مذكرات قــــاض : منظومة العدالة مريضة منذ ستة عقود

في أواسط 2011 ، وبعد الاستفتاء على الدستور، أطلقت وزارة العدل والحريات مبادرة الحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة. وقد تركزت معظم المبادرات والأبحاث التي أنجزت في هذا الشأن على استقلال القضاء وتخصص القاضي الجنائي. فما هو رأيكم في كل هذا؟ أولا يجب الإشارة إلى أن المطالبة بإصلاح منظومة العدالة ليست وليد مبادرة وزارة العدل، ذلك أن هذا الأمر كان وما يزال يهم جميع الفاعلين المجتمعيين الذين كانوا ومازالوا يرفعون أصواتهم للمطالبة بالإصلاح. ويكفي هنا الإشارة إلى جهود المحامين، فلم يخل أي مؤتمر من مؤتمراتهم من مناقشة واقع العدالة والمطالبة بالإصلاح ، وكما تعلمون، فإن المحامي هو الأكثر التصاقا بمنظمة العدالة، بل إنها تتشكل من القاضي والمحامي. ويجب التذكير كذلك إلى أن الداء الذي أصيبت به منظومة العدالة هو داء عضال بدأت أعراضه ومضاعفاته منذ ستة عقود، وبالتالي، فإن كل ما فسد طيلة هذه المدة لا يمكن إصلاحه في سنة أو سنوات.أما بخصوص تخصص القاضي الجنائي، فيمكن القول إن تخصص الأخير يعني اختصاصه للفصل في القضايا الجنائية فقط وإعداده إعدادا خاصا يرمي إلى إلمامه بالعلوم الجنائية وفروعها المختلفة ذات الصلة بالقانون الجنائي، إذ يكتسب خبرة في الفصل في القضايا الجنائية، ولا يكون ذلك إلا إذا كان هذا القاضي ملما بالعلوم الجنائية، ومتفهما لأصولها، إذ يستطيع أن يلجأ إلى الخبراء والمتخصصين ويفهم نتيجة أعمالهم ويقدرها على ضوء معرفته السابقة. وما هو المطلوب في التخصص الجنائي، حسب وجهة نظركم. وهل هناك استقلال بالفعل؟ إن المطلوب في الوقت الحاضر ليس التخصص في المجال الجنائي فقط، لأن ذلك غير كاف، بل يجب أن يكون هناك تخصص دقيق داخل التخصص الجنائي، وفقا للمتطلبات الحديثة للعدالة، فيكون عندنا قاض جنائي متخصص في الأحداث، وآخر في مجال الجرائم الاقتصادية وغيره في مجال جرائم البيئة إلى غير ذلك. وقصارى القول إن تخصص القاضي الجنائي له آثار واضحة سواء من حيث بحث شخصية المتهم، أو من حيث تقدير الإدانة وكذلك من حيث تفريد العقوبة.وبالنسبة إلى استقلال القضاء، وهو الشطر الثاني من السؤال يمكن القول وبدون أي تجاوز أن استقلال القضاء، هو الركن الأساسي في مبدأ الشرعية وهو الضمانة الأساسية لسيادة القانون والمساواة أمام القانون وهو يعني تحرر سلطة القاضي من أي تدخل وعدم خضوعه لغير القانون، إلا أن هذا الاستقلال لا ينبغي أن يعني التحكم.فالاستقلال هو شرف القاضي واعتباره وبدونه يفقد قيمته وجدارته في حماية الحريات.ولحماية هذا الاستقلال يجب أن يكون القاضي محصنا ومحميا فلا يمكن إبعاده من منصب القضاء سواء من خلال الفصل، أو الإحالة على منصب آخر أو الإيقاف من العمل أو النقل إلى وظيفة أخرى أو النقل من مكان آخر.والوجه الآخر لاستقلال القضاء هو حياده أي أن يكون مجردا من التعثر بالمصالح والعواطف الشخصية، وحياد القاضي يتلخص في أمرين الأول شخصي والثاني موضوعي. أما الشخصي، فيتوقف على ما يفكر فيه القاضي داخل مكنون نفسه أثناء نظره للدعوى. أما الموضوعي، فيعني أو يتوقف على سير إجراءات المحاكمة بطريقة موضوعية حتى تبعث الطمأنينة في نفوس الناس وتزيل كل شك يدور في روعهم. ألا تعتقدون أن الاستقلالية والحياد عنصران أساسيان في إعادة الثقة وتوسيع صلاحية القاضي؟بكل تأكيد، فالحياد والاستقلالية والتخصص عوامل أساسية لإعادة الثقة إلى القاضي الجنائي وتزيد في صلاحياته، إلا أن كل هذا يتطلب قبل كل شيء قاض رفيع المستوى والكفاءة وذو مسلكية وإخلاص عال ونزاهة، وهذه كلها لا يمكن أن تتحقق إلا في قاض يتصف بالحياد المطلق، ويأكل حتى تشبع بطنه، ويشرب حتى يهنأ، ويذهب للعطل ويسكن في شقة في المستوى وكل ذلك من راتبه الشهري الشرعي، وإذا كان هذا الراتب لا يوفر للقاضي ولأسرته ما ذكر، فلن ننتظر منه الاستقلال ولا الحياد.أجرى الحوار عيسى الكامحي

مذكرات قــــاض : منظومة العدالة مريضة منذ ستة عقود

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب الإلكتروني : للـــــنســـــاء فــــــقــــــــط…

نواميس في قواميس السياسة : دكاكين السياسة... أحزاب مواسم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات