ارتفاع الأسعار… جشع المضاربين

الوساطة و"الجريحة" والجفاف والتصدير ترفع أثمنة الخضر والفواكه إلى مستويات غير مسبوقة خرجت أسعار المواد الغذائية عن السيطرة في المغرب، خاصة الخضر والفواكه، التي تضاعف سعر جل أنواعها، ما أصبح يهدد السلم الاجتماعي، لكن بالمقابل هناك الكثير من المغالطات تروج حول الموضوع، وبدأ البعض يخون الفلاحين، ويتهمهم بتهريب خيرات البلاد إلى بلدان إفريقية وأوربية، لكن النظرة الموضوعية والميدانية، توضح معطيات أخرى لا يتم التطرق إليها في موضوع الأسعار. إنجاز: عصام الناصيري - تصوير/(أحمد جرفي) الحديث عن أسعار الخضر والفواكه، يقودنا إلى زيارة سوقها للجملة بالبيضاء، باعتباره الشريان الرئيسي، الذي يغذي أغلب سكان المملكة، إذ يدخله من السلع أكثر من نصف الانتاج الوطني، ويعاد توزيعه على الجهات والمدن عبر التجار والوسطاء. الوسطاء يلهبون الأسعار المثير للاستغراب في أزمة أسعار الخضر والفواكه، هو وجود فارق صارخ بين أسعارها في سوق الجملة وعند البائع بالتقسيط، سواء في الأسواق الشعبية أو المحلات الصغرى والكبرى، إذ يرتفع السعر بمائة بالمائة أو أكثر في بعض المواد، في حين يرتفع سعر أنواع أخرى بنسبة تتراوح ما بين 60 في المائة و80، وهو أمر يصعب استيعابه، إذ ما الذي يجعل السعر يتضاعف بمجرد مغادرة باب سوق الجملة؟. المعطى الذي يغيب عن المستهلكين، هو أن الرابح الوحيد في بيع المواد الغذائية، هم الوسطاء وتجار التقسيط، أما تجار الجملة والفلاحون فهامش ربحهم لا يتغير، ويبقى دائما في حدود معقولة، بل يخافون ارتفاع الأسعار، لأن تجارتهم تبور أحيانا، عندما تفوق قدرة المستهلكين الشرائية. ويتساءل البعض عن هوية الوسطاء، وكيف يتحكمون في الأسعار، وهو ما سيقودنا إلى سرد مسار السلع، والمراحل التي تمر منها، قبل أن تصل إلى المستهلك. في المغرب هناك نوعيتان من الفلاحين، النوع الأول يفضل بيع منتوجه في الضيعة، إذ يستقبل تجار الجملة، ويتفقون على ثمن يراعي كلفة الانتاج، وغالبا ما لا يتراوح هامش الربح الصافي لفلاح عن كل كيلوغرام، ما بين 20 سنتيما و50 في أحسن الأحوال، الأمر نفسه بالنسبة إلى تاجر الجملة، الذي يوصل السلعة إلى سوق الجملة، ويبيعها بدوره بهامش ربح لا يتجاوز أحيانا 50 سنتيما للكيلوغرام الواحد، باحتساب مصاريف النقل من محروقات وغيرها. وأما النوع الثاني، فيفضل أن يشرف بنفسه على بيع سلعته، إذ ينقلها من ضيعته إلى سوق الجملة، ويبيعها بدوره بهامش ربح صغير، لأنه يبيع كميات كبيرة، وبالتالي فإنه يؤمن هامش ربح جيد، لكنه ليس فاحشا، فإذا كانت الطماطم على سبيل المثال تباع في الضيعة بـ 7.5 دراهم، فإن السعر في سوق الجملة لا يتعدى 8 دراهم أو 8.5 في أحسن الاحوال، لكن بمجرد خروجها من سوق الجملة، يصبح سعرها 13 درهما أو أكثر حسب الجودة، وهو ما يبين جشع الوسطاء. ويعتبر الوسطاء الرابح الأكبر في هذه السلسلة، إذ أن الفلاح الذي يشتغل طيلة السنة، يكتفي بهامش ربح لا يتجاوز 50 سنتيما للكيلوغرام، الأمر نفسه بالنسبة إلى تاجر الجملة، لكن الوسيط يربح عن كل كيلوغرام ما بين 3 دراهم إلى 5 ، وكل ما يقوم به أنه يذهب إلى سوق الجملة صباحا لاقتناء السلع، وينقلها من سيدي عثمان إلى باقي مقاطعات البيضاء، ويجيز لنفسه زيادة تصل أحيانا إلى مائة في المائة. أسباب الغلاء هناك عوامل كثيرة أثرت على أسعار الخضر والفواكه، ويمكن إجمالها في ارتفاع كلفة