المطلوب ثقة متبادلة بين البنوك والشركات

مصطفى الجاي الخبير البنكي اقترح مقاربة جديدة لتحسين العلاقة بين الطرفين صدر للأستاذ الجامعي والإطار البنكي السابق، مصطفى الجاي، كتاب يتناول العلاقة المعقدة بين المؤسسات البنكية وزبنائها من المقاولات. وأشار في حوار مع "الصباح" إلى طبيعة النظرة السلبية التي لدى كل طرف عن الآخر، مضيفا أنه لا يمكن للطرفين الاستغناء عن بعضهما البعض، بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الذي يعتمد على الاقتراض، واقترح اعتماد مقاربة لتحسين التعامل بين الطرفين، بإدماج البعد العلائقي، وعدم الاقتصار على الجانب التعاقدي فقط.في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي/ تصوير (عبد اللطيف مفيق) أصدرتم، أخيرا، كتابا حول محددات علاقة ثقة بين البنوك والمقاولات، ما هي أهم الجوانب التي يتناولها الكتاب؟ > كما تعلم ، فإن الاقتصاد المغربي يعتمد على الاقتراض، إذ يتم تمويل احتياجات الشركات إلى حد كبير من قبل البنوك. ويسلط كتابي الضوء على العلاقة المعقدة بين البنوك والمقاولات في المغرب، مع التأكيد على أنها تظل ضرورية في المشهد المالي. وتكشف ملاحظة متكررة لهذه العلاقة وجود تصور سلبي لدى كل طرف تجاه الطرف الآخر. لكن المؤلف يؤكد، أيضا، أن هذه العلاقة يمكن أن تكون مفيدة في سياق شراكة محددة جيدا، مما يوفر أفقا متوازنا لهذه الديناميكية المعقدة. ومن بين الجوانب المهمة التي يتناولها الكتاب، إدارة العلاقة بين البنوك والشركات، علما أن هذه المسألة تكتسي أهمية خاصة من كلا الجانبين، إذ يواجه الفاعلون من الجانبين تحديات وفرصا فريدة. ومن أجل تحليل هذه الديناميكية المعقدة، يتبنى الكتاب مقاربة مزدوجة، تبرز البعدين التعاقدي والعلائقي في العلاقة التي تربط الطرفين. وتم فحص النهج التعاقدي بتفصيل، مع تحليل شروط وأحكام الاتفاقات الرسمية بين البنوك والشركات، ويسلط المؤلف الضوء على الآليات القانونية والمالية التي تحكم هذه العلاقة، مع إبراز الآثار والنتائج الملحوظة لهذه العقود. كما أولى الكتاب أهمية خاصة، أيضا، للبعد العلائقي، إذ تم التركيز على طبيعة الروابط العاطفية والاجتماعية بين البنوك والشركات، وتأثير هذه العلاقات على الأداء العام للطرفين. ويفحص الكتاب العوامل التي تساهم في إنشاء علاقات دائمة ومفيدة للطرفين وكذا سبل الحفاظ عليها. تؤكدون وجود تصور سلبي لدى البنوك والمقاولات على حد سواء بشأن العلاقات التي تربطهما، ما هي طبيعة هذه السلبيات؟ > بالفعل، يمكن القول إنه غالبا ما تكون هناك تصورات سلبية بين البنك والمقاولة، خاصة في ظل اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الاقتراض، كما أشرت إلى ذلك سابقا، كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة الشركات الصغيرة جدا، لا تملك خيارات أخرى سوى التمويل البنكي. وتعود هذه التصورات السلبية إلى عدم توازي المعلومات لدى الطرفين. وهكذا، فإن الشريكين لا يتوفران على المعلومات ذاتها، ولا يتمتعان بقدر كاف من الشفافية، خاصة من جانب الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتتلخص الانتقادات الموجهة من قبل البنوك إلى الشركات المتوسطة والصغرى، بوجه خاص، والمقاولات بشكل عام، في غياب الشفافية، وقلة رأس المال، وسوء الإدارة وعدم وجود رؤية واضحة ومخططات مدروسة بشكل جيد. بالمقابل، تنتقد الشركات الصغيرة والمتوسطة البنوك لعدم تحمل المخاطر بشكل كاف، إذ تطلب ضمانات مادية (رهون) في كثير من الأحيان، كما تعتبر هذه المقاولات أن أسعار الفائدة مرتفعة، وتشعر بنقص الدعم من البنوك، إذ بعد التمويل يتم تجاهلها، وتعامل على أنها مجرد تصنيف أو رقم حساب، ويفتقر الارتباط بين البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة إلى العلاقات الإنسانية، كما أن بعض البنوك لا تتوفر على المعرفة المعمقة لقطاع الأعمال للشركات الصغيرة والمتوسطة. كما تنتقد المقاولات، أيضا، تغير المحاورين البنكيين، وبطء اتخاذ القرار، إذ يتم اتخاذه بشكل مركزي. كيف يمكن التغلب على سوء الفهم بين الطرفين؟ > تؤدي الانتقادات المتبادلة إلى التوتر وسوء الفهم في العلاقات بين البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة. ويمكن التغلب على هذه المشكلات، كما يوضح ذلك الكتاب، من خلال الانتقال من جانب المعاملات إلى المقاربة العلائقية برؤية طويلة الأمد لمواكبة الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة. لا يكفي تمويل هذه الشركات، فقط، بل يجب دعمها في تطورها ونموها وفتح أسواق جديدة. وفي هذا الإطار، أعتقد أن هذا الصنف من المقاولات يظل نواة النسيج الاقتصادي المغربي، بالنظر إلى أنه يمثل 95 في المائة من المقاولات بالمغرب، ويمكن لهذه الشركات توفير مناصب شغل مهمة وتحقيق النمو الاقتصادي. لذا يتعين، مع المشاريع الملكية الطموحة للمملكة، تجاوز الانتقادات المتبادلة وبناء علاقة ثقة بين البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة لتمويل الاقتصاد، وهو الدور الرئيسي للبنوك، وسيساهم ذلك في إحداث مناصب الشغل وتحقيق النمو، خصوصا تمكين المغرب من الانتقال، في أفق 2030، إلى مصاف البلدان الناشئة، وأن يصبح من بين الدول ذات الدخل المتوسط. مواكبة المقاولات الصغيرة بماذا تفسر ضعف التمويل البنكي المزمن للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة؟ > يعود النقص المزمن في تمويل المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، كما أشرت إلى ذلك في كتابي، إلى العلاقة المعقدة بين البنوك وهذا الصنف من المقاولات، وغياب الثقة بين الطرفين، ما يجعل أن 56 في المائة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة هي التي تلج إلى التمويل البنكي، في حين أن عددا كبيرا آخر، خاصة الشركات الصغيرة جدا، يلجأ إلى مصادر تمويل بديلة مثل التمويل الذاتي، والاقتراض من العائلة، ومصادر تمويل أخرى، يوظفها أرباب هذه المقاولات من أجل الحصول على جزء من حاجياتهم للتمويل. ويتعين على النظام البنكي مزيدا من مواكبة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، لأن هذا الصنف من المقاولات يوفر مناصب الشغل، علما أن من بين التحديات الكبرى التي يواجهها المغرب، حل إشكالية بطالة الشباب الحاصل على دبلومات. لذا، فإن البنوك مطالبة بمواكبة هذا الصنف من المقاولات، من خلال آليات أخرى، مثل آلية صندوق الضمان "تمويلكم". ويجدر التنويه، بهذا الصدد، بالمجهودات الكبيرة التي تبذلها هذه الآلية. ويمكن أن تساهم آليات الضمان في تيسير ولوج المقاولات الصغير جدا والصغرى والمتوسطة الولوج إلى التمويلات. وإذا أخذنا، على سبيل المثال، منتوج "انطلاقة"، الذي أطلق بمبادرة من صاحب الجلالة في نهاية 2020، يمكن القول إن البرنامج حقق نتائج جيدة، رغم تزامنه مع جائحة «كوفيد 19»، إذ تم منح قروض بقيمة 8 مليارات درهم، ما يمثل 90 في المائة من التكلفة الإجمالية للمشروع، إذ يساهم صاحب المشروع بـ 10 في المائة، ولا يطلب منه أي ضمانة، لأن ضمانة صندوق "تمويلكم" تغطي 90 في المائة من القيمة الإجمالية للقرض البنكي. ويعكس هذا البرنامج الاهتمام القوي لجلالة الملك بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص العمل وتحقيق النمو. ومع ذلك، فإن النسبة المرتفعة لرفض ملفات طلب التمويل، التي وصلت إلى 40 في المائة، في منتوج مثل هذا، تحتاج إلى توضيح وتدقيق، خاصة أن هذا المعطى صرح به والي بنك المغرب في ندوته الصحافية الأخيرة، التي أكد فيها أنه سيدقق في سبب هذه النسبة المرتفعة. وأعتقد، في خلاصة الأمر، أنه لتحسين التمويل، يجب أن ننتقل، في ما يتعلق بالعلاقة بين البنك والمقاولة، من الجوانب المرتبطة بالأعمال، إلى البعد العلائقي، مع رؤية طويلة الأمد لا تقتصر فقط على التمويل، بل تشمل أيضا دعم هذه المقاولات الصغيرة والمتوسطة. نموذج جديد للعلاقات ما هي الحلول المقترحة لتحسين العلاقة بين البنوك والمقاولات؟ > لقد سلط الكتاب الضوء على النماذج والمحددات التي تمكن من الانتقال من العلاقة الحالية، التي تركز على المدى القصير وجلب الزبناء الجدد وزيادة الناتج البنكي الصافي، إلى نموذج جديد يدمج الجانب العلائقي، الذي يرتكز على الثقة المتبادلة بين الطرفين، والشفافية، التي تكتسي أهمية بالغة، سواء من جانب البنوك أو المقاولات، كما أنه يتعين التركيز على العلاقات الإنسانية، وعدم تلخيص رب المقاولة في مجرد مؤشرات إحصائية ومحاسباتية، ويتعين الأخذ بعين الاعتبار، أيضا، أهمية المواكبة، فدور البنوك يجب ألا يقتصر على تمويل المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، بل يتعين عليها مواكبة هذه المقاولات وتقديم الاستشارات لها واعتماد سياسة القرب تجاهها. وأنا على يقين من أن الجهود ستبذل من كلا الجانبين، لأن البنوك تعتمد على الزبناء، كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة لا يمكن أن تنمو وتتطور بدون التمويل المصرفي، خاصة في إطار اقتصاد يعتمد على الاقتراض. وإذا انخرط الشريكان في علاقة "رابح-رابح"، فسيتمكن المغرب من بناء اقتصاد قوي يتميز بكثرة إنشاء الشركات وفرص العمل. و كما ذكرت في المقدمة، فإن البطالة، خاصة في صفوف الشباب ذوي الشهادات العليا، تشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد المغربي، إذ نعاني معدلات بطالة عالية. وينتظر أن يحقق المغرب، بفضل رؤية جلالة الملك، إنجازات كبيرة في المستقبل. فقد أطلق جلالة الملك العديد من المشاريع الكبرى، خلال العقد المقبل، وآمل أن تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من هذه المشاريع المهيكلة، إضافة إلى إستراتيجية المهن العالمية التي اعتمدها المغرب، التي يمكن للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة أن تستفيد منها، من خلال عقود المناولة مع المجموعات الاقتصادية الكبرى التي ستساهم في بناء مغرب المستقبل. وفي الختام، أعتقد أن بناء علاقة قوية بين البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة ضروري لتعزيز الاقتصاد المغربي وإحداث فرص عمل جديدة، إذ من خلال التعاون بين جميع الأطراف المعنية، يمكننا بناء نظام مالي أكثر فاعلية يساهم في تحقيق التنمية المستدامة. في سطور - أستاذ جامعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء - عمل مديرا بعدد من المجموعات البنكية - يتوفر على خبرة تمتد لعقود في المجال البنكي - ساهم في إثراء الثقافة البنكية بمقالات تهم القطاع المالي - أصدر أخيرا كتابا حول العلاقة بين البنوك والشركات

المطلوب ثقة متبادلة بين البنوك والشركات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السيجارة الإلكترونية... أضرار ومخاطر

التحقيق في سندات طلب بـ 11 مليارا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات