العياسي يكشف كواليس ميلاد ملحمة "أرض الله" بمشاركة سبعين فنانا قدم الفنان والمخرج أيوب العياسي، أخيرا، عرض ملحمة "أرض الله"، التي استعاد من خلالها تاريخ المغرب عبر لوحات ومشاهد بحس سينمائي ومسرحي وغنائي. في هذا الحوار يتحدث المخرج الشاب عن أبعاد هذا العمل، وخلفياته وأسباب نزوله. أجرى الحوار: عزيز المجدوب < على العكس الأمر ضرورة ملحة وانخراط بيداغوجي في تعريف الأجيال الحالية والقادمة وعموم الجمهور، بتاريخ المغرب وأمجاده. من هنا وبشكل تلقائي خضنا هذه المغامرة التي يمكن وصفها كذلك على المستوى الإنتاجي لأنها تطلبت إمكانيات لم يعد من المعتاد رصدها لأعمال مسرحية ضخمة نظير هذا. ولولا دعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل وإلى جانبها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمسرح الوطني محمد الخامس، لما تمكنت جمعية «كفاءات مغربية» من إنجاز هذه الملحمة الوطنية. أما على مستوى مدة العرض التي تفوق الساعتين فرغم أننا في زمن "الزابينغ» والفرجات الشذرية، فإن هذا النوع من العروض مازالت له مكانته ويمكنه أن يستقطب جمهورا واسعا على خلاف ما يمكن اعتقاده. وهذا ما تحقق في العروض الأولى لملحمة أرض الله التي قمت بتصميمها وكتابة السيناريو لها وإخراجها. < سبب النزول ينطلق من منطلقين الأول ذاتي والثاني موضوعي. فيما يخص الذاتي: مرتبط بفترة جائحة كورونا التي دفعت الكثيرين من الناس عبر العالم في إعادة النظر في مجموعة من التصورات وهو الأمر الذي حدث لي أيضا، ولهذا قررت عدم تأجيل رغبتي في إبداع وإنتاج أعمال مسرحية ضخمة تليق بهذا الوطن ورموزه. في ما يخص الجانب الموضوعي، في تقديري وبشكل تلقائي وبمبادرة حرة مني ومن تواطؤوا معي في إخراج هذا الإبداع لحيز الوجود، انطلقت من أن تسليط الضوء على تاريخ المغرب من موريطانيا الطنجية إلى الحكم الحالي لجلالة الملك، مسؤولية يجب أن تقع على عاتق الفنانين، الذين بإمكانهم تقديم إبداع يجمع بين الإمتاع والإفادة، في هذا المضمار. وهو ما سعينا إليه في ملحمة "أرض الله" التي وضعت تصميمها الدراماتورجي والسينوغرافي وأخرجتها وكتبت نصوصها مع كل من الشاعر والزجال مراد القادري والروائية مليكة رتنان والفاعل الجمعوي والكاتب هشام كرين والكاتب والإطار التربوي أحمد العياسي. ولكل هؤلاء معرفة دقيقة بتاريخ المغرب وأدوات أكاديمية وإبداعية للتعامل معه. ولقد تشرفت أن أهدي، باسمي واسم السبعين فنانا المشاركين في هذا العمل الفني، إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس. < أعتقد أن سياقا جديدا، اكثر إلحاحا، وهو ضرورة الجواب على التربص بالتراث المغربي وتاريخ المغرب الذي يتعرض لكثير من المغالطات. وهذه الملحمة جاءت للمساهمة في التعريف بتاريخ "أمور ن واكوش" وهو الاسم الأمازيغي العريق للمغرب والذي يعني "أرض الله" كما جاء عنوان الملحمة. وهي الأرض التي شاءت الاعتقادات القديمة أن تتعامل معها منذ زمن بعيد كأرض بركة تلتقي فيها المعتقدات الدينية على التوحيد، تماما كما هي أرض لقاء جغرافي لمد الجسور بين إفريقيا وأوروبا. كما توضح الملحمة أنه كلما كان تبخيس من حضارات الغرب للحكام المغاربة على مر حقب مختلفة، كلما أبهرت العبقرية المغربية في القيادة والحكم هؤلاء المستصغرين لقيمة الإنسان المغربي. وفي التاريخ عبرة لمن اعتبر كما يسرد ذلك شعر لسان الدين ابن الخطيب في قصيدة مثلت إحدى الأغاني الأوبرالية للملحمة. < أعتقد أن التميز يأتي أساسا من الاشتغال الفني المغاير على مستوى الكتابة والإخراج واللغة الركحية، بمقترحات بصرية تحاول المزج بين احترام ثوابت الطابع المسرحي الملحمي كما هو متعارف عليه وبين النهل من أساليب ورؤى فنية جديدة وفية لمشروعي الإبداعي ولرؤيتي الإخراجية، كما يعرفها المتتبعون للساحة المسرحية بصفة عامة ولمساري المسرحي بشكل خاص. ولقد عملت على تصميم العرض ليلعب داخل فضاء المسرح وليصور للتلفزيون كمنتوج في الآن نفسه سمعي بصري وفرجوي مسرحي. كما يمكن لهذا العرض الملحمي أن يقدم في فضاءات تاريخية مفتوحة. < أشكرك على هذا السؤال الذي يمكنني من الحديث عن مشروعي الفني التنظيري والتطبيقي في المجال المسرحي الذي أسميه "مسرح الانزياح» كمقترح مغربي في سياق لمسرح مابعد حداثي. إذا كان الطابع الملحمي التاريخي كلاسيكيا كأسلوب فإن طريقة تناولي له لم تخل من الانزياح عنه وإعادة محاورته وتشكيله. وإذا كنا نرى في الملحمة الكلاسيكية راويا أو رواة يخاطبون الجمهور بشكل مباشر لسرد أحداث من الماضي المجيد. فإنني في ملحمة "أرض الله" أجعل من حوارات آنية بين شخصيات معاصرة هي ذريعة الدخول في الحكاية، التي نرى فيها راويا بالأسلوب المتعارف عليه، ثم تنتهي الحكاية لدى شخصيات «مبسطين» من الذين اعتادوا على تقديم الطرائف والحكايات والعبر في بلاطات الحكام. إننا هنا ننزاح في كل مرة عن متن حكائي لننتقل منه إلى آخر. ثم إن البنية الدراماتورجية لم تأت في فصول أو في زمن حكي مسترسل، كما هو في الملحمة الكلاسيكية. إنها لوحات ومشاهد مصاغة بحس سينمائي لمحطات وشخصيات وحقب من التاريخ العريق للمملكة. الملحمة في سطور ملحمة "أرض الله" قدمتها جمعية "كفاءات مغربية" بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل وبشراكة مع الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة ومسرح محمد الخامس، من تصميم وسيناريو وإخراج الفنان أيوب العياسي ونصوص: مراد القادري ومليكة رتنان وأيوب العياسي وهشام كرين وأحمد العياسي. ولقد وضعت كوريغرافيا الملحمة الفنانة الشابة عبير أوزين. فيما أبدع الموسيقى والألحان الفنان الموسيقي عبد الفتاح النكادي. وهذا العرض المسرحي الملحمي من تشخيص وأداء سبعين فنانا من ممثلين وراقصين ومغنين وموسيقيين. وتحكي الملحمة عن محطات وشخصيات من تاريخ المملكة المغربية المجيد من موريطانيا الطنجية إلى حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس. ويشارك في التشخيص فنانون من مشارب وأجيال مختلفة من ضمنهم: عبد اللطيف الخمولي، وأمال التمار، وطارق البخاري، وجمال الدين بنحدو، وعادل بلحجام، وزبيدة عاكف، وماء العينين عناني، وأمنية الشفشاوني، ورضوان كنانة، ونهاد كنون، وسيم ستيتو، ومعاد لصمك، ومنال فتاح، ومريم المعتبر ومصطفى صبحي. في سطور ـ مخرج سينمائي وفنان مسرحي، تتوزع اهتماماته بين الكتابة الأدبية وكتابة مقالة الرأي والإبداع السينمائي والمسرحي. - اشتغل على الشعر والأدب حتى في أعماله المسرحية حيث أعد و أخرج مسرحية «شظايا»، عن مجموعة من النصوص الشعرية كما قام بدراماتورجيا و إخراج مسرحية العابر عن ديوان « دفتر العابر» للشاعر ياسين عدنان كما أعد و أخرج مسرحية « العريس» عن رواية الشاعر المغربي صلاح الوديع و»توحشت راسي» عن نصوص للزجال أحمد لمسيح والعديد من الأعمال السينمائية.