نواميس في قواميس السياسة : دكاكين السياسة… أحزاب مواسم

يعود أول دستور مغربي إلى سنة 1962، وإليه يرجع فتح باب التعددية السياسية وتشكيل الأحزاب للمشاركة في الانتخابات. خيار التعددية، كان منذ البداية، قرارا استراتيجيا للملك الراحل، الحسن الثاني، قطع به الطريق على محاولات بعض الأحزاب الوطنية، حزب الاستقلال ، تحديدا، الهيمنة وفرض نظام الحزب الوحيد، وهو ما يعبر عنه الشعار الذي رفعه الاستقلاليون بداية الاستقلال، "لا حزبية بعد اليوم"، كما نجح الملك الراحل، من خلال ورقة التعددية، في تكوين أحزاب سياسية، ظلت في خدمة القصر إبان مرحلة الصراع بينه وبين الأحزاب الوطنية، ممثلة في المعارضة.في ظل هذه التعددية، ستفسد الحياة الحزبية، وستظهر مجموعة من "الدكاكين السياسية"، في شكل أحزاب صغيرة، تبحث عن دعم الدولة، وتبيع التزكيات للباحثين عن عضوية المجالس البلدية والنيابية، وتظل مقراتها مغلقة، على طول السنة، لا تفتح إلا في فترة الانتخابات، تشريعية كانت أم جماعية. لفظ الدكاكين السياسية، أطلقته أحزاب الحركة الوطنية، إبان وجودها في صفوف المعارضة، وكانت تقصد بذلك الهيآت الحزبية التي لا برنامج ولا وهوية ولا قواعد لها، فقط هي عبارة عن سجل سياسي، مسجل لدى مصالح وزارة الداخلية، تزاوج رموزه الانتخابية بين الحيوانات والناقلات، دون أن يكون لها تأثير في صناعة القرار السياسي."الدكاكين السياسية"، مفهوم متداول داخل الحياة الحزبية، فهو يرمز إلى أحزاب يقتصر دورها على الانتخابات، وإن كانت لا تحقق شيئا من مشاركتها فيها. كما يرمز اللفظ إلى أحزاب عاجزة عن القيام بأدوارها، في تأطير وتكوين المواطنين، طبقا لما ينص عليه الدستور، لأنها لا تملك القواعد الكفيلة بتحقيق هذه المهام، كما أن حضورها في المشهد السياسي موسمي، كما هو الشأن بالنسبة إلى ظروف نشأتها الأولى. ظلت هذه التنظيمات، حبرا على ورق، تستعملها الدولة، من أجل تشتيت الأصوات في بعض الدوائر الانتخابية، وتزيين واجهة الديمقراطية المحلية. الحضور الباهت للأحزاب الدكاكين، يرتبط، في بعض الأحيان، بظروف ميلادها، فبعضها نشأ نتيجة انشقاق حزبي بسبب خلافات شخصية، لا علاقة لها بالاختلاف حول مرجعية أو الخط السياسي للحزب، وبعضها الآخر ناتج عن مبادرات عائلية، لتشكيل أحزاب سياسية تستهوي ذوي النفوذ المالي الباحثين عن نفوذ السلطة.لقد جعلت الدولة من خلق "الدكاكين السياسية"، إستراتيجية تروم من ورائها تحقيق التوازن داخل المشهد السياسي، وهو ما جعلها، في بعض الأحيان، تتدخل لتأسيس الأحزاب، واستقطاب النخب نحوها، ومنحها الرتبة الأولى في الانتخابات، لتدبير الشأن العام. كانت الدولة تستخدم ذلك الأسلوب، في انتظار أن ينضج الموقف السياسي لدى أحزاب المعارضة، وتلين مواقفها من المشاركة في قواعد اللعبة. وبذلك ظل التنظيم الحزبي بمثابة أداة تحركها السلطة، وهو ما خلق وضعا غير مريح داخل بعض الأحزاب، بالنظر إلى تضافر عوامل، ترتبط بظروف التكوين وسياسة التسخير التي اعتمدها الملك الراحل، في علاقته بأحزاب بعينها، ما أفقد هذه التنظيمات استقلالية القرار الحزبي، وهي حالة باتت شبه معممة على الأحزاب السياسية في المغرب اليوم.ومع التطور السياسي الذي يعيشه المغرب، ودخوله منذ مارس 1998، مرحلة الانتقال الديمقراطي، بدأت أحزاب "الدكاكين السياسية"، تفقد بريقها، ولم تعد قادرة على مجاراة التحولات التي تعرفها الحياة الحزبية، ربما لرهانها الكبير على دعم السلطة، وبدا أن هذه "الدكاكين"، ستغلق إلى الأبد، وقد استنفدت دورها، فلا هي ساهمت في تأطير المواطنين، ولا في تكوين جيل من القواعد الحزبية، ولا تؤثر في القرار السياسي، بل وضعها المخاض السياسي الحالي خارج اللعبة. إحسان الحافظي

نواميس في قواميس السياسة : دكاكين السياسة… أحزاب مواسم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مذكرات قــــاض : منظومة العدالة مريضة منذ ستة عقود

عشرون سنة لمتهم بالقتل بخنيفرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات