قانون المالية يقر تدابير جديدة تشدد الخناق على ممتهني الغش والتهرب الضريبيين تضمن قانون المالية 2024 في صيغته النهائية، بعد مصادقة البرلمان عليه ونشره بالجريدة الرسمية، مقتضيات جبائية جديدة همت بشكل خاص الضريبة على القيمة المضافة، إذ تمثل السنة الجارية بداية التنزيل الفعلي لإصلاح هذه الضريبة، الذي يمتد على مدى ثلاث سنوات إلى غاية 2026، بهدف معالجة الاختلالات المسجلة وعلى رأسها تعدد معدلات التضريب، التي تتسبب في صعوبات للمقاولات خلال استرجاع مستحقاتها من الضريبة، ما جعل المتأخرات تتراكم، كما تهدف الإصلاحات المعتمدة إلى إعفاء مواد أساسية من الاقتطاعات، وتضمنت الإجراءات المتخذة تدابير مشددة لمواجهة ومحاصرة ناهبي أموال الضرائب، بشكل عام، والضريبة على القيمة المضافة بشكل خاص. تقدم "الصباح" أهم الإجراءات التي تضمنها قانون المالية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة ومحاربة الغش والتملص الضريبيين. إعداد: عبد الواحد كنفاوي تقرر إعفاء عدد من المواد كانت خاضعة للضريبة على القيمة المضافة، ويتعلق الأمر بالمنتوجات الصيدلية، التي أصبحت، ابتداء من يناير الجاري، معفية بمقتضى الفصلين 92 و123 من المدونة العامة للضرائب، بالمقابل أخضعت المواد الأولية والمنتوجات التي تدخل في تكوينها وصناعتها لمعدل 20 في المائة من القيمة المضافة. كما تضمن قانون المالية 2024 إجراء يقضي بإعفاء الأدوات المدرسية والمنتوجات الداخلة في تركيبها من الضريبة على القيمة المضافة حين الاستيراد وفي الداخل، علما أنها كانت خاضعة لمعدل 7 في المائة، ويشمل الإعفاء، أيضا، المواد الداخلة في تركيبها. وهم الإعفاء الزبدة المشتقة من الحليب ذي الأصل الحيواني، التي كانت تخضع في السابق لمعدل اقتطاع يصل إلى 14 في المائة، وأعفى قانون المالية، أيضا، مصبرات السردين ومسحوق الحليب والصابون المنزلي، بعدما كانت تخضع لمعدل 7 في المائة. تخفيضات تقرر، في إطار توحيد معدلات التضريب وتقليص عددها، تخفيض معدل الضريبة على القيمة المضافة على إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة إلى 12 في المائة، خلال السنة الجارية، ليتقلص في السنة المقبلة إلى 10 في المائة. كما تم تخفيض معدل الضريبة على عمليات النقل الحضري والنقل الطرقي للمسافرين والبضائع إلى 13 في المائة، ابتداء من السنة الجارية، على أن يتم تقليصه، خلال 2025، إلى 12 في المائة، ثم إلى 10 في المائة في السنة الموالية. وتقلص معدل الضريبة على الخدمات المسداة لمقاولة التأمين من قبل وكلاء التأمين إلى 12 في المائة، ابتداء من 2024، ثم 10 في المائة في السنة الموالية. زيادات عمدت الحكومة، مقابل التخفيضات وفي إطار تعزيز حيادية الضريبة، رفع الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الطاقة إلى 16 في المائة، ابتداء من يناير الجاري، ثم إلى 18 في المائة، مع بداية 2025، للوصول إلى معدل 20 في المائة في أفق 2026. وشددت المديرية العامة للضرائب على أن تغيير معدلات التضريب، خلال المرحلة الانتقالية، لن يكون له أي تأثير على تعريفات بيع الطاقة الكهربائية، التي تظل مقننة. كما تقرر رفع معدل الضريبة على كراء عدادات استهلاك الكهرباء إلى 11 في المائة، ابتداء من السنة الجارية، ثم 15 في المائة، خلال 2025، و20 في المائة في السنة الموالية. في السياق ذاته سيرفع معدل الضريبة تدريجيا على عمليات نقل المسافرين والبضائع، غير النقل الحضري والنقل الطرقي للمسافرين والبضائع، إلى 16 في المائة، ابتداء من يناير الجاري، لينتقل إلى 18 في المائة، خلال 2025، ويستقر في حدود 20 في المائة في أفق 2026. وانتقل معدل الضريبة المطبقة على السكر المكرر من 7 في المائة إلى 8، ابتداء من بداية السنة الجارية، لينتقل إلى 9 في المائة في السنة المقبلة، ثم إلى 10 في المائة في السنة الموالية. وتم رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على السيارات الاقتصادية من 7 في المائة، سابقا، إلى 10 في المائة، ابتداء من السنة الجارية. إدماج القطاع غير المهيكل أحدث قانون المالية 2024، في إطار إدماج الاقتصاد غير المهيكل وضمان حيادية الضريبة على القيمة المضافة، نظاما اختياريا جديدا للتصفية الذاتية للضريبة على القيمة المضافة لفائدة الأشخاص الذين يتعاملون مع موردين خارج نطاق تطبيق الضريبة أو معفيين منها دون الحق في الخصم. وسيسمح هذا النظام للأشخاص الذين يمارسون نشاطا خاضعا للضريبة على القيمة المضافة باحتساب مبلغها على مشترياتهم من الموردين خارج نطاق تطبيق الضريبة أو معفيين منها دون الحق في الخصم، مع السماح لهم بخصم مبلغ الضريبة في الوقت نفسه، باستثناء عمليات اقتناء الأراضي والمنتوجات الفلاحية. الفواتير الوهمية اعتمد قانون المالية، في إطار الحد من استعمال الفواتير الوهمية، آليتين