جانحون في وضعية مزرية داخل الإصلاحيات وارتفاع مخيف يتطلب إعادة النظر في القانون هم أطفال لم يبلغ العديد منهم سن التمييز القانوني، إلا أنهم وجدوا أنفسهم، يحملون صفة مجرم، بعد ارتكابهم أفعالا لم يعوا خطورتها، وهي صفة صاحبتهم بعدما زجت بهم في سجون. وضعية تسائل المجتمع برمته عن المسؤول عنها، وتتطلب مقاربة مجتمعية للظاهرة التي تعرف تزايدا كبيرا من خلال الأرقام الرسمية المعلن عنها، وأخرى تشاركية تضم مختلف المتدخلين، للوصول إلى عدالة منصفة للأطفال، في إطار التفعيل الأمثل لتوجهات السياسة الجنائية في مجال حماية الطفولة. إعداد: كريمة مصلي أثارت وضعية الجانحين الأحداث في الإصلاحيات العديد من النقاشات أخيرا، سواء من خلال التقارير والدراسات التي أكدت ارتفاع نسب الأحداث في السجون، أو من خلال تصريحات وزير العدل بشأن ضرورة إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية في الشق المتعلق بالأحداث والجرائم المرتبطة بهم والتدابير التي يمكن العمل بها لأجل إعادة إدماجهم في المجتمع، بعيدا عن عالم الجريمة. أطفال في وضعية صعبة أناط المشرع بالنيابة العامة صلاحية تقديم ملتمسات إلى قاضي الأحداث، من أجل اتخاذ أحد التدابير المنصوص عليها في المادة 471 من قانون المسطرة الجنائية، بما يكفل حماية الأطفال في وضعية صعبة من الأخطار التي تهدد سلامتهم أو تعرض سلوكهم للانحراف، مستحضرة عند تشخيصها لوضعية الطفل مصلحته الفضلى. وبلغ عدد التدابير المتخذة لفائدة الأطفال في وضعية صعبة بناء على ملتمسات النيابة العامة ما مجموعه 1367 تدبيرا، يأتي في مقدمتها الإيداع بمؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة في الرتبة الأولى بنسبة 43.30 %، وهو توجه تبرره حاجة أغلب الأطفال بخدمات التكفل والرعاية التي تقدمها تلك المؤسسات المكلفة برعاية الطفولة، يليها التسليم للولي القانوني أو الوصي ب 456 تدبيرا. واستفاد 76 طفلا في وضعية صعبة من مسطرة كفالة الأطفال المهملين وهو توجه ينبغي دعمه لانسجامه مع المقاربة المعتمدة في معالجة وضعيات الأطفال في تماس مع المقتضيات القانونية القائمة على إبقاء الطفل ما أمكن داخل وسط طبيعي ملائم، خاصة أمام النقص المسجل في عدد المؤسسات المعنية باستقبال الأطفال في وضعية صعبة. أرقام مخيفة كشف التقرير الرسمي الأخير لرئاسة النيابة العامة، أن الجرائم التي يرتكبها الأطفال، عرفت ارتفاعا نسبيا، بزيادة 2874 قضية، مقارنة مع 2020، وأفادت رئاسة النيابة العامة، في تقريرها السنوي، أنه تم تسجيل 21685 قضية، توبع فيها 25402 حدث، بزيادة 2874 قضية و3686 متابعا مقارنة بـ 2020 التي سجلت خلالها 18811 قضية منسوبة لـ21716 حدثا، كما وقف التقرير على أن التصنيف العام للقضايا التي يتابع فيها الأطفال بجرائم، يشير إلى أن بعضا منها عرف استقرارا، كما هو الشأن بالنسبة إلى جرائم القتل التي سجلت 18 قضية توبع خلالها 20 حدثا. نصف الأحداث متابعون بالسرقة كشف تقرير للمرصد المغربي للسجون، أن 51 في المائة من السجناء الأحداث تمت متابعتهم بتهم السرقة والسرقة الموصوفة والسرقة المقرونة، و12 في المائة بتهم الاعتداء والضرب وتهم أخرى، وهو تقرير شمل 200 حدث معتقل، من نزلاء المؤسسات، وهو ما يشكل حوالي 25 في المائة من السجناء الأحداث في المغرب، موزعين على مركز بن سليمان للإصلاح والتهذيب، ومركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بالبيضاء. أفادت الأرقام التي أعلن عنها المرصد أن 9 في المائة من هذه الفئة تمت متابعتهم بتهم الاتجار في المخدرات، و9 في المائة بتهم الاغتصاب، وهتك العرض والتغرير بقاصر، و4 في المائة لمحاولة السرقة والشغب، في حين أن 2 في المائة توبعوا بمحاولة القتل وتشكيل عصابة إجرامية، والضرب المفضي للموت وعدم التبليغ، بينما شكلت باقي التهم المتابعين بها نسبا قليلة من قبيل القتل العمد والاحتجاز وتعنيف الشرطة والقتل غير العمد، وولوج أنظمة المعالجة الإلكترونية، والاعتداء على ممتلكات الدولة أو على ممتلكات الغير وتعاطي المخدرات والعنف. وضعية مزرية داخل الإصلاحيات بلغ عدد السجناء الأحداث، إلى غاية نهاية غشت 2022، ما مجموعه 1290 سجينا، منهم 1242 ذكورا، بنسبة 93.3 في المائة، و48 إناثا، بنسبة 3.7 في المائة، يتوزعون على مراكز التهذيب، والأجنحة الخاصة بالأحداث. وتتصدر الجرائم المالية قائمة الجرائم التي ارتكبها الأحداث الموجودون في مراكز الحرمان من الحرية، حيث يبلغ عدد المعتقلين على خلفيتها 559، يليهم مرتكبو جرائم ضد الأشخاص ب240 شخصا، ثم المعتقلون على خلفية ارتكاب جرائم حيازة واستهلاك وتجارة المخدرات بـ173. ورغم أن المغرب يبذل جهودا ملموسة لضمان شروط جيدة للتكفل بالأطفال في نزاع مع القانون، إلا أن دراسة أنجزها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، بشراكة مع مركز الحكومة قطاع الأمن بجنيف، سجلت وجود العديد من الإكراهات التي تحدّ من فعالية الإجراءات المتخذة في مجال رعاية هؤلاء الأحداث، إذ بالإضافة إلى مشكل الاكتظاظ، قالت الدراسة إن مراكز حرمان الأحداث من الحرية تعاني أيضا خصاصا في الموارد البشرية، سيما الأطر التي لها تكوين خاص لضمان الإشراف التربوي والنفسي، مشددة على ضرورة إيلاء اهتمام خاص لتكوين العاملين في مثل هذه المؤسسات على التكفل بالأطفال من خلفيات مهنية متنوعة، على اعتبار أنهم هم الذين يقدمون الرعاية الصحية ويمارسون التعليم والتكوين، ويقدمون ويمنحون الحياة لأماكن الحرمان من الحرية، حتى يمكنهم النهوض بمهامهم بشكل أشمل يتناسب مع خصوصية المؤسسات التي يعملون بها والمستفيدة من هذه الخدمات. وهبي: ضرورة إعادة النظر في وضع الأحداث كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمته خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، حيث تمت المصادقة على التعديــلات ومشروع القانون رقم 10.23 الخاص بتنظيم وإدارة المؤسسات السجنية، عن نية الحكومة إعادة النظر في وضع الأحداث في السجون، موضحا أن هناك نقاشا مستمرا مع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة حول هذه القضية، وسيتم إنشاء هيأة مستقلة مكلفة بالأحداث. وأشار إلى أن مراكز الإصلاح والتهذيب تعاني تداخلا في اختصاصات وزارتي العدل والشباب، وأنه يجب إعادة النظر في هذا الأمر وتأسيس هيأة مستقلة تعنى بشكل خاص بالأحداث، مؤكدا في الوقت نفسه أن قانون المسطرة الجنائية الجديد ينص على عدم اعتقال الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة في الجنح، و16 سنة في الجنايات، مؤكـــدا أنه تم تضمين حقوق لهم في قوانين العقوبات البديلة. وأوضــح أن السجـــون حاليـــا تعزل الأحداث في زنزانات أو أقسام حسب إمكانيات كل سجن، مشيرا إلى وجود مشاكل داخلية بين الأحداث أنفسهم حتى في حالة العزل. الداكي: يجب تكريس البعد الحمائي قال مولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، إنه يجب استحضار البعد الحمائي والتربوي لعدالة الأطفال بمزيد من الحزم والصرامة إزاء الجرائم المرتكبة ضد هذه الفئة واليقظة الدائمة إزاء الموجودين في وضعية صعبة، ومن خلال الحرص على تفادي اتخاذ التدابير السالبة للحرية في حق الأطفال في خلاف مع القانون، وهو ما يعكسه تراجع عدد المعتقلين منهم الأطفال الذين تقل سنهم عن 18 سنة خلال السنوات الأربع الأخيرة بنسبة تقارب 33- %، وهو مكسب إيجابي يتعين المضي قدما نحو ترسيخه. وأشار إلا أنه رغم هذه النتائج الإيجابية التي حققتها عدالة الأطفال، مازالت هناك تحديات وإكراهات تواجه الجميع، منها ما هو مرتبط بالإطار القانوني الذي لا يزال يعتمد في بعض جوانبه على المقاربة العقابية في تعاطيه مع ظاهرة جنوح الأطفال، ومنها ما يرتبط بشكل وثيق بتوفير الموارد البشرية الكافية والمتخصصة بما يكفل مصاحبة فعالة وناجعة للأطفال المعنيين، إضافة إلى محدودية مراكز ومؤسسات الإيواء والإصلاح وإعادة التربية المخصصة للأطفال وعدم كفاية الموارد المادية واللوجيستكية المخصصة لتسهيل أدوار الفاعلين المكلفين بتنفيذ الإجراءات المرتبطة بالتكفل القضائي بالأطفال.