدد مهم من الوزارات متوقف على حصول الحزب على عدد أكبر من المقاعد في البرلمان، بل حتى في حال انزوى الحزب في المعارضة، فعدد المقاعد المتحصل عليها تجعله قوة بارزة في المعارضة وقادر على المفاوضة من منطق القوة. لهذا، تم الرهان على الكائنات الانتخابية ورموز فساد لضمان عدد أكبر من المقاعد، سيما بعد أن كان دور هؤلاء في وقت سابق تقديم الدعم لمناضلي الأحزاب، فقرروا في النهاية خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية، والنتيجة حدوث عزوف سياسي من قبل مناضلي الأحزاب والمثقفين، ليدخل المشهد السياسي المغربي نفقا مظلما، سيما بعد أن فرضت الكائنات الانتخابية ورموز الفساد هيمنتها على هوامش المدن والقرى، مستغلة الهشاشة التي يعانيها سكان هذه المناطق. منطق الهوامش وظهور جهات تتحكم فيها، حولا الأحزاب السياسية إلى دكاكين انتخابية تتنافس على استقطاب "فاسدين" للترشح باسمها، ما داموا سيضمنون للحزب رقما مهما من المقاعد في البرلمان والمجالس الجماعية، إضافة إلى قدرتهم الكبيرة على تمويل الحزب بمبالغ مالية مهمة. وشدد الخبير على أن الجهات العليا تنبهت للأمر، وطالبت لمناسبات عدة بتخليق الحياة السياسية دون جدوى، بعد أن طبعت أحزاب مع الفساد، ليتم في النهاية تفعيل قرار إسقاط الحصانة البرلمانية، والنتيجة متابعة برلمانيين في قضايا فساد، بعضهم ينتمي إلى أحزاب تعتبر نفسها تقدمية وديمقراطية. مصطفى لطفي

“أجسام طائرة” مجهولة فوق الصناديق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

موسم "جني" السياسيين

بالصور.. أخنوش يتفقد مشاريع تنموية بإقليم تزنيت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات