الإيبوركي الباحث في علم الاجتماع قال إن المدن ما زالت عامل تفكيك للبوادي قال الباحث عمر الإيبوركي إن المجتمع القروي يشهد خلخلة في بناه التقليدية ببروز مظاهر تحديثية على كافة المستويات. وتحدث الباحث في علم الاجتماع عن خصوصية البوادي المغربية التي تضررت من الزلزال، ودعا الإيبوركي إلى تشجيع نمو مراكز حضرية جديدة، أو قرى نموذجية تراعي الخصوصيات الثقافية والجغرافية المحلية. أجرى الحوار: عزيز المجدوب أعادت فاجعة زلزال الحوز إلى الواجهة هشاشة بنيات العالم القروي وتأخر الزمن التنموي بالمغرب العميق، كيف يمكن إعادة تركيب هذا الموضوع من الناحية السوسيولوجية والتاريخية؟ رغم أن الحديث عن تمدين المجال القروي لم يعد مطروحا بالحدة نفسها في المجتمعات التي تجاوزت الفوارق الكلاسيكية بين مفهومي "المدينة" و"القرية" إذ أن القرى خضعت لتحولات تشكل عنوانا للتفاوتات الثقافية والاجتماعية بين المجالين التي لا تعمل إلا على عكس أشكال كثيرة من التفاوتات الاقتصادية والسياسية والتنظيمية. ويشكل الحديث عن التغيرات الاجتماعية بالمجال القروي واحدا من الأولويات العلمية التي نقر بأهميتها في التعاطي لهذا المجال بالدراسة والبحث، سيما أن المجتمع المغربي عموما والمجتمع القروي تحديدا شهد خلخلة في بناه التقليدية ببروز مظاهر تحديثية على كافة المستويات. هل ساهم التحديث في تنمية الإنسان القروي، أم كانت له انعكاسات سلبية عليه؟ إن تحليل الوضعية الاجتماعية والاقتصادية بالبادية المغربية يبين أن تحديث الفلاحة، سواء أثناء الحماية أو بعد الاستقلال، كان عاملا من عوامل رأسملة المجتمع المغربي، وبالفعل فإن الضيعات العصرية التي كانت بأيدي المعمرين والتي هي الآن ملك لمواطنين مغاربة تنتج من أجل السوق ووفقا لقوانين نمط الانتاج الرأسمالي. كما أن التحديث/الرأسملة قد أدى، إضافة إلى التغيرات التقنية المحضة، إلى عدة نتائج اقتصادية، اجتماعية وثقافية إضافة إلى بروز الدولة كفاعل أساسي في إنشاء البنى التحتية الضرورية واعادة تقطيع الأطر القبلية، واعداد المجال القروي، والإشراف على الدينامية التنموية. إذن كيف يمكن فهم الازدواجية على مستوى التنمية بين المدينة والقرية؟ إن التحولات التي شهدها المجتمع المغربي طيلة فترة الاستقلال كشفت أن المدن لم تنهض بالدور الذي كان منتظرا منها، بل كانت وما زالت عامل تفكيك للحياة القروية، وفي الآن نفسه بنية استقبالية بالنسبة إلى هجرة مكثفة قادمة من المجالات القروية غير المؤهلة. فبدل أن تستجيب المدينة لمقتضيات التحديث والتنمية وتحقق بذلك ما أنيط بها من مهام الاشعاع والشراكة مع الوسط القروي، نجدها بخلاف ذلك تتحول إلى قطب للتهميش وعامل إعاقة أمام المساعي الرامية إلى الرفع من المستوى المعيشي للقرويين. الأمر الذي عرضهم لتحمل الانعكاسات السلبية لتحولات عشوائية أخلت إلى حد بعيد باستقرارهم الاجتماعي وبتوازن نسقهم الثقافي، وغيرت بشكل عميق صلاتهم بمجتمعهم الأصلي وتمثلهم لهويتهم المحلية. فالمرأة القروية مثلا ما زالت على العموم تعاني الفقر والأمية والمرض والعمل المضني، وصارت بالمقابل أكثر حركية مما مضى، وأبعد اقتحاما للمجال العمومي، وأكثر تبنيا لأنماط الشغل وأساليب العيش الحضرية، وأوسع اطلاعا عما يجري داخل بلدها وخارجه. خاصة عندما تهاجر للخارج. بماذا يمكن تحديد علاقة الدولة والنخب بالعالم القروي؟ عوامل التحديث عبر المناطق القروية المختلفة لا تسير بالايقاع نفسه ودرجة التأثير، ولا هي شاملة بالضرورة لكل مكونات المجتمع القروي. فمفعولها في محيط مدينة كبرى لا يمكن أن يكون هو نفسه بجوار مدينة متوسطة أو صغرى، وانعكاساتها في منطقة سهلية لن تكون هي بالضرورة نفسها في منطقة جبلية، ودرجة التغير الذي تحدثه في المجال القيمي والاجتماعي لا تضاهيها درجة التغيير الذي يمكن ان تترتب عنها في الميدان الاقتصادي أو المؤسساتي. ما يجعل التعدد والتمايز والتفاوت بين المجالات القروية والحضرية. وعلى غرار التغيرات الحاصلة في ميدان العلاقة بين الأجيال، وبين الجنسين، يشهد المجتمع القروي كذلك تغيرات عميقة في علاقة الفرد بالجماعة، كما في علاقة النخبة القروية بالدولة. ذلك أن الوسط القروي لم يعد يشكل استثناء في ما يشهده المجتمع المغربي على العموم من تقلص لسلطة الجماعة على الفرد، وانفتاح متنام على عوالم فكرية وقيمية غير معهودة، وبروز أنماط تنشئوية وتضامنية وتعاقدية جديدة تفسح مجالا أرحب أمام نزعات الاستقلال الذاتي واتساع نطاق النسيج الجمعوي. كيف ساهمت الهجرة في هذا التغيير؟ لقد ساهمت حركة الهجرة في الاسراع بوتيرة التغير، عبر النماذج التي تشبع بها المهاجرون وأدخلوها الى المنطقة. فأصبحت القرية تتميز بتعايش مؤسسات حديثة ومؤسسات تقليدية، ووجود القانون الحديث (الحزب والنقابة والجمعية) وأشكال التضامن والانتماء التي تنعت عادة بكونها تقليدية (القبيلة، العشيرة...). فعلا لقد تمت صياغة العلاقة بين الدولة والنخب القروية، بعد الانخراط في العملية الديموقراطية ومحاولة التأهيل والرغبة في تحقيق الحكامة الجيدة، وهكذا تقاسمت هذه النخب المسؤولية السياسية والاقتصادية في تدبير المجال المحلي، سواء عبر المنتخبين أو المجتمع المدني. غير أن ضعف تأهيل هؤلاء الفاعلين المحليين، وهشاشة البنى الاقتصادية، وضعف انتاج الثروة، كل هذه العوامل تجعل العالم القروي تابعا وغير مستقل في مبادراته، وفي آليات تنميته المحلية. وإذا أضفنا ان المدينة تستوعب أبناء العالم القروي بفعل الهجرة، فإن وتيرة التنمية المستدامة تبقى بطيئة وتوسع الهوة بين عالمين متناقضين. كيف يمكن أن نعيد تشكيل علاقتنا بالعالم القروي في ظل تبعات الفاجعة؟ يمكن إجمال المشاكل الكبرى في نظر المحللين والباحثين في ما يلي: - وجود فوارق ترابية ومجالية واجتماعية، انتشار الفقر والتهميش، تراجع مكانة الطبقة الوسطى داخل الفضاءات القروية ووجود اختلالات تتعلق بمنظومة التربية والتكوين وعدم انفتاحها على سوق الشغل ووجود عزلة بعض المناطق النائية دون أن ننسى ضعف التقائية السياسات العمومية وعدم الثقة في المنتخبين والفاعلين الاقتصاديين، وبالرغم من الجهود المبذولة في مجال تنمية الرأسمال البشري غير أن هذه الجهود لم يواكبها تحسن في جودة خدمات التربية والتكوين بإضافة إلى المشاكل المعقدة التي أقرتها لجنة النموذج التنموي المقترح والتي ترتبط بالعدالة الاجتماعية والنظم الصحية. إن التقييم الموضوعي لواقع التنمية بالمغرب يقتضي الإقرار بأن هناك العديد من المكتسبات التي تحققت خلال العقود الأخيرة سواء في ما يتعلق بإحداث وتطور البنيات التحتية وإطلاق مشاريع اقتصادية كبرى، ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، غير أنه في مقابل ذلك مازالت المشاكل المطروحة التي تسائل السياسات العمومية وطنيا ومحليا، إذ أن هناك العديد من التقارير الوطنية والدولية التي تقر بوجود اختلالات تنموية. ما المطلوب إذن؟ لا بد من الوقوف على المشاكل التي مازالت تقف حجرة عثرة أمام تحقيق رهانات تنمية مستدامة قادرة على الاستجابة لمختلف الحاجات الضرورية المطروحة. وان تنزيل المشروع التنموي يسائل مختلف الفاعلين من حكومة وبرلمان ومؤسسات حكومية وجماعات ترابية ونخب مختلفة، اضافة الى انخراط المجتمع المدني بكل اختصاصاته، مع اعطاء الأهمية للعالم القروي لفك العزلة والتهميش. امام هذه الوضعية أضحى من الضروري تشجيع نمو مراكز حضرية جديدة، أو قرى نموذجية تراعي الخصوصيات الثقافية والجغرافية المحلية في سياق سياسة إستراتيجية لإعداد التراب الوطني تربط بين تنمية المدينة وتنمية الريف ما يساعد على مواجهة إشكالية الضغط المتزايد على المدن الكبرى وتثبيت سكان الأرياف في مراكز توفر الخدمات وتحد من الجاذبية الاقتصادية للهجرة القروية. في سطور < أستاذ وباحث في مجال السوسيولوجيا < حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة، ودبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع تخصص: النظريات الاجتماعية. < حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، من جامعة محمد الخامس بالرباط. < أستاذ مشارك في شعبة علم الاجتماع بكل من كليتي الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعتي محمد الخامس بالرباط، وابن طفيل بالقنيطرة. < له مساهمات متعددة في مجال السوسيولوجيا: > كتاب "الظاهرة القائدية، القائد العيادي الرحماني".عن دار بابل للطباعة والنشر، الرباط، سنة 2000. > دراسات ومقالات في مجلات متخصصة، ومساهمات في الجرائد الوطنية.