تفاصيـل اتفـاق إصـلاح الجامعـة

عقد أخلاقي قانوني يوضح التزامات الأطراف في سبيل الجودة والفعالية والإنصاف خضع الاتفاق الموقع بين الحكومة والنقابة الوطنية للتعليم العالي، لمنطق المحاور الكبرى للإصلاح المراد إنجازه في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، خاصة في ما يتعلق بوضع أسس استعادة هيبة الجامعة المغربية وتأهيلها كي تكون شريكا لا غِنى عنه، في صناعة وأجرأة السياسات والبرامج التنموية، الوطنية منها والجهوية. وكشفت مصادر "الصباح" أن تحسين الوضعية المادية للأساتذة الباحثين لم يكن هدفا في حد ذاته بل وسيلة لتشجيع الباحثين المغاربة على مضاعفة جهودهم من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية التي تشهدها الجامعة المغربية، سواء على مستوى الرأسمال البشري أو آليات الحكامة، وأن زيادة الأجور تندرج في سياق تعاقدي يحدد، بوضوح، الالتزامات التي يتوجب على كل طرف أن يفي بها، كي تتمكن الدولة من إعادة هيكلة الجامعات وفق التحولات المتسارعة التي تعرفها طرائق وتقنيات التدريس والبحث وكذا التحديات المتجددة التي يطرحها الانسجام بين العرض التكويني والاحتياجات التنموية. وتأسس الاتفاق على مجموعة التزامات دقيقة تتوزع على ثلاثة محاور رئيسة هي مراجعة شاملة للإطار التشريعي المنظم للتعليم العالي، واعتماد نظام بيداغوجي عصري، وتثمين الرأسمال البشري. مراجعة الإطار التشريعي قامت الوزارة بتحضير مشروع قانون يتضمن مراجعة شاملة للقانون الجاري به العمل حاليا، اعتبارا منها بأن الإصلاحات الجزئية أو الظرفية لم تعد مجدِية، وشهدت جلسات الحوار الاجتماعي، مناقشة الأسس الكبرى لهذا المشروع مع الشركاء الاجتماعيين، في انتظار الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه، ثم عرضه عليهم مجددا، من أجل التوصل إلى صيغة متفق بشأنها. وتقدم الوزارة الوصية المشروع المذكور على أنه وسيلة للارتقاء بحكامة الجامعات، وعصرنة تدبيرها، مسجلة أنه يعتمد على تنويع العرض التعليمي، وتيسير الولوج إليه، فضلا عن تثمين القدرات البيداغوجية والبحثية للمنظومة الوطنية للتعليم العالي، عبر تجديد أدوات اشتغالها وتبسيط مساطر تمويلها وملاءمتها مع المعايير والممارسات الفضلى المتعارف عليها دوليا. وشدد الاتفاق الذي جرى توقيعه بين الحكومة والنقابة، على ضرورة إحداث تحول بنيوي في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، من أجل تعزيز استقلالية الجامعات في إطار عقود-برامج تجمعها مع الدولة، تحدد فيها، بدقة، التزامات الطرفين والأهداف المراد بلوغها، مع الحرص، طبعا، على تفعيل المبادئ الدستورية المتعلقة بالمواكبة والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويرمي الإطار التشريعي الجديد إلى تعميق تجذر الجامعة الترابي من خلال تعزيز آليات الشراكة والتعاون وتعاضد الوسائل بينها وبين كافة الفاعلين الترابيين، وخاصة الجهات، وتعزيز انتمائها الوطني باعتبارها النواة الصلبة للمرفق العمومي للتعليم العالي، وانفتاحها على المحيط القاري والدولي. نظام بيداغوجي عصري أعدت الوزارة، من خلال رصد الانتظارات والحاجيات المعبر عنها خلال المناظرات التشاورية، نظاما بيداغوجيا جديدا، يهدف إلى تعزيز القدرات المعرفية للطالب مع تمكينه من مهارات عرضانية، تهم على الخصوص الكفايات اللغوية والرقمية والتواصلية، وذلك من أجل إكسابه قيم المواطنة وتأهيله لاندماج أكثر سهولة ويسرا في المحيط السوسيو-اقتصادي. وتضمنت الخطة الجديدة إرساء الشروط الضرورية، خصوصا ما يتصل منها بالموارد المالية والبشرية واللوجستيكية، لتكوين جيل جديد من حملة الدكتوراه، مزود بالكفايات والمهارات اللازمة لتحضير مشاريع بحثية تستجيب للمعايير الدولية، وقادر على إعداد الخَلَف، خصوصا أن عددا هائلا من الأساتذة الباحثين مقبلون على التقاعد، على اعتبار أن المحيط السوسيو-اقتصادي، أصبح يعرف تحولات متسارعة، جهويا ووطنيا وقاريا ودوليا، ما جعل مهنا تتلاشى وتحل محلها مهن أخرى، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة التعاقد، وفق برامج بحثية تطبيقية، بين الجامعة والمقاولة، في ظل مناخ مطبوع بالتنافس الشديد، الذي يطرح تحديات ثقيلة أمام نسيجنا الجامعي الوطني، تتعلق بالجودة والاستدامة والفعالية، وهو ما يتوجب معه اعتماد نظام بيداغوجي جديد، قادر على التكيف المستمر مع انتظارات شركاء الجامعة دولة وجماعات ترابية وقطاع خاص ومستثمرين ومنظمات دولية ويستثمر في ما يزخر به المغرب من طاقات شابة تتوق إلى مستقبل أفضل، وفي سبيل ذلك، من الضروري أن تحظى بالمواكبة التكوينية والتوجيه والإرشاد، وهي مهام مصيرية لابد للجامعة أن تنخرط فيها وتساهم في تحقيقها، بما يستجيب لتطلعات الشباب المغربي. تثمين الرأسمال البشري تأسست خطة الوزارة على اتخاذ تدابير عملية تروم رد الاعتبار لمهنة الأستاذ-الباحث وتعزيز جاذبيتها من خلال بلورة نظام أساسي جديد، يرتكز على التحفيز المادي والمعنوي، ويضمن مسارا مهنيا أساسه التميز والاستحقاق في مختلف مجالات التدريس والتأطير والبحث، وذلك تنفيذا للتوجيهات المولوية السامية وانسجاما مع البرنامج الحكومي وكذا توصيات لجنة النموذج التنموي،إضافة إلى إعادة الاعتبار والهيبة للأستاذ الباحث وللجامعة المغربية بجميع مكوناتها. يهدف النظام الأساسي الجديد، والذي تم التوافق حول خطوطه العريضة مع الشركاء الاجتماعيين، إلى التزود بالأدوات القانونية التي تتيح، بصفة عملية، استقطاب الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج. وفي هذا الصدد، لابد من التذكير بأن الخطاب الملكي السامي، الذي ألقاه جلالة الملك خلال الذكرى الـ69 لثورة الملك والشعب، دعا، صراحة، إلى الاستفادة من هذه الكفاءات التي تعتبر رأسمالا بشريا متنوعا ومتميزا، مشهودا له بالتميز والنبوغ على الصعيد العالمي. وسيتضمن النظام الأساسي الجديد جسورا تمكن من التحاق الأكاديميين والباحثين المغاربة المقيمين خارج أرض الوطن، بهيئة التدريس، سواء في إطار نظامي أو إطار تعاقدي، كي يتسنى للجامعات المغربية أن تستفيد من خبراتهم وتجاربهم في مختلف مجالات البحث العلمي المنسجمة مع الأولويات التنموية للدولة، خاصة عبر قنوات الانتقال الرقمي والسيادة الطاقية والسيادة الصحية والبيانات الضخمة، والذكاء الصناعي وتقنيات قيادة التغيير وغيرها. وتنصهر الأسس الكبرى للخطة الجامعية في بوتقة حقيقية مفادها أن التوقيع على الاتفاق ليس غاية في حد ذاته، ولا لحظة عابرة، بل نواة صلبة لعقد أخلاقي وقانوني بين الحكومة والنقابة والأساتذة الباحثين يوضح الالتزامات الملقاة على عاتق كل طرف، من أجل بناء جامعة مغربية تستجيب لمبادئ الجودة والفعالية والإنصاف. ياسين قطيب

تفاصيـل اتفـاق إصـلاح الجامعـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حسـن المفتـي... مرسـول الفـن

مرتزقة "فاغنر" في تندوف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات