معرض «سكون الضوء» ينقل الفن من القاعات إلى الفضاء العام تتواصل بأبو ظبي، فعاليات الدورة الأولى لمعرض التركيبات الفنية الضوئية "منار أبو ظبي" تحت شعار "سكون الضوء". وهي التظاهرة التي انطلقت منتصف نونبر الجاري، وتستمر إلى غاية 30 يناير المقبل، ضمن مبادرة "أبو ظبي للفن العام" التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة. في هذا الخاص تأخذكم "الصباح" في جولة وسط الأعمال الفنية المعروضة بفضاءات خارجية مختلفة بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. إنجاز : عزيز المجدوب (موفد "الصباح" إلى أبو ظبي) ما إن يبسط الظلام أجنحته على سماء أبو ظبي، حتى تنبعث معه أطياف النور والأضواء التي تخترق أفقها في أشكال فنية بديعة، معلنة انطلاق فقرات المعرض الفني الذي يحمل عنوان "سكون الضوء". ورغم أن إمارة أبو ظبي صارت في السنوات الأخيرة قبلة للفنانين التشكيليين من مختلف أنحاء العالم، بفضل فضاءات العرض وبنيات الاستقبال التي شهدت تطورا مذهلا، إلا أن معظم هذه العروض ظل حبيسا داخل الجدران، واقتصر تذوقه على فئات نخبوية اعتادت التردد على المتاحف وقاعات العرض. من هنا جاءت فكرة تنظيم معرض التركيبات الضوئية "منار أبو ظبي" تحت شعار "سكون الضوء"، لإخراج الأعمال الفنية من داخل أسوار الفضاءات المغلقة، إلى تقريبها لأوسع فئة من الناس من خلال الإقامات الفنية التي تم تكليف فنانين تنفيذها. وفي هذا السياق قالت علياء زعل لوتاه، مقيّمة فنية للفن العام في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي ومُنسقة "منار أبوظبي"، إلى جانب ريم فضة، إن المنظمين حرصوا على أن تكون هناك مشاركة مختلفة من عدة دول من الإمارات ودول أخرى. وأضافت زعل، في تصريح ل"الصباح"، أن فكرة "منار أبو ظبي" جاءت أصلا من فكرة المنارة التي تضيء البحر، "ونحن فضلنا أن ننير الجزر المختلفة بالتركيز على جغرافيا أبو ظبي خاصة أنها تحتوي على مائتي جزيرة وقليلون من يعرف هذه المعلومة، وهذه الإنارة ستكون من خلال أعمال ومنحوتات فنية مضيئة، حتى تكتسب هذه الأماكن ديناميكية وحيوية لإمتاع زوار الإمارة". وتابعت المشرفة الفنية على التظاهرة، أنه "تم استهداف جزر لم يكن متاحا الوصول إليها من قبل عموم الزوار كما هو الشأن بالنسبة إلى جزيرة اللؤلؤ، والهدف من كل هذا تقديم مفهوم عالمي للفن نتوحد حوله". وأردفت المتحدثة نفسها أن الشعار الذي يرفعه المنظمون هو تقريب الفن من الجميع، وإخراجه من الفضاءات المغلقة التي يعرض فيها، من خلال مفهوم الفن العام، الذي يعرض في الأماكن العمومية ويعترض سبيل العابرين الذين يطالعون أعمال فنية مختلفة محمّلة بمعاني إنسانية وإلى جانب كل عمل لوحة تعريفية للتعريف بالعمل الفني وبالفنان. وتعرف مشاركة أزيد من 20 فناناً محلياً وإقليمياً وعالمياً من الأرجنتين وألمانيا وفرنسا والهند واليابان، والمكسيك وفلسطين والمملكة العربية السعودية وتايوان وتونس ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. وتتوزع أعمال الفنانين المشاركين، وأغلبها عبارة عن إقامات فنية وعروض مفتوحة بين عدة مواقع رئيسية، من بينها جزر اللؤلؤ والسعديات والجبيل والسمالية والفاهد بالإضافة إلى كورنيش العاصمة والقرم الشرقي. وتضم قائمة الفنانين المشاركين أحمد سعيد العريف الظاهري، وأسماء بالحمَر، وآلاء إدريس، وأيمن زيداني، وجميري، وجيم دينيفان، ورافاييل لوزانو هيمر، وروضة الكتبي، ورين وو، وسامية حلبي، وشيخة الكتبي، وشيزاد داود، وشيلبا غوبتا، وعائشة حاضر، وغروب إف، وكارستن هولر، ولطيفة سعيد، ولوسيانا آبايت، ومجموعة الفنانين "تيم لاب"، ومحمد كاظم، ونادية كابي لينك، ونجوم الغانم. الكورنيش... أضواء وهندسة تتجاور أعمال ما يقارب نصف الفنانين المشاركين ضمن معرض "منار أبو ظبي" شريط الكورنيش، حيث تنبسط الإقامات الفنية على الساحل، بمختلف أشكالها الضوئية والنحتية أو حتى الصباغية والتشكيلات الهندسية التي تدخل فيها مكونات البناء. ومن هنا، تأتي أعمال الفنانة التونسية نادية كعبي لينك التي تركز على الهندسة المعمارية، كمركبات أو عدسات للوسط غير المادي "الضوء"، الذي يجعل العالم مرئيا دون أن يُرى. ونادية كعبي لينك فنانة متعددة المفاهيم والوسائط ومقيمة بين برلين وكييف. ولعبت نشأة كعبي لينك بين تونس وكييف ودبي، دورا في بناء شخصيتها من خلال اختبار الهجرة عبر الثقافات والحدود والتي أثرت بشكل كبير على أسلوب ممارستها للفن. أعمالها الفنية جزء من مجموعات مشهورة عالمياً وتم عرضها في عدة معارض دولية، بما في ذلك متحف الفن الحديث ومتحف سولومون آر غوغنهايم في نيويورك، ومركز بومبيدو في باريس، ومؤسسة الشارقة للفنون في الإمارات العربية المتحدة، ومتحف M + في هونغ كونغ. أما الفنانة الإماراتية أسماء بالحمر فتعكس تجربة أولئك الذين ترعرعوا في الإمارات، وكيف شهدوا لتغيرات في الهندسة المعمارية والمناظر الطبيعية، خلال اللحظات العابرة من خلال استكشاف تفاعل الوقت والإدراك المكاني مع قطعتها النحتية. أما الفنانة سامية حلبي فتدمج الرسم مع التكنولوجيا الحركية، ما يمنح الأفكار المرئية جسدا ملموسا يعكس النمو والتطور. أما منحوتة الفنان شيزاد داوود، المسماة " الخيمياء المرجانية (شعب أكروبورا)" وهي قزحية الألوان ويبلغ ارتفاعها أربعة أمتار على شاطئ الكورنيش، تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي، وتسليط الضوء على أنواع الشعاب المرجانية المهددة بالانقراض. ويقوم كارستن هولر من خلال عمله الفني "نقاط أبوظبي"، بتطوير العنصر التشاركي بشكل أكبر على شاطئ الكورنيش، إذ يعتبر هذا العمل بمثابة لعبة تدعو الزوار للتفاعل مع الضوء وتغيير خصائصه. في حين تعكس الفنانة شيلبا غوبتا، قدرة الإنسان على التغيير، من خلال عمل فني مقدم باللغات العربية والإنجليزية والأوردية. جزيرة اللؤلؤ... احتلال ضوئي وموسيقي استفرد الفنان المكسيكي رافاييل لوزانو هيمر بمساحات مهمة من جزيرة اللؤلؤ، ليقدم فيها عملا فنيا اختار له عنوان "جزيرة الترجمة"، وهو عبارة عن رحلة تفاعلية عبر عشرة أعمال فنية متعددة الوسائط سمعية وبصرية واسعة النطاق. تعتبر هذه الأعمال بمثابة جولة تكنولوجية تستخدم فيها بخاخات الموجات فوق الصوتية وكاميرات حرارية وغيرها من المعدات. كما استخدم هيمر بعض التركيبات الفنية الضوء لتجسيد الظواهر الطبيعية والكونية أو التفاعل معها، والبعض الآخر يعكس الطبيعة العابرة للوجود والفهم البشري وسوء الفهم. تمثل الأعمال التركيبية التفاعلية لفنان الوسائط رافائيل لوزانو هيمر التقاطع بين الهندسة المعمارية وفن الأداء. يبتكر منصات المشاركة العامة باستخدام تقنيات مثل الأضواء الآلية، والنوافير الرقمية، وجدران الوسائط، وشبكات المعلوماتية. أما الفنان الإماراتي جميري فاشتغل في جانب من الجزيرة نفسها على دمج الصوت والتقنيات الرقمية والضوء والماء، إذ يحتفي من خلال هذا العمل بالجمال الأثيري غير المادي لشواطئ أبوظبي، ما يشكل حافزا للتفكير في الترابط بين جميع الكائنات الحية. يمزج في أعماله تجاربه مع الصوت والأفلام والتقنيات الرقمية والعروض الأدائية لابتكار عوالم غامرة، مكونة من تجارب حسية. ويتشكل العالم الخاص لجميري من مساحة واسعة يتم إنشاؤها من خلال الأعمال والتجارب العلمية، كالطقوس الغامضة التي تجري على خشبة المسرح وعبر الشاشة الكبيرة وداخل تطبيقات الهواتف الذكية. كما يستخدم موسيقى تتداخل فيها أنواع من أنغام البوب الكهربائية العربية مع المشهد الصوتي المتعارض للموسيقى الصناعية. ومن خلال رسم الخرائط التدريجية والتوسعية، يتطور جميري، لتصبح أعماله ممرا شاملا يقود إلى طرح الأسئلة النفسية ويعالج الصدمات، الشخصية والجماعية على حد سواء. أما الفنانة الإماراتية نجوم الغانم، فقد احتفت في عملها بتراث أبوظبي البحري من خلال عمل فني تكليفي ضخم بعنوان "السفن المحلقة" من القوارب الشراعية. دينيفان: إبداع رملي لحظي في العمل الفني الذي أنجزه الفنان الأمريكي جيم دينيفان، يواصل اشتغاله على المنجزات الفنية الضخمة، التي ينفذها على نطاق واسع بالشواطئ والصحاري والمناظر الطبيعية الجليدية. استغل جيم دينيفان في عمله الموسوم "مماثل ذاتيا" مساحة أرضية ضخمة بجزيرة "فهد" التابعة لإمارة أبو ظبي، فحول الرمال فيها إلى أشكال هندسية دقيقة عبارة عن دوائر ومثلثات وأهرامات وأشكال أخرى، صالحة للعرض المؤقت بحكم أنها بتركيبتها سريعة الزوال، إذ سرعان ما ستخضع لعوامل الزمن لتعود إلى تضاريسها الطبيعية، بعد أن تركت في نفس مشاهديها انطباعات مختلفة. وتتألف القطعة الفنية التي وضعها دينيفان من 19 حلقة و448 هرما، وتمتد على مساحة كيلو متر مربع تقريبا، ويصل ارتفاعها عند أعلى نقطة إلى 27 مترا، ويمكن الوصول إليها عن طريق جسر يتوافق مع شكلها الجغرافي، كما تمت إضاءتها بـ 432 مصباحا تعمل بالطاقة الشمسية. وتتميز الممارسة الإبداعية لدينيفان بتركيزه على تجارب البناء داخل مناظر الطبيعة، من خلال الفن والأحداث المؤقتة العابرة، كما بعمله على تراكيب ممتدة في الرمال يحولها إلى أشكال هندسية، متيحا للوقت والطقس والمد والجزر المتغير بإصلاح التراكيب تدريجيا مرة أخرى، ويحولها إلى تضاريس طبيعية.