خرج القاضي الذي أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في حقه قرارا بعزله، بسبب تدوينات نشرها في وقت سابق، لشرح أسباب اتخاذ تلك العقوبة بموقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" على أنها صدرت بسبب التعبير عن مناهضة الفساد، مضيفا أنه سبق له أن نبه المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى بعض الاختلالات، والتي تخص المحكمة الابتدائية بالعيون، اعتقادا منه أن هذه الإخلالات ناتجة عن انحرافات أشخاص ليس إلا، وتفعيلا لمناشير ودوريات المجلس المذكور، التي تحث القضاة على مكاتبته وتبليغه بملاحظاتهم وتظلماتهم وطلباتهم وما يعترضهم من إشكالات. وقال القاضي إن العقوبة تقررت بعدما واجهه المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمجموعة من التدوينات "اعتبرها موجهة ضد وكيل الملك بالعيون، وهي تدوينات لا تخرج عن الحديث عن المبادئ التي أؤمن بها، من قبيل المحاسبة والمسؤولية والنزاهة والحياد ومحاربة الفساد". انعدام أي شبهة في ملف القاضي المعزول عززه كتاب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالعيون، المضمن في ملفه التأديبي، إذ أفاد الوكيل العام، بموجب البحث الاستعلاماتي، أن القاضي المعني بالأمر يتمتع بسلوك حسن واستقامة في العمل وله علاقات جيدة مع موظفي المحكمة، كما أن علاقته مع المرتفقين تطبعها الصرامة والمصداقية، ولم تتخللها أي تدخلات سواء بمقابل مادي أو محاباة، وأضاف الكتاب أنه لم يسبق أن شكل موضوع أي ملاحظات من قبل المرتفقين ولم تسجل في حقه أي شكاية، من حيث سلوكه خارج أوقات العمل، وأن تصرفاته عادية لا تشوبها أي ملاحظات حول استغلاله منصب نائب وكيل الملك، باستثناء بعض تدويناته "الفيسبوكية" التي صدرت في حقه إثرها عقوبة الإنذار من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وعلاقة بالموضوع، ولما خلفه من صدمة وسط زملائه، عقد المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب، بشكل مستعجل، (السبت) الماضي، اجتماعا طارئا على ضوء القضية، إذ سجل خلاله انخفاض منسوب الشعور بالأمن المهني لدى عموم القضاة، عقب صدور مقرر المجلس الأعلى للسلطة القضائية القاضي بعقوبة الانقطاع النهائي عن العمل (العزل) في حق عفيف البقالي القاضي، رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرشيدية، مشيرا إلى التزايد المطرد في فتح مساطر تأديبية بسبب أخطاء قضائية تصحح بطبيعتها عبر طرق الطعن القانونية، أو بسبب أمور لا تشكل إخلالا مهنيا من الأصل، مثل بعض الأخطاء المادية الناتجة عن ضغط العمل وكثرة القضايا. وعبر النادي عن مخاوفه من انخفاض منسوب الشعور بـ "الأمن المهني"، الذي قد لا يعود إلى السبب السالف فحسب، وإنما إلى عدم قدرة القضاة على توقع نتائج تدبير وضعياتهم المهنية، بما فيها مسطرة التأديب، ومدى احترام المعايير القانونية المتعلقة بها، والواردة في الباب الأول من القسم الرابع من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، خصوصا مبدأ التناسب بين الفعل والعقوبة المنصوص عليها صراحة في مستهل المادة 99 من القانون التنظيمي، المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وفق قاعدة التدرج. واعتبر نادي قضاة المغرب أن كل زعزعة لثقة القضاة في تدبير وضعياتهم المهنية من شأنه التأثير على اطمئنانهم، وهو ما قد يمس، بشكل غير مباشر، باستقلاليتهم واستقلالية السلطة القضائية التي يمثلونها، معبرا في الوقت نفسه عن تضامنه مع القاضي المعزول، المشهود له بالنزاهة والاستقامة والكفاءة والدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، وهو ما أكدته مختلف التقارير المنجزة على ذمة قضيته، من قبل جهات رسمية عديدة، دعما منه لممارسة القضاة لحقهم الدستوري في التعبير. كريمة مصلي