أسـر تعيـش علـى “الخامـج”

الغلاء دفعها إلى البحث عن شراء خضر "متعفنة" لا تصلح للأكل وتذمر من الوضعية هي مشاهد تتكرر بشكل يومي في عدد من الأسواق، وبالضبط بالمناطق الشعبية، الخاصة ببيع الخضر والفواكه، أو حتى لدى المحلات المتراصة في تلك الأحياء. مشاهد تحمل معاناة أسر مع الغلاء الذي يثقل كاهلها ويجعلها تعيش جحيم العوز، وتضطر إلى شراء أي شيء لسد رمق الجوع، حتى ولو كان غير صالح للأكل، فلا يهم الجودة أمام الارتفاع الصاروخي لأثمان الخضر. الغلاء يبيح "العفن" تنتظر خديجة، إلى غروب الشمس لتحمل كيسها البلاستيكي وتتجه نحو السوق المتنقل بجانب سكنها، للبحث عن شيء يشبه الخضر، لأن وضعيتها المادية لا تسمح لها حتى بالسؤال عن ثمنها أمام حالة الغلاء وقصر ذات اليد، فهي أرملة بأربعة أطفال تعيش على معاش زوجها وتعمل منظفة منازل، حتى تستطيع مسايرة أن تساير متطلبات منزلها بشكل تضمن فيه عيش أطفالها وتأمين الأكل لهم، الذي أضحى مع ارتفاع الأسعار صعب المنال بالنسبة إليها. تسير بخطى متسارعة وتتوجه نحو أحد الباعة، الذي يعرفها جيدا، لتبحث عن بقايا الخضر التي أصابها ضرر أو تلف أو ما يعرف بـ "الخامج"، علها تعثر عن شيء يمكن أكله، حبات من الطماطم أصابها العفن وانبعثت منها رائحة "الحموضة"، لكنها بالنسبة لخديجة فهي أفضل بكثير، ويمكنها أن تستعين بها في وجباتها لأبنائها، فحتى "البيض ومطيشة"، حسب قولها الذي كان يلقب بغذاء الفقراء، حرموا منه بسبب الغلاء. بعدما حصلت على ضالتها من "خامج مطيشة"، تتجه نحو بائع البطاطس، للغرض نفسه، علها تجد بقربه بعض البطاطس المتعفنة لشرائها، إلا أنها لم تجد شيئا، لأن أشخاصا آخرين اقتنوها قبل مجيئها، لتتجه نحو بائع خضر آخر علها تجد أي نوع منها بثمن بخس، تقول خديجة "العفن لا يهم إذ يمكن غسله بالماء لكن الغلاء المتواتر والمتسارع في المواد الغذائية والخضر لا يمكن التغلب عليه". الدواب المتضرر الأول لم تعد الدواب التي تجر عربات بيع الخضر، تحظى بما كان يقدم لها من خضر "عفنة"، كما في السابق، إذ بعد ارتفاع أسعار الخضر، لم يعد يتبقى منها شييء، وأضحى كل شيء يباع، بل إن العفن ينتهي قبل الجيد منها لكثر الطلب عليه، يقول أحد الباعة، إنه يشعر بالشفقة على الدابة، فبعد أن كانت تحظى بنصيبها من الخضر، التي لا تباع بسبب رداءتها، وكانت تساهم إلى حد كبير في سد جوعها، لم يعد بإمكانه توفيرها لها، لأن أغلبها إن لم نقل جلها يباع، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الأسعار ترتفع يوما بعد آخر ارتفاعا صاروخيا، لا يمكن مجاراته من قبل البائع أو المشتري، مضيفا بالقول "وأخشى في الأيام القادمة أن يصبح الطلب على "الخامج" منها فقط لانخفاض سعره". كآبة وتذمر وجوه كئيبة وأعين جاحظة تبحث هنا وهناك عن ضالتها من "الخامج"، الذي لم يعد متاحا كما في السابق، بل أضحى على الراغب في اقتنائه أن يحضر في وقت مبكر على ما اعتاده في السابق، لازدياد الطلب عليه، إذ أن بعض النسوة اللواتي حضرن مع مغيب الشمس، لم يجدن ما يقتنينه ورجعن خاويات الوفاض، فيما اتجهت إحداهن إلى العطار القريب من السوق لتقتني منه "الفاصوليا" البيضاء وعلبة طماطم ، تستطيع أن تسد بها جوع أسرتها، وتسمرت عند العطار وهي تردد بلهجة غاضبة "واش اللحم تحرمنا منوا وزاد الدجاج، ودبا حتى خامج الخضر"، لترتفع أصوات نسوة كن بالمحل نفسه، تعبيرا عن غضبهن أمام الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية وصعوبة المعيشة. هي صورة من صور يومية لمعاناة الأسر الفقيرة مع الفاقة والجوع، الذي ازداد بشكل غير مقبول في الأشهر الأخيرة، والذي تؤكد جميع التوقعات أنه سيستمر. كريمة مصلي

أسـر تعيـش علـى “الخامـج”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لهيب كلها "المعيشة " في الجديدة

نواب‭ ‬يشنون‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬خازن‭ ‬إقليمي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات