600 متضرر تلقوا علاجات في خمسة أيام ورجال حموشي بالجبال لمؤازرة الدرك والجيش بلغ عدد المصابين والمرضى الذين زاروا المستشفى العسكري الجراحي الميداني المشيد على مساحة كبيرة، بمركز جماعة تافينكولت، بتارودانت الشمالية، 600 مرتفق، منهم نساء ورجال وأطفال، تلقوا علاجاتهم. ولم يقتصر الاستقبال على سكان الجماعة، بل امتد إلى كل سكان دواوير الجماعات التي تضررت بفعل الزلزال المدمر بتارودانت الشمالية، إذ يتم استقبال المرضى وفحصهم وتقديم العلاجات لهم داخل خيمات متفرقة، مجهزة بالمكيفات وبوسائل العمل الحديثة، يشرف عليها أطباء عسكريون برتب مختلفة، بالإضافة إلى مختصين في التمريض. إنجاز: المصطفى صفر/ تصوير: عبد اللطيف مفيق (موفدا الصباح إلى تارودانت) يلج المرتفق، سواء كان من ضحايا الزلزال أو يعاني مرضا، عبر البوابة الرئيسية للمستشفى العسكري، ليتوجه مباشرة إلى خيمة كبيرة، كتب على مدخلها "المستعجلات" ليتم استقباله بها قبل توجيهه إلى خيمة أخرى متخصصة في الطب العام، بها أيضا أطباء ينكبون على فحص المريض وسؤاله، قبل وصف الدواء له في حال كان يعاني مرضا يحتاج وصفة طبية، وقد يتخذ الطبيب قرارا آخر بتوجيهه إلى خيمة التحاليل، أو التشخيص بالأشعة. زيارة "الصباح" الخميس الماضي، إلى هذا المستشفى المترامي الأطراف والمطوق بشاحنات للقوات المسلحة الملكية، وخيام صفراء مخصصة للمبيت، وسيارات لمختلف الأطر، ناهيك عن شاحنة للوقاية المدنية وغيرها من التجهيزات المخصصة للمستشفى نفسه، تصادفت مع إقبال للمرتفقين، إذ كان عدد من الأشخاص موزعا على الخيمات الطبية العسكرية، بينما سيارات إسعاف تفد بين الحين والآخر لجلب مرتفق، أو نقله إلى مأواه. ويوفر المستشفى العسكري أيضا قاعة للجراحة، وصيدلية مملوءة عن آخرها بمختلف الأدوية، إذ يتكلف طاقم صيدلاني بمد الوافدين بالأدوية الموصوفة لهم، ويشرحون لهم طريقة الاستعمال. يوجد بين أطر المستشفى متحدثون بالأمازيغية، يتواصلون بها مع المرتفقين الذي تعد هذه اللغة، لغتهم الأم، ما يسهل أيضا التواصل بين الأطر الطبية والوالجين إلى المرفق الصحي العسكري المتكامل. تتبع نفسي للأطفال أطفال صغار، ذكور وإناث يجلسون في خيمة مكتوب على بوابتها "المواكبة النفسية والاجتماعية"، ويفد إليها المرتفقون الذين أصيبوا بصدمات نفسية جراء الحدث الأليم. بينما خيمة أخرى مخصصة للأنشطة الاجتماعية، بها بعض الأطفال، أحدهم تظهر على رجله ضمادة الجبس. خصصت الخيمة لدعم الأطفال نفسيا واجتماعيا، وتؤطرها طبيبتان عسكريتان، تجلسان وسطهم، بينما بعضهم منهمك في الرسم أو التلوين، يتلقى آخرون إرشادات ودعما نفسيا من قبل الطبيبتين المرتديتين زيا عسكريا. أطفال دواوير تارودانت الشمالية، يعانون آثار الزلزال، فبالإضافة إلى ما عاشوه من رعب وهلع اثناء الهزة، فإن عددا منهم أصبحوا يتامي، كما أنهم فارقوا أصدقاءهم الصغار الذين كانوا يشاركونهم اللعب والمدرسة، بعد أن هوت عليهم الأنقاض. الآثار النفسية لما أصاب هذه العينة من الضحايا، وخيمة وتحتاج متابعة نفسية ودعما اجتماعيا، وهو ما كان سببا في تخصيص هذه الخيمة، التي تبدو من بعيد أنها قاعة ألعاب للصغار، بينما هي في الواقع قاعة للعلاج النفسي والترويح عن النفس، إذ يجلس فيها أيضا الأطفال الذين يرافقون ذويهم إلى المستشفى، في انتظار انتهائهم من تلقي العلاج. عند الطبيب لأول مرة في قاعة بخيمة الطب العام، مجهزة بأسرة خصصت للمرتفقين من المصابين والمرضى، يرقد شخص خمسيني، وقد وضعت على ساقه اليمنى جبيرة جبس امتدت على فوق الركبة. كان الاعتقاد بداية أن المريض، حل بالمستشفى قصد مراقبة الكسر الذي أصيب به بسبب الهزة، لكن بعد الاقتراب منه وسؤاله، اتضح أنه يزور الطبيب لأول مرة، وأنه تعرض لإصابة، دون أن ينقل إلى المستشفى عندما كانت سيارات الإسعاف تنقل المصابين بجروح، وفضل أن يضمدها بالطريقة التقليدية، إلا أنه بعد ستة أيام من الزلزال، آلمته رجله، وسنحت له مناسبة فتح المستشفى بزيارته، حيث تلقى فحصا أكد أنه مصاب بكسر، ما استدعى علاجه ووضع جبيرة لتقويم الكسر، تحت إشراف طبيب متخصص في العظام. لم يسمح للمصاب بمغادرة المستشفى، بل كان ينتظر سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى العمومي قصد إخضاعه لفحص بالأشعة السينية، " سكانير" للتأكد من سلامة الأعصاب والأوردة، سيما أن الضمادة التقليدية تؤثر عليهما. المصاب المتحدر من دوار تركا التابع لجماعة تافينكولت، أصيب أثناء انتشال والده، وروى أنه لم يفقد أحدا من أفراد أسرته. ليس هذا الرجل وحده من زار الطبيب لأول مرة، رغم الإصابة في الزلزال، بل كانت طفلة لا تتعدى ست سنوات، تجلس أمام الطبيب، ظهر أنها تعاني ألما في صدرها، إذ بعد فحصها تيقن الطبيب أن بها وعكة تستدعي فحصها بالأشعة، مرجحا أن يكون الـأمر كسرا بأحد العظام الصغيرة. تفاصيل الفقد عند الخروج من المستشفى الميداني تجد خيمة على اليمين، مكتوبا عليها قاعة الانتظار، بها كراس، وخصصت لجلوس من زاروا المرفق الصحي وتسلموا الدواء الذي وصفه الطبيب لهم. بعد تلقيهم العلاج، ينتظرون وصول السيارة التي ستقلهم إلى وجهتهم، إذ يتحدرون من مناطق متفرقة في أعالي الجبال أو من ولاد برحيل أو أولوز أو تالوين أو غيرها من مناطق تاررودانت الشمالية مترامية الأطراف. في قاعة الانتظار يجلس أناس لا يعرفون بعضهم البعض، إذ أنهن يقطنون بدواوير مختلفة من تارودانت الشمالية، يتقاسمون بينهم تجربتهم المريرة، التي نجمت عن الزلزال المدمر. هناك من فقد ابنة أو ابنين، وهناك من فقد والده، وهناك أسر فقدت جل أفرادها، بعضهم يروي بتفاصيل دقيقة ما عاشه في تلك اللحظة، قبل أن يأخذ الآخر الكلمة، ليروي قصته. تتشابه الروايات من حيث الأحداث وتختلف من حيث عدد الوفايات ونسبة القرابة، لكن قاسما مشتركا بين كل الجالسين، هو إيمانهم بالقدر، المترجم في قوة الصبر الذي يتحلون به. خيام لم تغط الجميع بينما نصبت خيام بالقرب من دواوير بجماعة تيزي نتاست، ورغم أن الطلب مازال متزايدا بهذه المنطقة التي تضررت كثيرا لدرجة أن دواوير هدمت بكاملها، فإن جماعة تافينكولت لم تتوصل إلى حدود الخميس الماضي بالخيام، ومازال السكان يبيتون في العراء، ويطالبون بتسريع مدهم بالخيام، نظير الدواوير الأخرى بالجماعات المجاورة. حوالي الساعة الواحدة ظهرا من الخميس الماضي، زارت نساء مقر جماعة تافينكولت للمطالبة بالخيام، إذ علمن بأن مجلس الجهة خصص 1500 خيمة للجماعة، ويتساءلن عن مصيرها. جرهم مسؤول بعيدا عن الجماعة، وشرح لهن أن جل دواوير تافينكولت لم تتوصل بالخيام، وأن السلطات وعدت بحل المشكل قريبا، بل بأنها في الطريق إليهم. ليست دواوير تافينكولت وحدها التي لم تتوصل بالخيام بل ازداد الطلب في دواوير أخرى لم تعرف وفيات، إلا أنها عرفت تصدع بنايات ومساكن، نظير منطقتي تاليون وأولوز وتلكجونت وغيرها وأصبح سكانها يبيتون في الحقول، كما أنها حظيت بزيارات لرجال السلطة لإحصاء الخسائر المادية. رجال حموشي في الجبال رغم أن المناطق التي ضربها الزلزال، تقع في أعالي الجبال، ويسوسها أمنيا الدرك الملكي، إلا أن مديرية الأمن الوطني حاضرة بتدخلاتها إلى جانب القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، إذ شوهدت عناصر تابعة لإدارة حموشي، بمدارة أيت معلا، في الطريق المؤدية إلى تيزي نتاست، بسياراتها المميزة، كما شوهدت عناصر أخرى منها في دواوير، أثناء جولات منسقة بين القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، إذ أن كل الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها الوطني في هذا الظرف العصيب. وزارت عناصر مختلطة بين درك وأمن وجيش، الخميس الماضي، دواوير في منطقة أولاد برحيل، تضررت بدورها من الزلزال، وكانت الجولة للمؤازرة، والإصغاء إلى حاجيات السكان. همت الزيارة دواوير أكرض أوريغ وتيزي ييغ وتزارضين، وأصغت لحاجيات السكان، إذ ضمنهم من طالبوا بخيمة للمسجد، وآخرون طالبوا بخيام للنساء أو تجميع كل أسرة في خيمة خاصة بها، وهي المعلومات التي أخذت بعين الاعتبار، وتم تدوينها في سجل لتقديمها للمسؤولين، قصد توفير تلك الحاجيات. وتنظم الجولات كل صباح، إذ في كل يوم يتم اختيار وجهة حسب الأولويات لتفقد الأهالي بالدواوير المنتشرة في أعالي الجبال.