بين مطرقة سن قوانين ضبط أسعار المواد الاستهلاكية وسندان التحكم في التوازنات المالية تمتد الدورة البرلمانية الجارية في سياق تعدد التحديات خاصة في المجال الاقتصادي، إذ يطلب من الحكومة سن قوانين ضبط أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية من جهة، ومن جهة أخرى التحكم في التوازنات المالية والحفاظ على دينامية الاقتصاد الوطني وتعزيز مناعته وقدرته على الصمود في ظل ظرفية عالمية سمتها الأبرز توالي الأزمات والصدمات. وتطرح على طاولة الدورة التشريعية الربيعية ملفات حارقة تتعلق بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية والترسانة القانونية المواكبة له المتعلقة بإصلاح قطاع الصحة، إضافة إلى جملة من القضايا ذات الراهنية الكبرى، من أبرزها مشروع القانون الجنائي وإصلاح مدونة الأسرة، ما جعل الدورة تكون مقيدة بضرورة تركيز الجهد حول ثلاثة أبعاد، انسجاما مع الخطاب الملكي الافتتاحي لأول دورة من الولاية التشريعية الحالية، تتعلق بتحصين السيادة الوطنية الصحية والطاقية والغذائية لتعزيز الأمن الإستراتيجي للبلاد، ومواصلة انعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار المنتج، وإطلاق مشاريع وإصلاحات جديدة لتنزيل النموذج التنموي. لكن تلك الرهانات تفرض مضاعفة مجهود المؤسسة البرلمانية وتعزيز أدائها وتعاونها في مجالات التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما يحقق مساهمتها المثمرة في معالجة إشكاليات ارتفاع الأسعار وعوائق الاستثمار وغيرها، فضلا عن إثبات فعالية هياكلها وتفاعلها وقدرتها على تقديم الحلول لمختلف القضايا التي تؤرق المواطنين. وترتفع أصوات النواب والمستشارين بضرورة تجاوز شبح "البلوكاج"، الذي مازال يهدد بعض النصوص التشريعية وتفعيل مسطرة التشريع المتعلقة بها، مثل النص المتعلق بتنظيم الإضراب وتعديل قانون الصحافة والنشر، وكذا رهان استكمال دراسة النصوص التشريعية ذات الطبيعة التقنية والتي لا تثير في أغلبها جدلا سياسيا، بالإضافة إلى النصوص الأخرى التي ستعرض بعد مصادقة الحكومة عليها مثل مشروع قانون تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية. وتواجه المؤسسة التشريعية مطلب استكمال المنظومة التشريعية التي تهم مؤسسات الحكامة، بتسريع إخراج النص القانوني المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج، تطبيقا لأحكام الفصل 163 من الدستور، فضلا عن الدفع بتفعيل باقي الالتزامات التشريعية المهمة، كإصلاح القانون الجنائي والمسطرتين المدنية والجنائية ومدونة الأسرة، ومراجعة مدونة الشغل واعتماد قانون للنقابات، وكذا تعزيز المنظومة التشريعية لتكريس المنافسة الاقتصادية المواطنة والمتوازنة وحماية الأمن الغذائي. وعلى المستوى الرقابي ينتظر أن يعكف البرلمان على مناقشة مواضيع طارئة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، تتطلب رفع الجاهزية للتجاوب مع طلبات الفرق والمجموعات النيابية بشأنها باعتبارها فرصة مهمة للوقوف على الأداء الحكومي والإصغاء إلى وجهات النظر المتعددة ومقترحات الحلول الممكنة. وينتظر أن تمثل الدورة فرصة مواتية لاستكمال مسطرة عرض ومناقشة تقارير المهام الاستطلاعية، سيما تلك المتعلقة بشبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، لإطلاع الرأي العام على نتائجها واقتراحاتها قصد تعزيز المجهود الحكومي، مع استكمال مهام استطلاعية أخرى. وتنفرد المعارضة برهانات خاصة خلال هذه الدورة في أفق تثمين فرص الارتقاء بأدائها وتفعيل دورها الدستوري في المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة، وبذل مجهود مضاعف من لدن فرق ومجموعة للاقتراب من المواطن والتواصل المستمر معه وتقديم الحلول والأجوبة السياسية المقنعة بخطاب قوي والتحرر من حسابات التوازنات الحزبية. ياسين قُطيب