"حروب" في أحياء الهامش وتلميذ يعتدي بسكين على زميله تعرف العديد من الأسواق الشعبية بفاس، من حين لآخر "حروبا" كلامية وأحداثا دامية، خاصة مع اقتراب موعد الإفطار، إذ تلتهب الأعصاب وتفور لأتفه الأسباب بفضاءات تجارية تتنافس في حجم ومنسوب "الترمضينة"، حسب موقعها، لتزداد حدة بأحياء غارقة في تهميشها وفوضويتها، رغم أنها لم تكن، في أول أسبوعين من الشهر، بحجم سنين مضت. حوادث "الترمضينة" وتجليات العنف اللفظي والجسدي المرافق لها، تختلف بين الأحياء بفاس حسب درجة رقيها أو هامشيتها. وتكاد تغيب في أسواق الأحياء الراقية إلا من حالات نادرة، وتخف تدريجيا إلى أن تحتد بأحياء الهامش بمختلف المقاطعات خاصة تلك المعروفة بانتشار عشوائية البنيان وفوضويتها وانخفاض منسوب وعي المواطن. الأجواء عادية في سويقة الإمام علي بالمدينة الجديدة، قبل مدة قصيرة من موعد الإفطار. تجار مصطفون خلف بضاعتهم في انتظار زبناء قل عددهم. قلما تسمع صوتا، إلا من مساومة خضر وفواكه، أو طلب كمية منها. الهدوء عنوان لواقع يومي بفضاء قريب من تجمعات، يتخذه سكانها وجهة للتبضع، وقليلا ما يحدث سوء تفاهم به. يبدو جيران السوق أوفر حظا، على الأقل فهم مرتاحو البال بعيدا عن ضوضاء إشهار البضاعة وملاسنات ومظاهر الفوضى بمواقع أخرى غير بعيدة، خاصة بشارعي للامريم ومحمد الخامس، إذ ما زال باعة جائلون "يستأسدون" بملك عام يحتاج من يحميه منهم وأصحاب محلات أحيانا يصطدمون فيما بينهم بسبب المصالح. بشارع محمد الخامس، يشهر بائع بضاعته بصوت مرتفع يزعج المارة، وحتى بعض زبنائه المتجمعين حول مكان يستغله. وقد يتغير يوميا وحتى بين ساعة وأخرى. صخب لا ينتهي في رمضان وغيره من الشهور. البائع يتبادل الأدوار مع شريكه. يصيح أحدهم ليتكلف الآخر بتلبية الطلبات والتفاوض حول الثمن. صوت كليهما مزعج. "خذيها ولا حطيها، بلا ما تبقاي تحلي وتسدي البياسة"، عبارات لا تخلو من عنف لفظي، نطقها أحدهما ردا على تفحص زبونة جودة بضاعته. تصرف لم يرضها فردت عليه بحدة مماثلة، قائلة "مالي شفتني كنسعاك، غادي نعطيك فلوسي"، فيتدخل زوجها ليرتفع منسوب التراشق بالكلمات و"يسخن الطرح" الذي لم تخمد ناره. يغادر الزوجان غاضبين، ويعود الصخب لسابق عهده، وتستمر الجولة في اتجاه السوق المركزي حيث الأجواء أكثر هدوءا. تجاره أرقى في تعاملهم ونادرا ما يصطدم أحدهم بزبون، عكس ما يقع بشارع للامريم حيث لا فوضى أكبر من فوضاه، ممرات "مخنوقة" بسلع لم تترك في الرصيف مكانا للمرور، صياح واستفزاز وتحرش واستهتار. كل مظاهر الفوضى والتسيب، موجودة بهذا الشارع الأكثر احتضانا لصور "الترمضينة" و"قلة التربية"، كما في مواقع أخرى لم تتخلص من باعتها الجائلين الذين استوطنوا الأرصفة بلا رادع وفي غياب مبادرات إعادة التثبيت في أسواق، على غرار تجارب أحياء الأدارسة والليدو والأطلس وعوينات الحجاج ومونفلوري والنرجس. حميد الأبيض (فاس) فوران الأعصاب يلاحظ عبد الحميد، نادل مقهى، أن صور "الترمضينة" قلت هذه السنة بمختلف الأسواق، إلا من حالات معدودة لا تتجاوز استعمال العنف اللفظي والتدافع، فيما لم تتداول أي حوادث عنف وضرب وجرح إلا في حالة تلميذ "مرمضن" اعتدى بسكين على زميله بمؤسسة تعليمية في حي "عرصة الزيتون". أول صور فوران الأعصاب في يوم رمضاني، عاينتها "الصباح" بحديقة بحي بمقاطعة المرينيين غير بعيد عن سوق شعبي، لمسنين اجتمعوا للعب الورق وكاد تنافسهم أن يؤدي لما لا تحمد عقباه، بعدما أطلق اثنان منهم العنان للسانيهما منتقين من قاموس "الزنقة" ما انحط من كلمات نابية، قبل تدخل زملائهما للصلح بينهما. ولوحظ في الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، ضعف في عدد حالات "الترمضينة" بشوارع مختلف أحياء فاس، وليس فقط في أسواقها الشعبية التي "تبدو أكثر هدوءا" و"لم تشهد ضربا ولا جرحا ولا استعمالا لأسلحة بيضاء" وضع يتمنى الجميع استمراره وأن لا يكون مجرد "هدوء يسبق عاصفة فوران الأعصاب في أواخر الشهر".