انهـيـار قـيـم التـربـيـة

الشعباني قال إن اللجوء إلى العنف لحسم الاختلاف أصبح سائدا في غياب ثقافة الحوار قال علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، إن تراجع قيم التربية الأسرية، وتخلف الآباء عن القيام بواجبهم في تربية أبنائهم عبر غرس مفهوم احترام الاختلاف في الرأي، نجم عنه انتشار ظاهرة العنف بكل أشكاله اللفظي والجسدي. وقال المتحدث، في حوار مع "الصباح" إن تطور المجتمع عقد وضعية الأفراد وجعلهم يعتقدون أن العنف يبرز قوتهم، وهو في الحقيقة يدمر كل المؤسسات ويخرب الممتلكات، ويؤدي إلى الاعتداءات. ودعا الباحث في علم الاجتماع، وسائل الإعلام، وباقي المؤسسات، إلى العودة إلى منبع التربية عبر تلقين الأطفال والشباب قيم التسامح في الأسرة والمدرسة وإنشاء دور شباب وأندية ثقافية ورياضية وجمعوية، لتفادي العنف. < العنف حسب علم الاجتماع النفسي، هو استعمال القوة في غير محلها من قبل شخص أو عدة أشخاص، وهو بصيغة أخرى انفجار القوة من ذات الشخص الذي يمارس هذا العنف، بعيدا عن استعمال العقل لحل مشكلة ما. ويتطور السلوك العنيف ليس فقط عند استعمال اليد أو آلات معينة، بل قد يصل إلى ارتكاب جرائم الضرب والجرح، والتسبب في حدوث عاهة مستديمة وصولا إلى القتل. < طبعا، لأن الذي يمارس العنف لحظتها لا يرى عواقب ما يفعل، ويفتخر بما ينجزه باستعمال القوة في غير محلها، لذلك لا يراقب أفعاله لأنه لا يستعمل العقل في حل أي مشكلة اعترضته، بل لا يستطع كبح عاطفته وغريزته. < لا يمكن البحث عن المبررات في تصريف ظاهرة العنف حتى لو تعرض المعني بالأمر إلى الاستفزاز، فالذي يمارس العنف عادة يريد أن يظهر قوة أو لديه استعداد لإظهارها بسبب أو بدونه، بالإدعاء أنه يريد إثبات الذات وهذا مجرد مبرر واه. < في السابق كانت المجتمعات التقليدية تعتمد قيم الأخلاق والتربية الأسرية والتنشئة الاجتماعية. وكان الآباء يتدخلون لدفع الأطفال والشباب للتراجع عن ارتكاب سلوك عنيف، عن طريق التربية وتقديم النصائح. وفي المجتمعات التقليدية، كان للتضامن قيمة بين الأسر، والكل يعرف جاره ويتدخل لرأب الصدع كلما ظهر خلاف بين أفراد الأسرة الواحدة أو الجيران، إذ اتفق المجتمع التقليدي على حل المشاكل ب"التي هي أحسن". أما اليوم، فتغيرت الأوضاع بتراجع وظائف الأسرة والمدرسة، ما أدى إلى انهيار قيم الحوار واحترام الآراء المختلفة واللجوء إلى العنف لحسم الاختلاف. < نعم إن التربية الأسرية والمدرسية والإعلامية، كانت تلقن الأطفال قيم الحوار واحترام الاختلاف في الرأي، وحل المشاكل بالعقل والسلوك الحسن والابتعاد عن استعمال العنف مهما كانت الوضعية الاجتماعية للأشخاص، فقراء أو أغنياء، أميين أو متمدرسين، ضعاف البنية الجسمية، أو أقوياء، لا فرق. وحينما كبر الأطفال تفادوا الأزمات بالطريقة نفسها، بخلاف الوضع الحالي الذي تطور فيه المجتمع، وتعقدت أموره بتأثير واضح لبعض أشرطة الفيديو، وبعض الأفلام السينمائية التي غرست في عقول الناشئة العنف وتطورت الأمور إلى بث ذلك في ألعاب الفيديو الخاصة بالأطفال، بذلك أصبح العنف قدوة لحل المشاكل. < طبعا أصبح الشارع فضاء يكشف العنف في كل تجلياته، من لفظي باستعمال كلام ناب يهجم على أذنك سواء كنت مقصودا به، أم كنت فقط مارا بالشارع، أو الحي، أو صادفت واقعة شجار بين شباب، أو تحرش شخص بفتاة، أو احتدام الخلاف بين تاجر وزبونه، ومن ثم أصبح هذا العنف اللفظي لا إراديا. بل حتى وإن وقع اعتداء لا يتدخل المارة للتخفيف من أثره، وعوض ذلك يتسابقون لالتقاط الصور و"الفيديو" عبر الهاتف المحمول وهم فرحون بما صوروه من اعتداءات. وللأسف الشديد، لا يعلم الآباء أبناءهم فن الحوار كما في العقود السابقة، لذلك عوض استعمال فضيلة النقاش لجأ المواطنون إلى استعمال العنف لغة وحيدة لحل المشاكل القائمة. < المشكل يكمن في أزمة الأسرة والمدرسة أيضا، لتراجع لغة الحوار واستبدالها بممارسات ضارة بالقيم. إذ عوض استغلال الأنترنت لتعلم أشياء مفيدة للتلميذ والطالب والحرفي والمهني والتاجر والمقاول وكل شخص مهما كان مستواه التعليمي والمدرسي، تحول إلى آلية لزرع الحقد بل زادت مواقع التواصل الاجتماعي الطين بلة برفض تبادل الأفكار والاعتقاد بالاختلاف في الرأي، وتعويضها بكلمات التهجم والسب والقذف والحط من الكرامة واستغلال الصور للمس بالسمعة. وكان على الآباء توعية أبنائهم بأنه لا يوجد شخص يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه يجب احترام آراء ومواقف الآخرين، وفي حالة احتدام النقاش أن يتم الحسم فيه بالاستعانة بالحجة والدليل للإقناع، وإذا لم يقع ذلك يتم إيقاف النقاش بطرق ودية، وليس بالتهديد اللفظي العنيف. ويجب تعليم الأبناء أن قول فكرة أنا لا أتفق معك ليس معناها أنك عدوي وجب تحطيم أسنانه، بل هناك وسائل ومناهج تستعمل لإقناع الآخرين بوجاهة الأفكار، وأن هناك آراء مختلفة، بل ومخالفة، وهذا الأمر لم يعد حتى قائما في الجامعات التي بدت تنحو نحو الانتقام في حالة إذا كان للطالب رأي يختلف عن رأي الأستاذ . < قد يكون ذلك صحيحا، ومستعمل المخدرات غالبا هو ضحية لعدم حل مشاكله الاجتماعية، وحينما تسأله عن سبب استهلاكه للمخدرات وضياع صحته وماله، يرد عليك أنه يريد نسيان ما جرى له، وهو في الحقيقة لا ينسى شيئا. وهناك أصناف من المخدرات تشجع على استعمال العنف الحاد الذي يريد من خلاله الشخص أن يظهر قوته. أجرى الحوار: أحمد الأرقام في سطور: - أستاذ علم الاجتماع زائر في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط - حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع التربوي في 1985 - نشر مقالات علمية في كتب جماعية ومجالات علمية متخصصة

انهـيـار قـيـم التـربـيـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مناطق‭ ‬الهامش‭... ‬أخطار‭ ‬متنوعة

"The Watcher" على "نتفليكس"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات