مناطق الهامش… أخطار متنوعة

مراهقون ضحايا الفقر وتفكك الأسرة يجدون لذة في العنف ويرتكبون جرائمهم بدم بارد
رغم ما تقوم به السلطات المحلية والأمنية من مجهودات لاستتباب الأمن بمكناس، على غرار باقي مدن وأقاليم المملكة، يلاحظ تنامي مظاهر العنف بشكل ملفت ومخيف في الشهور القليلة الماضية، “أبطالها” عصابات مكونة من شباب مدججين بالسيوف والسكاكين وغيرها من وسائل التهديد. إذ أضحت هذه الظاهرة معضلة اجتماعية تدق ناقوس الخطر، ولا يمكن اعتبارها بحال من الأحوال أحداثا منعزلة عابرة، وإنما تجب دراستها بجدية، والوقوف على خلفياتها وأبعادها المختلفة، من أجل إنشاء برامج أمنية وتربوية لتوعية الشباب والمراهقين بخطورة الانخراط في صفوف هذه العصابات الإجرامية المتوحشة، وتصحيح التصورات الخاطئة لدى الشباب حول مغالطات بطولية وعنترية وهمية تتباهى بها عصابات الشوارع.
إلا أن الجديد في تفشي هذه الظاهرة ببلادنا، حسب التقارير والمحاضر الأمنية، يكمن في انخراط واستقطاب العنصر النسوي لولوج عالم مظاهر العنف من بابه الواسع، وهذا مؤشر خطير على قدرة هذه العصابات على استدراج الضحايا وترويع المواطنين الأبرياء وتهديد أرواحهم وتخريب ممتلكاتهم.
في هذا السياق، ارتأت “الصباح “أخذ تصريحات وآراء بعض المواطنين حول تنامي آفة العنف وسط الشباب والمراهقين في الشارع العام بالعاصمة الإسماعيلية.
”وحوش” بشرية
تقول إلهام بعزيز، أستاذة وخبيرة في التوجيه المدرسي، إن معظم سكان مكناس يتساءلون عن الأسباب وراء تحول العديد من الشباب “المنحرف”، خاصة بالأحياء الشعبية من قبيل سيدي بوزكري وسيدي بابا وبرج مولاي عمر وغيرها من الأحياء المهمشة، إلى “وحوش” بشرية تتربص بضحايا أبرياء وتعتدي عليهم تحت التهديد، وغالبا ما تنفذ في حق البعض منهم جرائم قتل بدم بارد دون إحساس مقترفيها بالذنب. ليبقى السؤال المطروح، ما الذي جعل شبابا في مقـتبل العمر ومراهقين يتمردون على المجتمع بهذا الشكل ويجدون لذتهم في العدوانية وشهوة الإيذاء ومتعة في العنف بالشارع العام؟
الملاحظ، تضيف إلهام، أن قاعدة الهرم السكاني بهذه البؤر المهمشة، تستوطنها فئة من الشباب معظمها تعيش تحت عتبة الفقر، ما يعني التفكك والعنف الأسري وغياب الاستقرار وعدم الشعور بالأمن الاجتماعي، وما يجعل العنف لدى الكثير من هؤلاء الشباب والمراهقين أسلوبا لإثبات الذات حسب اعتقادهم، خاصة بعدما تسربت إلى عقولهم أفكار خاطئة حول تكوين ما يسمى ب”عصابات الأحياء”، وهم يرون المجتمع المدني يهاب أفرادها المدججين بمختلف الأسلحة البيضاء وهم يجوبون ليل نهار شوارع وأزقة أحياء مهمشة مرددين بصوت عال عبارات، تنبعث منها رائحة العنف والدم، غير آبهين بالسجن الذي كان يعتبر وصمة اجتماعية، قبل أن يصبح مفخرة وإنجازا يتباهى المجرمون بحكاياتهم العنترية التضليلية التي قد تغري العديد من المراهقين في بيئات الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، على حد تعبير إلهام.
أوهام مسمومة
من جهته، أعرب عبد اللطيف بنهيبة (مطبعي) عن قلقه البالغ لما تعرفه منطقة مرجان بمكناس من تفشي مظاهر العنف تحت طائلة التهديد في الشارع العام، رغم ما تقوم به السلطات المحلية والأمنية من مجهودات لاحتواء الوضع واستتباب الأمن، مضيفا أن تنامي آفة العنف بالمنطقة المذكورة على غرار باقي المناطق الأخرى هو نتاج لما أسماه بالإقصاء الاجتماعي في مرحلة عمرية حساسة تمر بها فئة من الشباب والمراهقين من أصول فقيرة، يؤثثون الأحياء المهمشة، فيثورون على الإقصاء بطريقة خاطئة، متوهمين أن مظاهر العنف وسط الشارع العام ستمنحهم القوة والمكانة التي يستحقونها، ليجدوا أنفسهم في نهاية الأمر بين أحضان عصابات إجرامية متمرسة، تعدهم بالكثير من الأوهام، أوهام الانتماء والحماية والمتعة والترفيه والمغامرة والثراء والشجاعة، دون علمهم بأنها مجرد صورة مفبركة لعصابات في مخيلة الشباب والمراهقين مليئة بالمغالطات التي شكلتها ثقافة العنف والدم التي تسود بيئة العديد من الأحياء الشعبية المنسية، على رأسها أحياء سيدي بوزكري وسيدي بابا وبرج مولاي عمر، يضيف بنهيبة.
عصابات الأحياء
أشار حسن أوكير، أستاذ جامعي بمكناس، في تصريحه ل”الصباح”، إلى أن الأنشطة اليومية لما يسمى ب”عصابات الأحياء” من اعتراض السبيل والعنف والتهديد بالسلاح الأبيض والاتجار في الممنوعات، كلها أفعال إجرامية تجعل حماية الأسر للأطفال والمراهقين من الجنوح صعبة، لأن تغلغل العصابات بالأحياء المهمشة من قبيل أحياء سيدي بوزكري وسيدي بابا وبرج مولاي عمر وغيرها، حولها إلى جحيم وفضاء بشع غير صالح لتربية أبناء قاطنيها، فضاء مبوء بالجريمة والعنف والخوف، خاصة بعدما أصبح مفهوم “عصابات الأحياء” لدى أفرادها يكمن حسب اعتقادهم في القوة والشجاعة والقدرة على القسوة وإلحاق أقسى الآلام بالضحايا، والتلذذ بتوسلاتهم وصراخهم ودموعهم، ما دام مفهوم الرجولة الإجرامي حسبهم يقتضي المشاركة في مظاهر العنف، والاتجار في المخدرات وتعاطيها، مع تقاسم المسروقات بالتساوي
.حميد بن التهامي (مكناس)