معظم المقاربات التي تهم سؤال المدرسة تميل إلى مناقشة الجوانب الشكلية والتقنية لماذا المدرسة؟ هذا هو السؤال الصعب والبسيط في آن، الذي يجب أن نطرحه عند بداية كل دخول مدرسي، بما يمكننا من تجديد النظر في الغايات والمرامي القريبة والبعيدة، المرتبطة بالشأن التعليمي في بلادنا، بكل أسلاكه وأنواعه ورهاناته. فقد أصبح في حكم المؤكد أن الحصيلة التربوية والتعليمية في بلادنا ليست على ما يرام، ولا تتلاءم مع هذا الكم الهائل من الأحاديث والنقاشات والردود والأوراق، وألوان من البيروقراطية الإدارية، التي يغرق فيها جل المتدخلين في الشأن التعليمي عندنا، والذين يؤكدون في كل مرة، مدى الارتباك الذي أصاب منظومتنا التربوية، سواء تعلق الأمر بالمستوى النظري، أو التدبيري. والملاحظ أن معظم المقاربات التي تهم سؤال المدرسة في بلادنا، تميل في الغالب الأعم إلى مناقشة الجوانب الشكلية ذات الطابع التقني، ما يؤدي إلى اختزال سؤال المدرسة الوجودي في أرقام وبيانات ومعدات ومناصب مالية وبنايات ومصالح، وما إليها. ويتوارى في المقابل، السؤال المركزي الذي يعني الغائية والجدوى، والذي أرق العديد من المفكرين والفلاسفة الكبار، عبر العصور المتوالية وإلى اليوم. لماذا المدرسة؟ ويكفي أن نشير إلى العبارة التقليدية، والمتداولة التالية "التربية والتعليم"، ونبحث عن مدى تحققها، ومستوى هذا التحقق، ولو في حدوده الدنيا، لنقف على مدى التردي الذي لحق عموم المتمدرسين في كينونتهم الإنسانية، حين لم يتمكنوا من امتلاك أسلوب معتبر في الحياة (التربية)، كما لم يتمكنوا من امتلاك منهج مقدر في التفكير (التعليم)، بعد قضاء جزء مهم من حياتهم في مؤسساتنا التعليمية، ما يعني أن الغاية القريبة من المدرسة لا تتحقق، وأن المقاربات التقنية لا يمكن أن تفيد، ما لم تتأسس على رؤية نظرية وثقافية وازنة وواضحة، وعلى مشروع مجتمعي متكامل، ينجم عن نقاش واسع ومعمق، تساهم في بلورته وإنضاج عناصره كل الأطياف الفكرية والثقافية الجادة والمعتبرة في بلادنا، وبغاية واحدة هي تكوين المواطن الحر، الذي يمتلك منهجه في الحياة ومنهجه في التفكير ويصدر في تصرفاته وانفعالاته عن ثقافة مدنية متقدمة، ما يعني ضرورة إبعاد سؤال التعليم عن المضايق الإيديولوجية والسياسية التي تجعله رهين حسابات لا تربوية. فإذا كنا بالفعل ندرك قيمة الشأن التعليمي، وإذا كنا نقدر خطورة ما يتخبط فيه من إشكالات حقيقية، فإن بداية الطريق بداهة، هي إنجاز حوار شامل ومعمق يتولاه المهتمون حقيقة بقضايا المدرسة والتدريس في بلادنا، من مثقفين ومفكرين وخبراء من كل التخصصات والمباحث العلمية المعنية بسؤال المدرسة المغربية، بعيدا عن أي تسييس أو أدلجة، وفي مناخ ديمقراطي حر يفسح المجال لطرح كل المعوقات والكوابح، الظاهرة والخفية، والتي تحول دون إنجاز تحليل شفاف وصريح، ودون التوصل إلى المقاربات الناجعة والمرجوة لمجمل الإشكالات العميقة التي تعيق مسيرة تعليمنا. فغني عن البيان أنه لا حوار ولا نقد ولا تحليل دون التوفر على مناخ ديمقراطي معقول ومشجع، وإلا فلا معنى لإعادة الكلام نفسه، بتبذير ميزانيات جديدة. إبراهيم أقنسوس