مبادرات مدنية تقنع سياسيين ونوابا بأهمية الترافع من أجل تشريع يحقق المساواة في التنمية شكل واقع سكان المناطق الجبلية أهم الدوافع وراء تأسيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، باعتباره هيأة مدنية للترافع وإيصال صوت سكان الجبل إلى المسؤولين، ومطالبتهم بوجوب ضمان مقومات العيش الكريم لمواطنين يتمسكون بأرضهم ومجالهم. ونجح الائتلاف في إقناع فرق برلمانية وأحزاب سياسية بضرورة تقديم مقترحات قوانين، تسير في اتجاه المبادرة المدنية، والتي كان لها الفضل في طرح ملف مناطق الجبل للنقاش العمومي. إعداد: برحو بوزياني يواصل الائتلاف المدني من أجل الجبل حملة جمع التوقيعات، والترافع لدى الأحزاب والفرق البرلمانية، وممثلي عدد من الجهات، حول أهمية إخراج قانون الجبل إلى حيز الوجود، حتى يكون أداة تؤطر نهج سياسة التنمية المتكاملة الكفيلة بإخراج سكان المناطق الجبلية من مظاهر الهشاشة والعزلة وضعف التمتع بحقوقها الأساسية. ويرى الائتلاف أن المناطق الجبلية تشكل نموذجا صارخا للتهميش والتجاهل، ومجالا يختزل جميع مظاهر الهشاشة، من فقر وأمية وبطالة ونقص في الخدمات الأساسية. كما تعرف مناطق الجبال تدهورا بيئيا خطيرا نتيجة الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وتهديد الغابات والمياه والتربة والتنوع البيولوجي بالهدر، وهي وضعية زادت من حدتها التغيرات المناخية الحادة. إن وضعية المناطق الجبلية، يقول نشطاء الائتلاف، ليست بسبب ضعف الموارد، بل نتيجة لاختيارات الدولة، التي لم تعتبر هذه المجالات وسكانها من بين أولوياتها، ولم تنل حقها من المجهود التنموي، مما أنتج عجزا كبيرا في التنمية، مقارنة مع ما ضخ من استثمارات وتجهيزات في مجالات ترابية أخرى أكثر حظا. حملة 20 ألف توقيع متواصلة أوضح مسؤولو الائتلاف المدني أنهم تجاوزوا عتبة المطالبة إلى المبادرة بمقترح قانون للجبل، سيتم تقديمه لمجلس النواب قريبا على شكل ملتمس تشريعي، بعد استكمال جمع 20 ألف توقيع، كما أعد مذكرة حول اعتماد السياسات العمومية الملائمة لخصوصيات الجبل سترفع إلى رئيس الحكومة، على شكل عريضة تحمل 4 آلاف توقيع على الأقل. كما عمل الائتلاف على تكامل الآلية السياسية والتشريعية بترافعه وتواصله أمام الفاعلين السياسيين من قيادات حزبية ومنتخبين في عدد من مجالس الجهات، وكذلك أمام الفرق البرلمانية خلال الولاية السابقة والحالية، بغية تحقيق الإجماع الممكن حول قضية الجبل، ورفعها إلى مقام قضية عمومية تستقطب الاهتمام المطلوب. ويسعى النشطاء المدنيون، إلى جعل قضية الجبل قضية رأي عام وطني، لرفع الوعي بضرورة وضع سياسات عمومية منصفة، والحرص على نجاعة تنفيذها في برامج وطنية مندمجة تلائم الخصوصيات المجالية للجبل، وتستجيب بشكل ناجع لمتطلبات التنمية المستدامة للمناطق الجبلية، وتتدارك العجز التنموي المسجل اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وثقافيا. كما ينتظر الائتلاف من قانون الجبل أن يكون أداة تؤطر نهج سياسة التنمية المتكاملة الكفيلة بإخراج سكان المناطق الجبلية من مظاهر الهشاشة والعزلة وضعف التمتع بحقوقها الأساسية، وتحافظ في الوقت ذاته على مختلف الموارد الطبيعية والثروات التي تزخر بها المجالات الجبلية من التدهور والاستنزاف، وأيضا تنظم توزيع عائداتها التنموية بشكل عادل ينصف القيمة الحقيقية لمساهمة المناطق الجبلية في الاقتصاد الوطني في الوقت الذي تعيش وضعية هشاشة. ويرى الائتلاف أن إنصاف المناطق الجبلية لن يتحقق عبر اختيارات تقنية أو تدابير إدارية وبرامج قطاعية جزئية لا تتوفر على مقومات التقاطع والتكامل، بل عبر قرار سياسي حاسم للدولة يعتبر الجبل قضية ذات أولوية وطنية، بغية تحقيق المساواة في الولوج للحاجيات الأساسية والحد من التفاوتات المجالية الصارخة. وبرأي الائتلاف المدني، الذي يواصل أعضاؤه العمل بكل جدية، رغم ضعف الإمكانيات، فإن تلاقي الإرادة السياسية والحزم التشريعي، سيشكل فرصة ثمينة لتصالح المغرب مع الجبل، لأنه يمثل عمقه المجالي والثقافي والاقتصادي، وتعزيز مقومات صمود المجالات الحيوية في وجه تهديدات التغير المناخي. كما سيوجه جهود الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين لاعتماد سياسة للجبل، تضمن التدبير الذاتي لسكان الجبل لتنميتها المجالية المبنية على تثمين المؤهلات المحلية، في تناغم مع الهوية الثقافية الجبلية. يوم دراسي في البرلمان مساهمة منه في وضع قضية الجبل على أجندة النقاش العمومي، التمس الائتلاف من مجلس النواب تنظيم يوم دراسي، في الموضوع، وهو ما استجاب له المجلس، حيث نظم يوم دراسي بتاريخ 22 يونيو الماضي، حول موضوع "مداخل التنمية في المناطق الجبلية"، شارك فيه الائتلاف بخبيرين هما الدكتور لحسن جنان والدكتور عبد الرزاق الهيري، وحضره عدد من ممثلي الجمعيات العاملة بالجبل. كما أطرته نائبات برلمانيات عضوات في لجنة العرائض والملتمسات وحضره نواب من الأغلبية والمعارضة. وحرص رئيس مجلس النواب على حضور جزء من اللقاء وتقديم كلمة الاختتام، معبرا عن اهتمامه الكبير بالموضوع ورغبته في تنظيم لقاءات أخرى للإحاطة بجوانبه المتعددة. وتمحورت عروض اليوم الدراسي حول الجبل وتحدي الفوارق المجالية، والسياسات العمومية، إذ تناول الباحث لحسن جنان العوامل التي أنتجت الوضعية الحالية في المجالات الجبلية، متوقفا عند الاختيارات السياسية، ومشاكل التدبير، وأزمة الحكامة، واختلال توزيع الموارد والخدمات. كما ناقش مداخل المعالجة، خاصة منها السياسات العمومية الملائمة واعتماد إطار تشريعي خاص بالجبل، والآليات التي تضمن التوزيع الأفضل للأنشطة وللموارد في مختلف المناطق والتنظيم العقلاني للمجالات على ضوء المؤهلات المحلية والجهوية والوطنية. وأكد الباحث جنان أهمية سن اختيارات اقتصادية تنصف وتثمن مساهمات الجبل في الاقتصاد الوطني، من موارد مائية وغابوية ومنجمية وثقافية، وفي الوقت ذاته تأخذ بعين الاعتبار بعد الاستدامة، مراعاة لهشاشة المنظومة الجبلية عن طريق استغلالها وفق تدبيرعقلاني للموارد الطبيعية بشكل يحافظ على التوازنات المتعلقة بالموارد الإستراتيجية غير المتجددة. الهيري: أزمة تدبير توقف الدكتور عبد الرزاق الهيري عند الحاجة إلى إطار تشريعي خاص بالجبل، مؤكدا أهمية وجدوى قانون خاص ينظم المجالات الجبلية، على اعتبار أن وضعية الجبل هي غالبا أزمة تدبير مجالي لها ارتباط بالجوانب القانونية والمؤسساتية وبطبيعة القرار المتخذ في حق الجبل. وأوضح الهيري أن البرامج التنموية التي استهدفت المجالات الجبلية ليست لها مرجعية واضحة، وليس لها إطار محكم يضبط انسجامها والتقائيتها، رغم الدراسات والأبحاث التي حاولت تأطيرها ضمن سياقات مختلفة. ويرى الباحث الهيري أنه يمكن أن يتضمن القانون ضوابط لتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمناطق الجبلية، ويضع قواعد ملزمة في توازن الاستثمار والإنفاق العمومي بشكل منصف. ويسهل التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة المشاركة في تنمية الجبال، من سلطات محلية وجمعيات وفاعلين خواص. كما سيسمح بالتفكير أيضا في فعالية قانون الجبل باقتراح آليات تنفيذه ورصده المنتظم للتأكد من أنه يلبي الاحتياجات والتحديات المحددة لكل منطقة جبلية. 3 أسئلة جهود التنمية تأخرت كثيرا أين تكمن أهمية وضع قانون خاص بالجبل، وهل يكفي لتحقيق التنمية المجالية المنشودة؟ إن مطلب قانون خاص بالجبل يستند إلى توصيات تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "التنمية بالمناطق الجبلية لسنة 2019"، ومن بينها ضرورة إصدار إطار تشريعي خاص بالجبل، يكون ثمرة نقاش عمومي ينتج قرارا سياسيا حاسما سواء في سياسة الجبل أو تشريع الجبل. وننتظر وضع قانون كفيل بتأطير سياسات عمومية متكاملة وملائمة للمجالات الجبلية تدعمها سياسات ترابية للتنمية المجالية وفق آليات التدبير الجهوي المنشود، قانون يعمل على تطوير كل الأنشطة الاقتصادية والأنشطة السياحية الممكنة، مع ضمان التوازن بين التنمية والحفاظ على الموارد والموروث الثقافي والمعارف المحلية الأصيلة. إن مشكل المناطق الجبلية ليس في ضعف الموارد، بقدر ما هو تأخر جهود التنمية بها، مقارنة بما وظف من استثمارات وتجهيزات في المجالات المحظوظة طبيعيا. ولعل أول خطوة ينبغي تخطيها في هذا الصدد هو سن سياسة خاصة بتنمية الكتل الجبلية، تتجلى في دعم الاقتصاد الجبلي عبر مجموعة من القوانين الخاصة تهم التجهيزات الأساسية، وقطاع الإنتاج الفلاحي والصناعي والسياحي والمجال البيئي والثقافي. ولتجاوز مشكل التمويل، يمكن إنشاء صندوق خاص بدعم الاقتصاد الجبلي، توجه موارده إلى تشجيع الإنتاج الفلاحي والاستثمار في المجالات الاقتصادية غير الفلاحية، وإلى حماية البيئة والثروات المائية والنباتية والحيوانية. رفعتم العديد من التوصيات إلى الجهات الحكومية، من أجل تنظيم مؤتمر دولي حول قضية الجبل، هل لنا أن نعرف طبيعة التوصيات؟ بالفعل، طالبنا الحكومة بإنجاز خريطة الموارد الجبلية من أجل تثمين مساهمة المناطق، من حيث الموارد التي تحتضنها والخدمات الإيكولوجية التي تقدمها وتثمين مساهمتها في الناتج الوطني الخام. كما أكدنا أهمية تعزيز البحث العلمي حول الجبل وفتح تخصصات بالجامعة تهتم بالجبال، وإتاحة الفرصة للباحثين لوضع تصوراتهم وأفكارهم لأصحاب القرار، إلى جانب تضمين المقررات الدراسية دروسا حول أهمية الجبل، وتأسيس أندية تربوية تهتم بثقافة الجبل. ونرى أن غياب سياسة عمومية تراعي خصوصيات الجبل وتستجيب لحاجيات السكان، وتبني مقاربة تنموية غير ملائمة للمناطق الجبلية، يحتمان تخصيص خانات للجبل في الاستمارة المعتمدة في الإحصاء العام للسكان، حتى تتم صياغة السياسات العمومية الملائمة بناء على بيانات ومعطيات دقيقة حول المجالات الجبلية. كما يجب التمييز بين المناطق الجبلية والمجال القروي، لوضع سياسة عمومية مندمجة خاصة بتنمية الجبل، وإعادة النظر في فلسفة التقسيم الإداري، واعتماد مبادئ اللاتمركز والعدالة المجالية. أين وصلت حملة جمع التوقيعات التي أطلقها الائتلاف؟ لسد الفراغ التشريعي، بادر الائتلاف إلى إطلاق عملية التوقيعات على ملتمس تشريعي، يسعى إلى إصدار قانون في مجال تنمية المناطق الجبلية وحماية الإرث الجبلي في المغرب. وتم الاشتغال على جمع التوقيعات، إذ واصل المتطوعون في مختلف جهات المملكة، خصوصا الجهات الست، التي تمكنا من تغطيتها، على إيقاع متقدم التواصل مع المواطنين، رغم أن النتائج لازالت في تطور حثيث، وقد بلغ عدد التوقيعات لحد الساعة 10 آلاف توقيع. وهناك بعض الصعوبات تواجهها العملية، منها أن الائتلاف يعتمد على إمكانياته الخاصة والمتواضعة، بالإضافة إلى صعوبة في التأكد من التسجيل في اللوائح الانتخابية، لأن خدمة الرسائل النصية على الرقم 2727 لا تشتغل. كما لم تنل عملية جمع التوقيعات نصيبها في تغطيات الإعلام العمومي، الذي كان سيساهم في التعريف بالحملة، وانتشارها في كل الجهات وتحسيس المواطنين بأهميتها. أجرى الحوار: ب. ب