الإنتاج، نتيجة غلاء البذور والأسمدة، إضافة إلى توالي سنوات الجفاف وتقليص المساحات المزروعة، ناهيك عن الظروف المناخية من قبيل "الجريحة" التي تسقط أزهار المزروعات، التي تعطي الثمار، وأخيرا سعي بعض الفلاحين إلى تعويض خسائرهم، وتوجيه جزء من المنتوج إلى الأسواق الأوربية والإفريقية. يقول عبد الكبير معيدن، وهو تاجر بسوق الجملة للبيضاء، "من المعلوم أن هذه الأشهر الباردة التي تمتد ما بين يناير وأبريل، ترتفع فيها أسعار الخضر والفواكه، وتبدأ في التراجع في ماي، والسبب أن هناك عوامل مناخية وأخرى اقتصادية مرتبطة بغلاء أسعار المواد الأولية والبذور والأسمدة"، مضيفا أن تعاقب سنوات الجفاف أثر على الفرشة المائية، ما أدى إلى تقليص المساحات المزورعة، ما يعني نقصا في الإنتاج. وأضاف الكاتب العام لجمعية سوق الجملة للخضر والفواكه بالبيضاء، أن الظروف المناخية، من قبيل "الجريحة" تؤثر على "النوارة"، مبرزا أن النقص في الإنتاج قابله ضغط التصدير، مشيرا إلى أن هذه الفترة من السنة، تعتبر أكادير ونواحيها المنطقة الوحيدة التي تأتي منها السلع، وبما أن لدينا مزودا وحيدا فإن الإنتاج يقل وتصبح له قيمة. وأوضح التاجر بالجملة، أن البعض يعتقد أننا نجلب السلع بسعر رخيص ونعيد بيعها بأسعار مرتفعة، لكن الحقيقة أن السلع مرتفعة أثمانها في الضيعة، فالطماطم على سبيل المثال يتراوح سعرها عند الفلاح ما بين 8.5 دراهم و9، والسعر ذاته تباع به في سوق الجملة، لكن خارج السوق هناك سعر آخر. بالنسبة إلى الفلاح هذا السعر مناسب له، خاصة أن المنتوج قليل، وهناك منافسون من أوربا وإفريقيا، يقتنون بهذا السعر لأن القدرة الشرائية للمواطن الأوربي، يمكن أن تتحمل هذا السعر عكس المغاربة، وهي فرصة يعوض فيها الفلاح بدوره بعض الخسائر والمصاريف التي تراكمت عليه طيلة الفترة الماضية. لعنة تحرير الأسعار يقول عبد الرزاق الشابي، رئيس جمعية سوق الجملة بالبيضاء، "بالنسبة إلى بوليميك الأسعار، فهناك ارتفاع في مجموعة مهمة من السلع، لكن رغم هذا الارتفاع فإن الأسعار داخل سوق الجملة، لا تعكس الأسعار خارجه، لأن أثمنة السلع عند الباعة بالتقسيط مبالغ فيها، وهناك غلاء فاحش". وأوضح الشابي، أن هذا الإشكال بدأ منذ تشريع قانون حرية الأسعار، وإلغاء الأقسام الاقتصادية داخل العمالات، الذي كان يراقب الجودة في الأسواق والأسعار وحالات الغش، وكان معمولا بنظام الحسبة، إضافة إلى أن أعوان هذا القسم هم من يحددون هامش الربح للبائع بالتقسيط، ومع الأسف تم إلغاء كل هذه العمليات، حسب قول الشابي. وتابع حديثه مع "الصباح"، قائلا "بكل صراحة يجب إعادة النظر في قانون حرية الأسعار، ووجب تسقيف أسعار بعض المواد الأساسية مثل البطاطس والبصل والطماطم، لأن هذه السلع أساسية عند كل مغربي، ولا يجب التلاعب بها". وأوضح الشابي، أن هناك إشكالا كبيرا، يتعلق بتدفق السلع المغربية نحو الأسواق الأوربية والإفريقية، ما سبب نزيفا كبيرا، مشيرا إلى أنه بالعودة شهرين إلى الوراء، كان سعر الطماطم هو درهم ونصف درهم فقط، لكن لا أحد فكر في الفلاح، الذي عانى طيلة هذه الفترة بسبب قلة المياه وغلاء المواد الأولية، وبالتالي فهو يبحث عن متنفس لتعويض خسائره، ووجد ضالته في الأسواق الأوربية، وتمكن من تعويض صوائره وخسائره وحقق هامش ربح معقولا. وتحدث الشابي، عن إجراء يتم تفعيله بتنسيق مع العمالة وإدارة السوق، يتمثل في ضبط توقيت دخول السلع إلى السوق، إذ هناك مجموعة من المضاربين، الذين يشتغلون في الفترة ما بين منتصف الليل والثالثة صباحا، ما يؤثر على سعر السلع، و"نحن نتصدى لهذه التجاوزات"، حسب قوله. وتابع الشابي، أنه لا يمكن لأي مسؤول أن يفرض على التاجر بالتقسيط ثمنا معينا، إذ يبيع سلعته بالثمن الذي يريد، لأن السوق حرة، مشيرا إلى أن هناك إمكانية أن يتوجه الناس إلى سوق الجملة مباشرة، ويقتنوا سلعهم بأسعار معقولة. مفارقة عجيبة يمكن إدراك إشكالية الوسطاء، ومدى تسببهم في هذه الأزمة التي تهدد السلم الاجتماعي، بالتنقل إلى سوق الجملة، أو تصفح لائحة أسعار البيع بالجملة التي تصدر عن أسواق الجملة، لمعرفة حقيقة الوضع. وحسب لائحة الأسعار الصادرة في 8 فبراير الجاري، يتضح أن سعر البصل يتراوح ما بين 3 دراهم و6، حسب الجودة، لكن خارج السوق يتراوح ما بين 8 دراهم و11درهما، الأمر نفسه بالنسبة إلى البطاطس التي يتراوح سعرها ما بين 4 دراهم و6.5، لكن خارج السوق تباع بأزيد من 9 دراهم، ويصل سعر أجود أنواع الطماطم داخل السوق إلى 9 دراهم، لكنها تباع بأزيد من 12 درهما في أسواق التقسيط. ويتضح جليا أن هناك مفارقة عجيبة في أسعار السلع، فلو ألغي الوسطاء، سينخفض سعر السلع بنسب تتراوح ما بين 50 في المائة إلى 100 في المائة، لكن الدولة تتجاهل الوسطاء لأن أغلبهم بدون تكوين، ولا يملكون أي مهارات أو معارف، وبعضهم من ذوي السوابق القضائية، وبالتالي تتقي شرهم، لكن هذا الأمر أصبح غير مقبول، لأنه يهدد السلم الاجتماعي. الحكومة ترفع يدها قبل سنوات أقرت الحكومة قانون تحرير الأسعار، وأنشئ قانون المنافسة، لمحاربة تواطؤ التجار الذين يرفعون الأسعار، لتبقى السوق حرة ويتحكم فيها مبدأ العرض والطلب، وبالتالي فمطالبة الحكومة بالتدخل لخفض الأسعار غير قانونية، لأن هذا الاختيار ذهبت فيه الحكومة منذ سنوات، وصادق عليه البرلمان، ولا يمكن العودة إلى الوراء. هذا الاختيار الذي قامت به الدولة، يثير النقاش كلما كانت هناك ندرة في المنتوج، وصعوبة في الوصول إليه، ومعلوم أن أي سلعة مفقودة يتضاعف سعرها، نظرا لزيادة الطلب عليها، وبالمقابل عندما تتوفر السلع بوفرة ينخفض السعر إلى مستويات متدنية جدا، ويتكبد المنتجون خسائر بالجملة، كما هو الأمر في قطاع الدواجن والخضر والفواكه وغيرها من السلع. وعلى المواطنين فهم طبيعة السوق، والاختيارات التي صادق عليها ممثلو البرلمان، الذين انتخبهم المواطنون، إذ هناك من يعتقد أن الحكومة هي التي تتحكم في الأسعار، وكلها مغالطات يروج لها من قبل خصوم سياسيين وصناع الرأي، رغم معرفتهم بواقع الأمور، لكن البعض يحاول استغلال الأزمة لتصفية حسابات سياسية معينة. وما يعاب على الحكومة أنها لا تتواصل مع المواطنين، ولا تملأ الفراغ الذي يستغله بعض المغرضين، والذين يحورون النقاش، كما أن الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية، عليها أن تصل إلى حل مع كثرة الوسطاء، إذ من غير المعقول أن يكون سعر الطماطم على سبيل المثال 8.5 دراهم في سوق الجملة، وخارج السوق يعيد الوسطاء بيعها بـ 13 درهما، وهو هامش ربح فاحش، والأدهى أن الوسيط يربح أكثر من الفلاح الذي يرعى منتوجاته طيلة السنة.

ارتفاع الأسعار… جشع المضاربين

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوشــم ... مضاعفـات ومخاطـر

بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع

مقالات ذات صلة