رجال التعليم والفقهاء أكثر زواجا بهن والنيابة العامة تكشر عن أنيابها لإيقاف النزيف كشفت دراسة تشخيصية لرئاسة النيابة العامة حول الزواج المبكر، معطيات صادمة، قدم بعض تفاصيلها حسن إبراهيمي، رئيس وحدة تتبع النيابة العامة لقضايا الأسرة، لمناسبة النقاشات التي احتضنها رواق رئاسة النيابة العامة، ضمن الدورة الثامنة والعشرين لمعرض النشر والكتاب بالرباط. وأفضت الدراسة إلى أن النيابة العامة بات دورها في التدخل واضحا للحد من هذه المعضلة، لتكشر عن أنيابها، عن طريق رفض مطالب الزواج في الجلسات المنعقدة، كما أصدرت أربع دوريات لمواجهة الظاهرة، مع ضرورة إنجاز الخبرات على المتزوجات من هذه الفئة. إنجاز: عبدالحليم لعريبي كشفت الدراسة الميدانية التي أنجزتها رئاسة النيابة العامة لتشخيص زواج القاصرات، والتي استنطقت فيها 2300 قاصر متزوجة، أن رجال التعليم والفقهاء وأئمة المساجد من الفئات الذين مازالوا يتزوجون قاصرات، رغم انتمائهم لفئة النخبة ووجود حملات الوعي التي تشرف عليها النيابة العامة ووزارة العدل والمنظمات والجمعيات الحقوقية المدافعة عن الأطفال وحق التمدرس. وأكد الإبراهيمي أن الفريق المكلف بالدراسة اصطدم بوجود فئة من النخبة، سيما رجال التعليم يقبلون الزواج من قاصرات، أما رجال الدين مازالت مفاهيم بعضهم خاطئة في الزواج من هذه الشريحة. نتائج الدراسة التشخيصية التي استمرت حوالي خمس سنوات، أعطى فيها قضاة الكلمة ل2300 قاصر، وبعد بروز نتائجها، دفعت الفضيحة برئيس النيابة العامة إلى طرق أبواب وزارات التربية الوطنية والأوقاف والداخلية والصحة ، وامتدت يد الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، إلى وزارة التجهيز والماء للتنسيق معها من أجل حثها على إصلاح طرق العالم القروي، بعدما أثبتت الدراسة أن سبب الهدر والزواج المبكر غياب الطرق. ويعتبر الهدف الإستراتيجي الأول للتنسيق مع القطاعات الحكومية، وضع خطط وبرامج لمواجهة "القبول الثقافي" وإذكاء الوعي الجماعي بالأضرار المترتبة عن زواج القاصر وآثاره الوخيمة على الصحة الجسدية والنفسية وتكلفته الاجتماعية، كما أسفر التدخل مع وزارة التوفيق عن مجموعة من الالتزامات أهمها إشراك المرشدين والمرشدات الدينيين وأئمة المساجد في التحسيس والتوعية بسلبيات زواج القاصر، وأجرأة وتنفيذ هذه الالتزامات بتكوين الأئمة بمعهد محمد السادس بإدراج محور "الحد من زواج القاصر" ضمن مادة حقوق الإنسان التي تدرس لطلبة المعهد، وتدريب الأئمة والمرشدين والمرشدات على إعداد دروس للتوعية للحد من الظاهرة. خارطة الطريق شكل معطى الدراسة التشخيصية منطلقا لتوصيات تعد بمثابة خارطة طريق للتصدي لهذه المعضلة التي تؤثر على ضمان ممارسة الأطفال لحقوقهم الكاملة. وتمحورت تلك التوصيات على أربعة مستويات تتجسد في تغيير العقليات والموروث الثقافي، والسياسات العامة، والإجراءات القضائية، ثم الجانب التشريعي. وقد ساعدت المعطيات المستقاة من الدراسة التشخيصية، والتي شكلت نتاجا لاستنطاق واقع تزويج القاصرات من تحديد مجالات التدخل بدقة. كما أظهرت أن ظاهرة الزواج المبكر ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التطبيق العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، بل هي شأن مجتمعي تتعدد أسبابه التي تتراوح بين ما هو اجتماعي واقتصادي، وما هو ثقافي، وديني في بعض الأحيان ينطوي على تفسير مغلوط للمقتضيات الشرعية، مما يقتضي معه مقاربة الموضوع بشكل شمولي ومندمج بغية كسب الرهان بتطويق الظاهرة في أفق القضاء عليها. ولمواجهة الظاهرة أصدرت رئاسة النيابة العامة أربع دوريات، كما أشرفت على دورات تكوينية لقضاة النيابة العامة بالأساس، وهمت الدوريات ضرورة التفاعل الإيجابي مع جميع قضايا الأسرة وإيلائها العناية اللازمة، بما يكفل استقرارها وتماسكها واطمئنان أفرادها وتحقيق العدل والإنصاف لهم "مستحضرة في المقام الأول المصالح العليا للأطفال وحقوقهم"، وعدم الاكتفاء في طلبات وملتمسات النيابة العامة بإسناد النظر أو التماس تطبيق القانون، بل "إبداء وجهة نظرها القانونية والدفاع عنها". ودعت دوريات الداكي إلى الحرص على تقديم ملتمسات للقضاة تنسجم مع قصد المشرع من جعل الزواج قبل سن الرشد متوقفا على موافقة القضاء وعدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر، إضافة إلى تقديم ملتمسات من أجل جعل جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن تترتب عن الزواج المبكر والاستعانة في ذلك إن اقتضى الحال بالمساعدات الاجتماعيات، مع الحرص على الحضور في جميع الجلسات المتعلقة بإذن زواج القاصر، مع عدم التردد في تقديم الملتمسات بإجراء بحث اجتماعي بواسطة المساعدة الاجتماعية للتأكد من الأسباب الداعية لطلب الإذن ومن وجود مصلحة للقاصر في هذا الإذن وتوفرها على النضج والأهلية الجسمانية لتحمل تبعات الزواج من أجل الرضى بالعقد. إجبارية الخبرة على القاصرات نبهت دوريات رئيس النيابة العامة إلى الحرص على تقديم ملتمسات بإنجاز الخبرات الطبية الاجتماعية والنفسية الضرورية للتأكد من قدرة القاصر على تحمل أعباء الزوجية، مع الحرص على التأكد بالنسبة إلى المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج الراغبين في الحصول على هذا الإذن بأن الدولة المقيمين بها تقبل عقود الزواج دون سن الأهلية، ومن الإجراءات الجديدة تقديم ملتمسات بعدم الاختصاص بالنسبة إلى طلبات الزواج المتعلقة بقاصرين لا يقيمون بدوائر نفوذ قاضي الأسرة المكلف بالزواج الذي يقدم إليه الطلب، إلى المواطنين باعتبار ذلك شرطا أساسيا لإجراء الأبحاث. التزامات وأجرأة أسفر تدخل رئاسة النيابة العامة عن مجموعة من الالتزامات الأخرى، ضمنها تعزيز دور رجال ونساء التعليم في إذكاء الوعي لدى الطفلات والفتيات بأهمية التمدرس لبناء شخصيتهن واستقلالهن، وإدراج موضوع زواج القاصر في المقررات والمناهج الدراسية، لتوعية وتحسيس الناشئة بمخاطر هذا الزواج، بهدف بناء فكر تربوي ممانع لزواج القاصر، يساعد على تغيير العقلية الدونية في حق المرأة والفتاة. واستهدفت الدراسة بالأساس إقليم أزيلال الذي يشمل 44 جماعة ترابية ضمنها جماعتان حضريتان، وجرى الاستماع إلى 2300 طفلة كانت موضوع زواج القاصرات، وتم الاعتماد على مجموعة من المؤشرات، ضمنها حالة القاصر قبل الزواج ومؤشر كيفية تدبير الزواج. تنفيذ التوصيات تنفيذا لتوصيات الدراسة التشخيصية، عملت رئاسة النيابة العامة يقول إبراهيمي، في السياق ذاته على إعداد خطة عمل مندمجة لمناهضة زواج القاصر، شملت مختلف الفاعلين الحكوميين والمؤسساتيين المعنيين، وفق أهداف محددة، وبمؤشرات دقيقة، وأمد زمني يمتد لأربع سنوات للإنجاز والتنزيل. وإيمانا بقيمة العمل التشاركي في هذا الصدد، فقد تواصل انخراط رئاسة النيابة العامة، يضيف المتحدث نفسه، في الجهود الوطنية الرامية إلى التصدي لزواج القاصر بالانفتاح على الجهات الفاعلة والمعنية بالموضوع، وذلك في إطار تفعيل المبادرة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب سنة 2020، سيما في الشق المتعلق بالحد من الهدر المدرسي، والوقاية من زواج القاصر، حيث بادرت في هذا الإطار إلى تجسيد هذا الالتزام المشترك، بتوقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون مع وزارة التربية الوطنية. مواجهة الهدر المدرسي من بين أهداف الاتفاقية الإطار الأساسية الحرص على ضمان متابعة الفتيات تمدرسهن إلى نهاية التعليم الإلزامي، من أجل العمل على الحد من زواج القاصرات، عبر تنسيق جهود تفعيل قانون إلزامية التعليم، انطلاقا من قناعة واقعية مفادها أن الهدر المدرسي يشكل رافدا أساسيا لتزويج القاصرات. وانطلق تفعيل هذه الاتفاقية في مرحلة أولى بمراكش تجربة نموذجية في مارس 2021 ، ليتم تعميم التجربة على مجموع التراب الوطني، بموجب الدورية رقم 20 س/ر ن ع، بتاريخ 9 يونيو 2021 حول تتبع إعلان مراكش 2020، التي تضمنت عددا من التوجيهات للنيابات العامة للحد من الهدر المدرسي للفتيات على وجه الخصوص. وتعتبر الأرقام التي تم تسجيلها بخصوص عدد الأطفال، الذين تم إرجاعهم لمقاعد الدراسة حافزا مهما للمضي قدما في تنفيذ مضامين هذه الاتفاقية، حيث تجاوز عددهم خلال 2022 أكثر من 46000. مناشير ودوريات الداكي أظهرت الورقة التقديمية حول الدراسة التشخيصية بشأن زواج القاصرات، أن رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها أبانت على إيلاء حماية الطفولة أهمية قصوى، وجعلتها من بين أولويات السياسة الجنائية التي يتعين الحرص على تنفيذها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد أفردت رئاسة النيابة العامة للموضوع عدة مناشير ودوريات تحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل، والتماس رفض تزويج القاصر، حفاظا على مصالحه الفضلى، كما واكبت ذلك بوضع وتنفيذ برامج للتكوين والتكوين المستمر لقضاة النيابة العامة، تعزيزا لقدراتهم وخبراتهم في المجال. واستكمالا لمجهودات النيابة العامة، وإسهاما منها في رفع التحدي الذي انخرطت فيه المملكة لمواجهة ظاهرة تزويج القاصر، باعتبارها من الممارسات التي ينعكس أثرها السلبي على ضمان تمتع الأطفال بحقوقهم الكاملة، عملت رئاسة النيابة العامة، يقول حسن إبراهيمي، على إعداد دراسة تشخيصية شاملة في الموضوع سنة 2021، في إطار تفعيل المبادرة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم، رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب، سنة 2020، حيث تمت من خلالها مقاربة المعطيات القضائية لمسطرة تزويج القاصر، وكذا الجوانب الميدانية المرتبطة بواقع هذه الظاهرة، وخلصت إلى استنتاجات في غاية الأهمية، والتي تعد نتاجا لرصد واقع الممارسة القضائية لزواج القاصر من جهة، وتعبيرا عن الواقع المعيش لتجارب فئة مهمة من القاصرات مع هذا الزواج من جهة أخرى.