ضمانات الحضور… سوء الفهم الكبير

لبس في تقديرها جعل الاعتقال العنوان الأبرز والاكتظاظ يدق ناقوس الخطر رغم كل المناشير المسترسلة حول ضرورة تفعيل ضمانات الحضور، لعدم متابعة الأشخاص في حالة اعتقال، فإن الملاحظ هو استمرار "المغالاة" في تفعيله، بعلة انعدام ضمانات الحضور لدى المتهم، وهي الضمانات التي يختلف تقديرها من نيابة عامة إلى أخرى، بل من قاض إلى آخر. هذا الوضع أغضب عبد اللطيف وهبي، وزير العدل الأسبوع الماضي، بمجلس المستشارين، إذ عبر عن امتعاضه من استمرار ارتفاع المتابعين في حالة اعتقال، رغم وجود فصول قانونية تسمح بمتابعة المتهمين في حالة سراح، معتبرا أن سبب متابعة أشخاص في حالة اعتقال رغم توفرهم على ضمانات المتابعة في حالة سراح، ناتج عن غياب الجرأة في اتخاذ القرار. وتساءل وزير العدل "ألا يوجد نحو 50 في المائة من المعتقلين الاحتياطيين يتوفرون على الضمانات لمتابعتهم في حالة سراح من بين 110 آلاف سجين؟". ما تحدث عنه وهبي كان دائما مثار العديد من التوصيات لرئاسة النيابة العامة في شأن ترشيد الاعتقال الاحتياطي، سواء في عهد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أو في العهد الحالي الذي تؤول رئاستها فيه إلى مولاي الحسن الداكي، الذي طالما أكد ضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي باعتباره تدبيرا استثنائيا، لا يتم اللجوء إليه إلا إذا استوجبته الضرورة، بل إنه أقام أياما دراسية في الموضوع، لكن يظهر أن القانون يقف عاجزا أمام غياب ثقافة العدالة التصالحية، والنقطة المتعلقة بثقافة المتقاضي، في حال كان ضحية، فإنه لا يقبل أو بالأحرى لا يشعر بالثقة إلا إذا تم اعتقال الخصم، وهي مسألة لا يمكن تجاهلها في النقاش، على اعتبار أنه في مثل تلك الحالات يظهر بشكل جلي ما يجب أن يتوفر عليه قاضي النيابة العامة من جرأة في اتخاذ القرار، وفق التطبيق السليم للقانون، وبعيدا عن أي تأثير من الخارج. والنقطة الثانية التي لا تقل أهمية عن سابقاتها، هي أن الملف عندما يحال من النيابة العامة على قضاء الحكم، يكون أمامه متسع من الوقت لدراسته وقد تظهر حقائق جديدة، يمكن أن تنهي الحكم بالبراءة، وهذا لا يعني حسبه أن هناك خطأ في المتابعة، أو كما يقال "الملف خرج مايل من عند النيابة العامة". كريمة مصلي تذاكر المونديال... نموذج صارخ غياب معايير موضوعية لاعتماد أوامر الاعتقال أو التمتيع بالسراح تحبل العديد من قرارات المتابعة في حالة اعتقال أو التمتيع بالسراح، بألغاز لا يمكن فك شفرتها بالاطلاع على النصوص القانونية، بل حتى قناعة القضاة أنفسهم، تبدو متباينة من ملف إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، بل وداخل المحكمة نفسها، ما يطرح استفهامات عريضة حول المعايير المعتمدة لمنح السراح أو المتابعة في حالة اعتقال، سيما بالنسبة إلى من تتوفر فيهم ضمانات الحضور، إذ أن الغموض الذي اكتنف مفهوم ومدلول التوفر على الضمانات الكافية، من عدمه، ناجم أساسا عن عدم وضع تعريف محدد لهذه الضمانات، وعدم تدخل محكمة النقض باجتهاد في شأن هذه الضمانات للمساعدة على توحيد العمل القضائي، ووقف حالات التناقض في رفض أو قبول منح السراح أو الإفراج المؤقت، من قبيل اعتبارات السكن القار أو الممتلكات أو الوظيفة أو غيرها من العوامل التي تجبر المعني بالأمر على الحضور والمثول أمام القضاء إلى حين التثبت من نسبة التهمة إليه من عدمها، سيما أن الاعتقال الاحتياطي، هو تدبير استثنائي، وأن قرينة البراءة هي الأصل، وفق الدستور والقانون الجنائي. ولعل من النماذج التي تعرض اليوم على المحكمة، تلك المتعلقة بتذاكر مونديال قطر، التي يتابع فيها برلماني صاحب شركات في حالة اعتقال، ومتهم ثان، وهو صحافي رياضي، في حالة سراح، إذ لم تفهم، حتى بعد صدور الحكم الابتدائي في حق الظنينين، المعايير المعتمدة في التمييز بينهما من حيث قرار الاعتقال، وهل لم يكن كافيا اتخاذ تدبير المتابعة في حالة سراح لكليهما إلى أن يصير الحكم نهائيا، سيما أن شكوكا حامت حول حالة التلبس لوقوع الجريمة خارج أرض الوطن. فهل في مثل هذه القضايا تكون العقوبة الحبسة رادعة؟ وتماهيا مع اللبس الكبير في الميل نحو الاعتقال الاحتياطي، ما أفرز أزمة بالسجون، بادرت رئاسة النيابة العامة، قبل سنتين، إلى الدعوة لاستحضار قرينة البراءة واستثنائية الاعتقال الاحتياطي، مبدأين أساسيين في قانون المسطرة الجنائية، قبل تحريك الدعاوى العمومية، مع عدم إصدار الأوامر بالإيداع في السجن، إلا إذا توفرت الموجبات القانونية، كحالة التلبس أو توافر أدلة قوية على ارتكاب الجريمة مع انعدام ضمانات الحضور أو خطورة الأفعال. وحث رئيس النيابة العامة في دورية حول "وضعية الاعتقال الاحتياطي"، وجهها إلى المحامي العام الأول لدى محكمة النقض، والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، على تعزيز التنسيق مع الرؤساء الأولين ورؤساء المحاكم للرفع من وتيرة تصفية القضايا الخاصة بالمعتقلين، مع القيام بكافة التدابير المساعدة للمحاكم في تجهيز القضايا. إلا أنه رغم كل ذلك تواصل الغموض في إعمال قرارات الاعتقال، وتضاعف معها عدد المعتقلين الاحتياطيين، ما دفع المندوب العام لإدارة السجون إلى دق ناقوس الخطر، داعيا إلى نهج مقاربة مندمجة لترشيد الاعتقال، إذ مازالت تجهل المعايير الموضوعية والقانونية المعتمدة والمتحكمة في تحديد مصير حالات الأفراد أثناء تقديمهم أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو حتى أمام قضاء الحكم. فأفراد يقدمون في حالة اعتقال رغم توفر كافة ضمانات الحضور سواء المالية منها أو الشخصية أو الوظيفية، بينما يمتع آخرون في مثل هاته الحالات أو أكثر خطورة بمتابعة أو إحالة أمام قضاء التحقيق أو أمام الهيأة القضائية، في حالة سراح. المصطفى صفر

ضمانات الحضور… سوء الفهم الكبير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نقاش متجدد حول تدبير استثنائي

جدوي: الضمانات ممارسة وليست سياسة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات