بنزاكور: نظرتنا للحم تختزل أبعادا نفسية

الباحث في علم النفس الاجتماعي أكد وجود علاقة مركبة من الافتخار والحرمان قال الدكتور محسن بنزاكور، أستاذ باحث في علم النفس الاجتماعي، إن علاقة المغاربة باللحم تطورت في المخيلة الشعبية، وأخذت مجموعة من الأبعاد النفسية والاجتماعية، أحيانا، والخرافية، في أحيان أخرى، مبرزا أن اللحم رمز للاعتزاز بالذات وبالضيف والقدرة على تشريفه، كما أنه يأخذ أبعادا خرافية. وفي ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عصام الناصيري أي علاقة بين المغربي واللحم، وهل تتجاوز أبعادها ما هو غذائي؟ > ما يجب أن نفهمه أن الأمر ليس متعلقا فقط بالمغاربة، بل هي مسألة أنتروبولوجية، لأننا نعرف أن المظاهر الأولى لاستمرار الحياة البشرية كانت هي الصيد، الذي ينبني على القوة البدنية والذكورية، وبالتالي فالمخيلات التي توارثتها الإنسانية، تقول إن الاستمرارية والقوة والبنية الجسدية تختزل في الأساس في الانتصار على الطريدة وأكل لحمها. وتطورت الأمور في المخيلة الشعبية، من خلال أسلوب آخر، وهو الاحتفالية، وهذه الاحتفالية تغيرت بدورها على مستوى الشكل، لكن حافظت على مضمونها، الذي هو الاعتزاز بالذات والقدرة على تقديم اللحم، والاعتزاز بالضيف والقدرة على تشريفه. لكن في المقابل هناك إحساس بالنقص بالنسبة لمن لم يقتن الأضحية... > لم يقف الأمر عند هذا الحد عند المغاربة، إذ تطورت الأمور من الافتخار والاعتزاز إلى نقيضه وهو الإحساس بالنقص، وأصبح من لا يشتري الخروف "ماشي راجل"، ويعرضه هذا الأمر للإهانة من قبل الزوجة، وأصبح مضطرا لبيع أغراضه أو الاقتراض من أجل اقتنائه، إذ فالعلاقة مع اللحم لم تكن يوما عادية، بل ظلت مركبة، وهذا المركب فيه ما هو نفسي واجتماعي، ويختزل المكانة داخل الأسرة والمجتمع، وأمام الآخر، وبالتالي كل هذه الإشكالات تجعلنا نفهم العلاقة غير الطبيعية مع اللحم عند المغاربة، لدرجة أنه في عيد الأضحى، لا نجد إقبالا كبيرا على الأضاحي في باقي الدول العربية. رؤية اللحم تحرك دواخل البعض ويعبر عنها بالقول "كنتهاوش"، عما يعبر هذا الشعور؟ > هذه المسألة فيها بعدان، الأول خرافي، ونجد هذا الأمر في الأغنية الشعبية والتراث الكناوي المتوارث عبر الأجيال مثلا ( كتاكل اللحم اخضر... واش كتاكل البرانية)، وأكل اللحم النيئ (الأخضر) يدل في الثقافة الشعبية على الإصابة بالجن، ولكي يعبر عن تلك السلطة والقوة، يعبر عنها من خلال أكل اللحم غير المطبوخ، وهذا الأمر يزيد من تكريس المعنى الرمزي للحم، حتى مع الجن وليس فقط الإنسان. وأما البعد الثاني فهو نفسي، عندما يردد الشخص كلمة "كنتهاوش" فربما مرتبطة بالتربية والأخلاق، فالشخص يمكن أن يكون ضحية حرمان، أو أنه لا يجد تلك الاستهامات و"الفونتازمات" إلا في أكل اللحم، أو لبعد اقتصادي محض، لأنه قلما يأكله، وعندما يراه أمامه يشعر بنوع من النقص والحرج النفسي، وتتم ترجمته بالشراهة في تناول اللحم، ولكن هذه حالات خاصة لا تصلح للتعميم. هناك نوع من القداسة يحيط باللحم عند المغاربة، سواء تعلق الأمر بالأضحية باعتبارها قربانا للتقرب من الله، وهو أيضا وسيلة للتقرب وطلب الأعطيات من الأولياء والأضرحة، كيف تفسر هذا الأمر؟ > هنا يجب أن نفرق بين أمرين، الخرافة والمقدس الديني، فالشق المتعلق بالدين، نعرف فيه جميعا قصة إبراهيم وإسماعيل، وكيف أن الديانة الإسلامية كرست هذا السلوك الموجود في الديانة الإبراهيمية، لأنه يشكل مفهوما رمزيا، يتخلى فيه الشخص عن ماله، من أجل أضحية لوجه الله وإعطاء الصدقة والتضامن الاجتماعي. وأما اللحم في علاقته بالأولياء والأضرحة، فيشبه ما يوجد عند السحرة، إذ أن الذبيحة كما يقول المغاربة لها علاقة بـ "السادات"، بمعنى أن نيل رضى الجن وكسب امتثاله يستوجب تقديم أضحية، ومن هنا يتضح لنا الفرق بين القداسة الدينية للإله، وبين الخوف من سلطة الجن والرغبة في تملكه أو التخلص من سلطته على الشخص، وهذه مستويات ثقافية، جعلت هذه العلاقة بين الذبح واللحم، تأخذ صورة أخرى غير الصورة العادية المتوازنة، أي أن اللحم عبارة عن بروتينات، وأنه لا يجب تناوله سوى مرة أو مرتين في الأسبوع، لكن كل هذه العقلانية تختفي في لحظة المواجهة مع اللحم، لأن الحواجز اجتماعية ونفسية وأحيانا خرافية، إذن هذا ما يفسر هذه السلوكات غير المرغوب فيها. العلاقة بالسمك يتوفر المغرب على أحد أطول الأشرطة البحرية في العالم، ومع ذلك علاقة المغربي بالأسماك "باردة" نوعا ما إذا ما قورنت باللحم، لماذا؟ > أنا أرى عكس هذا الطرح، ويمكنني القول إن المغاربة يحبون السمك، لكن لا يستطيعون شراءه، إذ أن كيلوغراما من نوع "الميرنا" يصل سعره إلى 60 درهما ومع ذلك لن يكفي الشخص لوجبة غداء، والدليل أنه عندما ينخفض سعر السردين يكون هناك إقبال كبير عليه، وكلنا نعرف دلالة "شواية السردين"، وأقول إن الأمر اقتصادي وليس خرافيا، حتى لا نسقط في التعميم وننشر صورا خاطئة عن المغاربة، إذ من الصعب القول إنهم لا يحبون السمك مقابل تقديس اللحم، علما أننا نتحدث عن مجتمع 70 في المائة منه لا يتجاوز دخلهم 3 آلاف درهم، وهذا لا يجيز لنا أن نحكم على المغاربة بكرههم للأسماك مقابل تقديسهم للحم. في سطور - أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة - باحث في علم النفس الاجتماعي - له كتابات ومساهمات في مجموعة من وسائل الإعلام الوطنية

بنزاكور: نظرتنا للحم تختزل أبعادا نفسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"100 تخميمة ولاضربة العيد"

الملك يضحي باسم المغاربة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات