افتحاص مشترك للداخلية والمالية يرصد سقطات في صفقات بالملايير من ميزانية الجهة لم يقتنع أعضاء لجنة مشتركة من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية، بالردود المقدمة من قبل مجلس الجهة الشرقية، بخصوص تقرير عن العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة سنتي 2017 و2018، كشف خروقات شابت صفقات بالملايير. وعدد التقرير المذكور سقطات عديدة، أخطرها ما شاب مساطر صفقات كبرى، من قبيل عدم مراسلة المتنافسين الذين قدموا العروض الأقل ثمنا، من أجل تبرير الأثمان المنخفضة المبالغ فيها، خرقا لمقتضيات الفقرة 3 من المادة 41 للمرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، والامتناع عن إخبار المتنافسين المقصيين بواسطة رسائل مضمونة مع إشعار بالتوصل، كما تنص على ذلك المادة 44 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية. واستغرب أعضاء اللجنة المذكورة تغاضي الجهة عن ضرورة إدلاء الفائزين بالصفقات بكافة الشهادات المفروضة، من قبل القوانين الجاري بها العمل مثل اكتتاب عقود التأمين، مسجلة أن العقود المدلى بها لا تغطي مدة الإنجاز، أو تم تقديمها بعد الشروع في الأشغال، إضافة إلى عدم تعيين تقنيين مكلفين بتتبع أشغال مشاريع الجهة. وشملت الملاحظات السلبية للتقرير إصدار أوامر بوقف أشغال صفقات بتبريرات غير مقنعة، يبدو أن الغرض منها تدارك سوء تقدير صاحب المشروع، وعدم جودة الدراسات، إضافة إلى غياب التنسيق مع الشركاء، ما تسبب في تأخر كبير في إنجازها. وحتى المشاريع المنجزة تواجه مصير الموت البطيء، في ظل غياب أشغال الصيانة وضعف التتبع، من قبل مكتب الدراسات الذي كلفته الجهة بذلك، إذ سجلت ملاحظات اللجنة المشتركة غياب ممثلين عنه في مجموعة من اجتماعات الورشات، وعدم قيامهم بالتدقيقات المفروضة في الصفقات، التي يتجاوز مبلغها ثلاثة ملايين درهم، بالإضافة إلى غیاب رسائل الاستشارة، بالنسبة إلى جل العقود المبرمة، أو تلك الخاصة ببعض سندات طلب العلامات التجارية، خرقا لمقتضيات المادة 5 من مرسوم الصفقات العمومية. إنجاز: ياسين قطيب وأحمد الأرقام كشف التقرير، بخصوص الإمدادات والإعانات التي قدمتها جهة الشرق للجمعيات، والتعاونيات، أنها لم تعمل على إبرام اتفاقيات مع الجمعيات المستفيدة، ما يعد تجاوزا للقانون، أما في ما يتعلق بمبالغ المنح، فقد أكد التقرير أنه تم تحديدها في غياب معايير موضوعية مكتوبة أو منصوص عليها في محاضر المجلس أو أي وثيقة رسمية، وأن معظم الجمعيات استفادت من دعم سنوي دون تقييم للمشاريع المنجزة سابقا، ويكون قائما على أساس جدوى المشروع وفعاليته، مسجلا عدم قيام المصالح المختصة لمجلس الجهة بمراقبة كل العمليات الإدارية والمالية المتعلقة بتنفيذ مشروع الاتفاق من قبل التعاونيات. وخلصت لجان تدقيق العمليات المالية والمحاسبية للجماعات، تابعة للمصالح المركزية في الإدارة الترابية، إلى وجود قنوات ريع بالملايير يتحكم فيها الرؤساء بواسطة شراكة وهمية لتوزيع المال العام على شبكات الأتباع والكتائب الانتخابية. وسجلت المصالح المذكورة في وثيقة توصلت "الصباح" بنسخة منها انفراد بعض الرؤساء بإصدار قرارات تحديد مبالغ المنح، في غياب أي معيار، وبعيدا عن مداولات المجالس، علما أن صلاحيات توزيع المساعدات والدعم لفائدة الجمعيات تدخل في إطار الاختصاصات الممنوحة حصرا للمجالس ككل، كما هو منصوص عليه في المادة 92 من القانون التنظيمي رقم 113.14، محذرا من الخطر الذي يهدد المال العام، بالنظر إلى الإعانات المالية المقدمة للجمعيات، التي تشكل جزءا مهما من المصاريف التي تؤديها الجماعات. ممتلكات غير مسجلة كشف التقرير نفسه عدم مسك سجل للأملاك العامة لمجلس الجهة، كما أن سجل الممتلكات الخاصة الممسوك من قبل مصالح الجهة، غير مؤشر عليه. وأكد التقرير عدم توفر الجهة على أي برنامج معلوماتي جغرافي يمكنها من تسهيل عملية تتبع تدبير أملاكها خاصة مع ارتفاع وتيرة الاستثمارات التي تقوم بها الجهة في إطار برنامجها الجهوي للتنمية. وأشار التقرير إلى عدم تسوية الوضعية القانونية للمقر الحالي لمجلس الجهة، إذ أن العقار الذي شيد عليه مقر الجهة مازال في ملكية جماعة وجدة. وتضمنت التقارير اختلالات خطيرة في تدبير مجال محاسبة المواد والقيم والسندات، من قبيل عدم تعيين موظفين جماعيين للإشراف على جرد التجهيزات وأدوات المكاتب والطباعة والسيارات المملوكة للجماعات، وهي الوضعية التي صعبت مأمورية الافتحاص، إذ استحال على لجان التدقيق مراقبة وتتبع جميع التجهيزات المقتناة من إحداث الجماعات المستهدفة، بالإضافة إلى قصور في تدبير الموارد والتوريدات، ما فتح الباب أمام تلاعبات في كميات كبيرة من مواد البناء على الخصوص، من قبيل الإسمنت والزليج والجير والحديد والمعدات الكهربائية. اختلالات في المداخيل أفضى التفتيش إلى تسجيل عدم احترام مبدأ الفصل بين المهام المتنافية على مستوى شساعة المداخيل، إذ تم الجمع بين مهمتي تحديد الوعاء الضريبي والمراقبة. وسجل التقرير عدم توفر برنامج معلوماتي مندمج من أجل تدبير المداخيل الذي يتم عن طريق جداول وتطبيقات ببرنامج "اكسيل". كما لم يتم تحديد نوع النشاط الممارس من قبل بعض الملزمين. ولوحظ عدم تضمين بعض الإقرارات لمعطيات أساسية لعملية التضريب، من بينها رقم التعريف الجبائي أو السجل التجاري، إضافة إلى عدم مراقبة الإقرارات بالصرامة المطلوبة وعدم اتخاذ الإجراءات التقويمية اللازمة في شأنها، و التأخر في تطبيق مسطرة فرض الرسم بصورة تلقائية على بعض الملزمين الذين لم يدلوا بإقراراتهم. وشملت التلاعبات المرصودة من قبل المفتشية العامة للداخلية تقديرات الرسوم الجبائية وطرق استخلاصها، إذ لوحظ استعمال وصولات لا يتم إدراجها في السجلات، في ظل غياب أي نوع من الرقمنة الإدارية، كما استفاد عدد من الأعيان والنافذين والمنتخبين من إعفاءات ضريبية مشبوهة بخصوص الأراضي العارية، أو تم تقديرها بأقل من ثمنها. وورطت تقارير المجلس الأعلى للحسابات رؤساء في مستنقع تلاعبات في استخلاص جبايات محلية، وتبت النيابة العامة في شكايات تفضح جرائم غدر ضريبي وتلاعبات في مداخيل الجماعات، وأحيلت عدة ملفات على قضاة التحقيق المكلفين بجرائم الأموال. مشاريع بلا رقيب كشف التقرير تأخر مجلس الجهة في تحويل دفعات التسيير والتجهيز لفائدة الوكالة الجهوية برسم 2018، إذ رصد عدم قيام لجنة الإشراف والمراقبة بإحداث لجنة التدقيق واللجنة الإستراتيجية للاستثمار، استنادا لتوجيهات الميثاق المغربي لحكامة المؤسسات والمنشآت العامة. ووقفت لجنة التدقيق على استمرار مصلحة الصفقات بمجلس الجهة في السهر على الإعلان عن مجموعة من طلبات العروض بالنسبة إلى صفقات الأشغال، استنادا للبرنامج التوقعي برسم 2019 رغم إحداث وكالة تنفيذ المشاريع الجهوية، التي لم تتمكن من إعداد مؤشرات لتقييم نجاعة تدخلها وقيادة الأشغال وفقا للأهداف التي يجب تسطيرها مسبقا وعدم توفرها على نظام معلوماتي يمكنها من تتبع ومراقبة دقيقة لإنجاز المشاريع. ويفترض أن تلعب الوكالة دور محصن المشاريع بالسهر على تنفيذ الأوراش والمساهمة في الرفع من وتيرة الاستثمار العمومي، وكذلك الاضطلاع بصلاحيات من قبيل مد مجلس الجهة بكل أشكال المساعدة القانونية والهندسية والتقنية والمالية عند دراسة المشاريع وبرامج التنمية، وتنفيذ مشاريع وبرامج، وإنجاز الدراسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والهيكلية الممولة من قبل المجلس طبقا لمشروع برنامج التنمية الجهوية. وحرمت الجهة الشرقية من بنك معلومات حول القطاعات الحيوية، كما لم تتمكن من جمع الخبرات السابقة في مجال المشاريع الكبرى، على اعتبار أن الوكالة تشارك في تتبع الدراسات والمشاريع المهيكلة وتساهم في إعداد عقدة البرنامج. خلل البنية التنظيمية أوضح التقرير عدم تفعيل مجموعة من المصالح الواردة بالهيكل التنظيمي المصادق عليه من قبل مجلس الجهة بتاريخ 4 أكتوبر 2016، مؤكدا غياب وظيفة مراقبة التسيير وعدم تعيين خلية أو تكليف مصلحة معينة بالسهر على التتبع الدقيق لتنزيل البرامج والمشاريع الواردة ببرنامج التنمية الجهوية، وإعداد أدوات العمل الخاصة بذلك من قبيل جداول القيادة. وعلاقة بالمكلفين بمهام في الجهة الذين تعاقدت معهم، أبرز التقرير أن المهام الفعلية الموكلة لبعض المكلفين بمهام لا تتماشى مع تلك المحددة بقرار تعيينهم. ورصد التقرير تأخرا في إعداد وإرسال برنامج التنمية الجهوية إلى وزارة الداخلية، إذ لم تتم إحالته عليها إلا بتاريخ 2 مارس 2018، بعد أكثر من 5 أشهر من المصادقة عليه. أشار إلى عدم إعداد التقرير السنوي لتقييم تنفيذ برنامج التنمية الجهوية من قبل مصالح الجهة، في غياب منظومة لتتبع المشاريع والبرامج المدرجة في البرنامج المذكور، تحدد فيها الأهداف المراد بلوغها خاصة بكل مشروع ومؤشرات الفعالية المرقمة المتعلقة بها، و عدم إعداد ميزانية الجهة على أساس برمجة تمتد على مدى 3 سنوات لمجموع مواردها وتكاليفها. المجلس: اختلالات تم تصحيحها رفض عبد النبي بعيوي، رئيس الجهة الشرقية، الرد على خلاصات تقرير المفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية، بخصوص تدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة برسم 2017 و2018. وقال رئيس الجهة الشرقية لـ "الصباح"، "الصحافة من حقها أن تكتب ما تريد، وأنا لا أدخل في سجال معها". ونفى مصدر في مكتب مجلس الجهة نفسها، كان يتحدث إلى "الصباح"، أن تكون المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية قد أصدرت تقريرا "أسود" يهم صفقات الجهة. وقال المصدر نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه "عندما توجد تقارير سوداء، تنطق بخروقات، المفروض أن تحال على محاكم جرائم الأموال، والحال أن ذلك لم يحصل مع التقرير نفسه، الذي يعود إلى 2017، وإلا لماذا تأخر كل هذه المدة". وأضاف المصدر نفسه، " لا يوجد لا تقرير أسود ولا أحمر، وأن كل ما صدر، هو فقط ملاحظات تهم جميع المؤسسات المنتخبة، التي تخضع من حين لآخر إلى عمليات افتحاص وتفتيش روتيني، ينتج عنه صدور تقارير، تتضمن بعض الاختلالات التي يتم تصحيحها". وأكد المصدر نفسه، أن "جميع المجالس الجهوية المنتشرة على طول خريطة الوطن، خضعت إلى التفتيش نفسه، وتوصلت بملاحظات وأجابت عنها، دون ضجيج، باستثناء الجهة الشرقية، التي تسعى جهات من داخل المجلس إلى تصفية حسابات سياسية معها، بالترويج لتقارير مرت عليها سنوات وشهور". وقال المصدر نفسه، إن "التقارير التي تتضمن شبهات فساد وخروقات، هي التي ترفع إلى جهات عليا، ثم تتم إحالتها على الجهات القضائية لاتخاذ المتعين بشأنها، أما والحال غير ذلك، فإن التقرير الذي تم تسريبه، لا يتضمن سوى ملاحظات عادية، ولا يوجد فيه ما يحيل على أن مدبري شأن الجهة، وقعوا في شرك شبهات فساد". وبعيدا عن تفسيرات المصدر نفسه، سجلت لجنة التفتيش المشتركة عدم مراسلة المتنافسين، الذين قدموا العروض الأقل ثمنا على مستوى بعض الصفقات، من أجل تبرير الأثمان المنخفضة، أو المرتفعة بشكل مفرط، خلافا للفقرة 3 من المادة 41 للمرسوم، المتعلق بالصفقات العمومية، وكذلك عدم إخبار صاحب المشروع المتنافسين، الذين تم إقصاؤهم برفض عروضهم بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، كما تنص على ذلك المادة 44 من المرسوم، المتعلق بالصفقات العمومية. ورصدت اللجنة في تقريرها النهائي، الذي أنجز نحو ست سنوات، عدم قيام نائلي بعض الصفقات بالإدلاء بكافة شهادات اكتتاب عقود التأمين، كما لوحظ أنه في بعض الحالات لا تغطي عقود التأمين المدلى بها فترة الأشغال، أو يتم تقديمها بعد الشروع في الأشغال، وعدم تعيين التقني المكلف بتتبع إنجاز أشغال مشاريع الجهة وإصدار أوامر بوقف الأشغال، بالنسبة إلى بعض الصفقات، بناء على تبريرات غير مقنعة، حيث إن هذه التبريرات المقدمة تبقى غير مقبولة وتهدف إما إلى تدارك سوء تقدير صاحب المشروع، أو عدم جودة الدراسات، أو عدم التنسيق القبلي مع الشركاء، مما تسبب في تأخر كبير في إنجازها. ووقفت اللجنة المشتركة على مجموعة من الاختلالات، من بينها عدم إشراك بعض الشركاء في إعداد الدراسات قبل إبرام الصفقة والشروع في تنفيذها، واستحالة التأكد من تحقيق الأهداف المتوخاة من إنجاز مختلف المشاريع لعدم تحديد هذه الأهداف مسبقا. عبد الله الكوزي