عنف الشارع … “فين لاراف؟”
استعراضات بهلوانية تعرض حياة المواطنين للخطر ومتسولون “يسمرون” أمام الشبابيك البنكية ومتشردون يترصدون المارة
لم يعد المغاربة يشعرون بالأمن على أنفسهم وعلى أبنائهم في ظل العنف المتفشي اليوم في شوارع مدنهم وقراهم، والذي أصبح يمنعهم من التجول بحرية وطمأنينة ويملأ قلوبهم بالخوف والرعب من التعرض لعملية سرقة أو تحرش أو اعتداء، أو حتى إلى إزهاق أرواحهم، إلى درجة أصبحوا يحنون معها إلى زمن “لاراف” والقبضة الحديدية لرجال الأمن في عهد وزير الداخلية القوي ادريس البصري، الذي أصبح العديدون يترحمون على “أيامه”.
ولا يكاد يمر يوم واحد، دون أن نسمع عن جرائم وحوادث بشعة، ارتكبت تحت تأثير “الدوليو” و”القرقوبي”، في وضح النهار، وأمام سمع وأنظار المارة، دون أن يجرؤ أحد على التدخل، بما في ذلك الشرطة، التي أصبح أفرادها يفضلون الحياد السلبي بعد أن تسببت تدخلاتهم في بعض “النوازل” أحيانا في تعرضهم للعقاب أو الطرد من الوظيفة أو السجن، بمبرر خرق حقوق الإنسان والمواطن أو الشطط في استعمال السلطة، وهو ما أدى إلى مزيد من “الضسارة” ومزيد من العنف، وبالتالي مزيد من الخوف الذي أصبح يحيط بالمواطنين من كل جانب، بل حتى بالأمن نفسه الذي أصبح يتعرض للضرب والاعتداءات، دون أن يحرك ساكنا، مثلما شاهدناه في العديد من “الفيديوهات” الحية التي انتشرت عبر “الواتساب”، إلى درجة إطلاق حملة تحت شعار “ما تقيسش البوليسي”.
لقد أصبح حضور مهرجان أو حفل منظم في الفضاء العام يشكل اليوم خطرا حقيقيا على حياة الحاضرين، وخير دليل ما وقع أخيرا في “البولفار”، والذي لولا لطف الأقدار، لأزهقت خلاله أرواح. بل إن مجرد الجلوس على “تيراس” مقهى أو مطعم، يمكن أن يعرض المواطن اليوم للكثير من العنف اللفظي والتحرشات والإزعاج من قبل متسولين، هم أقرب إلى مافيا منظمة، منهم إلى فقراء ومساكين يطلبون الصدقة. هؤلاء المتسولون أنفسهم، الذين توحي ملامحهم بالكثير من العنف والشراسة، “يسمرون” أمام الشبابيك البنكية، إلى درجة أن الواحد أصبح يتجنب استعمالها، خوفا من التعرض للسرقة والنشل. ناهيك عن حضور مباراة في كرة القدم، خاصة حين يتعلق الأمر ب”الديربي” البيضاوي، إذ كأنك تحاول الانتحار، لأنك إن لم تمت بسبب شغب “الإلترات” وحروبها الدامية، قد تفقد عينا أو تصاب بعاهة مستديمة.
أما الاستعراضات البهلوانية لأصحاب الدراجات النارية، التي تهدد حياة الراجلين والسائقين على السواء، فأصبحت عملة رائجة في شوارعنا، الكل يتعاطى لها وكأنها رياضة شعبية، في حين أنها أقرب إلى إثارة الفزع في النفوس أكثر من المتعة والحماسة.
وأما المتشردون، فحدث ولا حرج. لقد غزوا جميع الفضاءات العمومية والحدائق والمتنزهات، وأصبحوا يترصدون المارة، خاصة من النساء، ويلاحقونهم إلى أن يحصلوا على المال، وإلا لجؤوا إلى السب والقذف والاعتداء.
في هذا الملف، ترصد “الصباح” بعض مظاهر هذا العنف الذي أصبح مستشريا في شوارعنا مثل سرطان “ميتاستاز”، ما أن يتخلص منه الأمن في بؤرة حتى يظهر في أخرى، كما تحاول أن تفهم السر وراء هذه الظاهرة، مستعينة بآراء مختصين وخبراء.
نورا الفواري