جديدتين لحجز الضريبة على القيمة المضافة من المنبع، إذ تقضي الأولى بحجز الزبناء مبلغ الضريبة من المنبع بالنسبة إلى موردي السلع والأشغال، الذين لا يدلون بشهادة صادرة بطريقة إلكترونية عن إدارة الضرائب، لا تتجاوز مدتها ستة أشهر، تثبت أنهم في وضعية جبائية سليمة برسم الضرائب والواجبات والرسوم المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، على أن تتجاوز قيمة هذه السلع والأشخاص مبلغ 5 آلاف درهم. وتستثنى من هذا الإجراء الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. كما تقضي الآلية الثانية، التي تهم مقدمي الخدمات الخاضعين للضريبة، بحجز 75 في المائة من مبلغ الضريبة المستحق على عمليات تقديم الخدمات، التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي، من قبل الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والشركات التابعة لها والهيآت العمومية الأخرى، إضافة إلى الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص والأشخاص الذاتيين المحددة دخولهم وفق النتيجة الصافية الحقيقية أو نظام النتيجة الصافية المبسطة، الذين يدفعون المكافآت المتعلقة بالخدمات للأشخاص الذاتيين الخاضعين للضريبة، الذين قدموا الشهادة التي تثبت أن وضعيتهم الجبائية سليمة، وإذا تعذر ذلك فإن الحجز يهم مبلغ الضريبة بالكامل. ويتعين دفع مبلغ الضريبة المحجوز إلى قابض إدارة الضرائب خلال الشهر الموالي للشهر الذي تم فيه أداء المورد. التلاعب بأموال الاستثمار كان يتعين، قبل 2013، على أي مقاولة تقتني أموال استثمار منقولة وغير منقولة واستفادت من الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة أو من الحق في الخصم، الاحتفاظ بهذه الأموال لمدة خمس سنوات، وفي حالة عدم الالتزام ترجع إلى الخزينة مبلغ الإعفاء أو الخصم المنجز. وتقرر، خلال 2017 بعد فرض الضريبة على القيمة المضافة على السلع المنقولة المستعملة، إلغاء إلزامية الاحتفاظ بأموال الاستثمار، لكن تبين، بعد ذلك، وجود ممارسات لاستغلال المقتضى الجديد للتهرب الضريبي. وأقر قانون المالية 2024، في إطار مكافحة التهرب الضريبي، إلزامية الاحتفاظ لمدة 60 شهرا بأموال الاستثمار المنقولة التي استفادت من الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة أو من الحق في الخصم. وفي حال عدم الالتزام بالاحتفاظ بهذه الأموال، طيلة المدة المحددة، فإن المستفيد من الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة أو الحق في الخصم يرجع إلى الخزينة مبلغ الإعفاء أو الخصم. التجارة الرقمية أدى نمو الاقتصاد الرقمي، خاصة الخدمات الرقمية المقدمة عبر الأنترنيت، من قبل موردين غير مقيمين، إلى طرح تحديات كبيرة في ما يتعلق بأنظمة الضريبة على القيمة المضافة في جميع أنحاء العالم. ووضع قانون المالية للسنة الجارية، بهذا الصدد، أساسا قانونيا يسمح بتضريب الخدمات الرقمية، من خلال مراجعة قواعد إقليمية الضريبة على القيمة المضافة، من أجل فرض الضريبة حسب مكان إقامة مستهلك الخدمات الرقمية وفق المعايير الدولية المعمول بها، وإقرار إلزامية الكشف عن هوية مقــدمي الخدمات عن بعــد غيــر المقيمين، لدى إدارة الضرائب عبر منصة إلكترونية وكـــذا إلزامية الإقرار برقم المعاملات المحقـــق في المغرب وأداء الضريبة المستحقة. مسؤولية تضامنية تضمن مشروع قانون المالية للسنة الجارية تدابير مشددة في مواجهة ممارسات الغش والتملص الضريبيين، المرتبطة بالضريبة على القيمة المضافة، إذ أقر مبدأ التضامن في مجال تحصيل ودفع الضريبة على القيمة المضافة، بالنسبة إلى كل شخص يمارس بشكل مباشر أو غير مباشر مهام إدارة وتسيير أعمال المقاولات. وهكذا سيصبح هؤلاء الأشخاص مسؤولين على وجه التضامن عن أداء الضريبة على القيمة المضافة المحصلة وغير المدفوعة لخزينة الدولة. وأثار هذا القرار نقاشا واسعا، خاصة في صفوف المقاولات وبعض المهن المرتبطة بالإشراف على الحسابات والتصاريح الجبائية، مثل الخبراء في المحاسبة، لكن رغم التحفظات المعبر عنها، خلال مناقشة مشروع قانون المالية للسنة الجارية، فإن القرار حاز على مصادقة البرلمان. الحبس للمتهربين يمكن للمديرية العامة للضرائب، في ما يتعلق بالفواتير الوهمية، إحالة ملف المتورطين مباشرة على وكيل الملك المختص، الذي وقعت المخالفة في دائرة نفوذه الترابي، دون حاجة إلى استشارة لجنة النظر في المخالفات الضريبية، خلافا للأصناف الأخرى. وعززت المديرية العامة للضرائب، حاليا، ترسانتها لمواجهة كل أشكال الغش والتهرب الضريبيين، بعد صدور المرسوم المتعلق بتحديد وتنظيم لجنة النظر في المخالفات الضريبية وكيفيات سيرها. وخصصت المديرية العامة للضرائب موارد مهمة لتحسين أداء منظومتها المعلوماتية، من أجل ضمان فعالية أكبر في رصد التلاعبات ومواجهة المتهربين وممارسي الغش الضريبي.