موت الوسطاء وانقراض عبارات "الاصطياد" المسكوكة هل الدعارة فعلا هي أقدم مهنة في التاريخ؟ وما الذي جعل واصفيها هكذا يدخلونها في عداد "المهن" ثم يذهبون في "التأمل" و"التحليل" و"التفكيك" إلى حد التمييز بين "المهن" الحديثة والموغلة في "القدم" وإلى تحديد أقدمها على الإطلاق. لكن، بصرف النظر عن صفة "القدم" هاته، تستحق مسألة إلصاق صفة "المهنة" بنشاط الدعارة الاهتمام، علما أن "الدعارة"، إذا جاز اعتبارها "مهنة"، فهي من بين الأنشطة الأكثر ارتباطا بغريزة "طبيعية" لدى الإنسان ويتطلب "إشباعها" توفير أجواء وطقوس خاصة تميزها عن باقي الغرائز الطبيعية التي توجه الإنسان. وعندما تخضع غريزة "الجنس" لمنطق الربح، ويصبح أحد طرفي العملية الجنسية مستفيدا من عائد مالي أو عيني، مقابل تقديمه ما يعتبره "خدمات جنسية" إلى شريكه، هنا ندخل منطقة "الدعارة" كما "اصطلح" على تعريفها، بأنها "تقديم خدمات جنسية" بالمقابل، وغالبا ما يكون الطرف البائع "امرأة" وهنا البعد التراجيدي في العملية. وأن يجد المرء (أو المرأة) نفسه لا يملك شيئا يقيم به أوده سوى "جسده"، تصبح معه الدعارة وجها من وجوه الاستغلال، بين طرف "محتاج" وطرف يستغل هذه "الحاجة" لتحقيق "حاجة" أخرى بمقابل مادي. إننا أمام "نشاط" يتنامى ويأخذ صورا وأبعادا مختلفة، تتجاوز الإطار البسيط الذي نشأت فيه إلى إطار أكثر تعقيدا وتفرعا، تصبح معه الدعارة شكلا متطورا يأخذ بعين الاعتبار التطور التكنولوجي والتقني ويتكيف معه بشكل يجعل التجاور بين "عتاقة" المهنة وعراقتها وقدمها، ومظاهر الحداثة التكنولوجية أمرا ممكنا. لكن هذا الانفتاح والاستفادة من التطور التكنولوجي لا يخلو من ضرائب وآثار جانبية منها انتفاء دور الوسطاء في عملية الدعارة، وموت "القوادة" بعد أن ارتفعت الحاجة إليهم في ظل الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، خاصة ما يتعلق بالتطبيق ووسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت العلاقة بين ممتهنات الدعارة وزبنائهن بدون وسطاء وبشكل مباشر. مع التطور التكنولوجي ستفتقد الأرصفة، تدريجيا، عاملات الجنس اللواتي كن يرحن ويجئن عليها، فالأرصفة ستنتقل إلى العالم الافتراضي، وستنقرض عبارات "الاصطياد" المسكوكة لتعوضها التطبيقات التي تضع الزبون وجها لوجه مع "صاحبة الخدمة"، يتملى في مؤهلاتها ويتطلع إلى سلعته دون حاجة إلى عبارة "ما نشوفوكش آالزين» لأن كل شيء قائم على «النظر» وتفحص الصور والفيديوهات، ولكل شيء ثمنه، في مهنة «قديمة» تجني ثمار «الحداثة» والعصرنة. عزيز المجدوب