مجتمع

إسطنبول … حلم وردي يتحول إلى كابوس

تراجع قيمة الليرة أربك مغاربة بعضهم وجد عملا وآخرون يتسولون

لا يمكن أن تصل إسطنبول، وأن تبدأ في اكتشاف شوارعها الجميلة، دون أن تلاحظ حضورا بارزا لشباب مغربي، سافر إلى تركيا، للبحث عن لقمة العيش. من ساحة تقسيم الشهيرة إلى الطرف الآسيوي والأسواق الشهيرة، على غرار “البزار المصري”، يصادفك شاب مغربي، ليروي قصته بكل ألم، ويسألك عن الأحباب والبلد الأم.

«أهلا بولاد البلاد… توحشنا ريحة الميمة»… بهذه الجملة العاطفية، وبعينين لامعتين، وابتسامة “حزينة”، استقبلنا هشام، (40 سنة)، يعمل في محل لبع الشكولاته، وقد ظهرت على وجهه سعادة كبيرة، وكأنه رأى أحد أفراد عائلته.
تبادلنا أطراف الحديث مع هشام، ابن البيضاء، ليؤكد أنه أتى لإسطنبول مستغلا غياب شرط التأشيرة، بغية إيجاد عمل قار، بعد انسداد الأفق في بلاده، مضيفا أنه جرب مهنا كثيرة، مثل “بيع السمك” و”كروسة الديسير” و”الفراشة”، بعدما عجز عن إيجاد عمل قار، علما أنه يملك الإجازة في الأدب العربي.

قساوة العيش…

كان هشام يعتبر إسطنبول حلما، وأن العمل متوفر، غير أنه فوجئ بسوق الشغل المحدودة، قبل أن يتمكن من إيجاد عمل وينال الإقامة التي يجددها في كل مرة، بعد تعاون مواطن تركي معه، إذ منح له ثقته ليدير له المحل الذي يعمل فيه، قبل أن يضيف «بعض المغاربة الذين لم يزوروا إسطنبول بعد، يعتبرون أننا نعيش في رفاهية، بل على العكس، نحن نقاتل من أجل لقمة العيش».
تبلغ مداخيل هشام الشهرية 3000 ليرة تركية (1780 درهما تقريبا)، ويقول إن هذا الثمن كان أكبر قبل سنتين، لكن انهيار العملة التركية، أخيرا، جعله يفكر مليا في تغيير الأجواء.
ينصح هشام الشباب الذي يرغب في الهجرة إلى تركيا، بالتفكير مرتين، ليس بسبب ظروف العيش، وإنما بسبب غلاء المعيشة وانهيار العملة، مؤكدا “خاصك تخدم جوج خدمات باش يالله تقدر تصيفط لداركم وتجمع فلوس”، يؤكد هشام.

تراجع العملة … الضربة القوية

تركنا هشام والدموع في عينيه، وذهبنا إلى «البزار المصري» الشهير، الذي يعرف بجماله وتنظيمه، ويعتبر الأرخص في إسطنبول كلها، ويوجد في الجانب الأوربي، وبالضبط في منطقة “إمينونو”. يعتبر ثاني أكبر سوق في المدينة، وأقدمها، إذ شيد في 1597، في عهد السلطان مراد الثالث.
سمي ب”السوق المصري”، بحكم أنه كان يزود في القدم، أسواق مصر بمنتجات غذائية وحلي وملابس بشكل مستمر، وكان يعتبر منطقة تجمع قوافل التجار المصريين في زمن سابق.
دخلنا السوق أملا في لقاء مغربي أو مغربية يعملان به، وإذا بصوت خافت يلفت أنظارنا، يقول “الله يدير لي فيها الخير”، استدرنا لنجد شابا تقارب سنه 35 عاما.
بعد تبادل التحية، ارتمى طارق في أحضاننا قائلا “خليني نشم ريحة البلاد”. وأضاف “مرحبا وألف مرحبا، أجيو لعندي للمحال”.
يعمل طارق في محل لبيع الحلي، وقال إنه يعمل مع مغاربة تجار، يأتون إلى إسطنبول بغرض التبضع، مستفيدين من التخفيضات على طول السنة.
على غرار هشام، لم ينتظر طارق كثيرا لكي يبدأ في سرد معاناته في إسطنبول، وقال إنه سافر إليها قادما من آسفي، منذ سبع سنوات، إذ أتى من أجل البحث عن لقمة العيش، أو بالأحرى كما قال “جينا باقي بنادم ماكيعرفش فين جات إسطنبول، وبغينا نخدمو ونجمعو الفلوس”.

قال طارق إنه اضطر إلى السفر بسبب ظروف اجتماعية قاهرة، وبعدما استشار مع صديق له، نصحه بالقدوم، وهو الذي ساعده على إيجاد هذا العمل المؤقت، لكنه شكر صاحب المحل وقال إنه كان سببا في نيله الإقامة، واكتراء شقة صغيرة متواضعة قرب السوق.
يقول طارق إن مداخيله الشهرية تتجاوز 4200 ليرة تركية، وإنه يعمل في المحل وخارجه، من أجل توفير ثمن الكراء، و»الفلوس لي يصيفط لدارهم»، بحكم أن والدته مريضة وطريحة الفراش، ثم قال “وكنجمع شي بركة في حال ما قررت العودة للبلاد يوما”.
أوضح طارق أن تدني العملة التركية سبب مشكلة لكل المهاجرين، وأن قيمة مداخيله مقارنة بالدرهم، تراجعت بشكل كبير، مبرزا أن هناك منافسة شرسة بين المغاربة والسوريين والمصريين، إذ أن عددهم كبير أيضا، وهدفهم واحد.
أكد طارق أن هناك فئة من المغاربة لازالت تبحث عن عمل، وتعيش معاناة كبيرة، بل إن بعضهم لجأ للتسول، بغية إيجاد لقمة العيش.

المنعم عليهم … حياة أخرى

وضعية هشام وطارق وغيرهما، تشكل القاعدة، لكن هناك استثناء لمغاربة يعيشون البذخ في إسطنبول، صادفتهم “الصباح” في بعض المناطق.
يقتنون من محلات غالية الثمن، ويعملون في شركات بعقود عمل رسمية، بل هناك من يملك عقارات. أغلب هؤلاء متزوجون بأتراك أو تركيات، ويعتبرون الحياة في إسطنبول “مستقرة”.
يعتبرون التعليم والصحة نقطة قوة، لكن لديهم عائق اللغة، إذ ليس كل الأتراك يفهمون الإنجليزية، فيما الفرنسية منعدمة تقريبا.
يجدون ضالتهم في صداقات مع أجانب من دول عربية، مثل مصر وتونس والجزائر، بالإضافة إلى بعض السوريين. رواتبهم مرتفعة، لكنهم يشتكون أيضا من انهيار العملة في السنوات الأخيرة، وهو ما أثار مشكلا لهم مع عائلاتهم في المغرب، خاصة الذين يعيلونهم من عائداتهم بإسطنبول.

العقيد درغام (موفد الصباح إلى اسطنبول)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.