أمهات ضحايا نصوص قانونية وأصوات تطالب بتعديلها أظهرت التجربة العملية لمدونة الأسرة، قصورا في العديد من النصوص، وهو ما أكده الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، إذ دعا فيه إلى فتح نقاش حول تعديلها، معتبرا أنها صارت غير كافية للوصول إلى الأهداف المرجوة منها، بخصوص تمكين النساء ومنحهن حقوقهن. إنجاز : كريمة مصلي لفت الخطاب الملكي الانتباه إلى أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة وللرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال. ومن بين النقاط التي أثارت جدلا واسعا على امتداد السنوات الماضية، تلك المتعلقة بالحضانة إذ أثبتت التجربة أن القانون المغربي يضع العديد من القيود أمام الأم الحاضنة، بجعلها تحت رحمة الولي، سواء في التسيير المالي أو الإداري لحقوق الطفل، ويقيد حقها في الزواج مرة ثانية. حضانة ناقصة منحت مدونة الأسرة الزوجين معا أثناء قيام العلاقة الزوجية حق الحضانة لأبنائهما، إلا أنها بعد انفصام تلك العلاقة تصبح من حق أحد الأبوين أو غيرهما حسب الأحوال، وعرفت المدونة الحضانة بأنها حفظ الولد مما قد يضرّه، والقيام بتربيته ورعاية مصالحه، وعلى الحاضن أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون وسلامته في جسمه ونفسه، والقيام بمصالحه في حال غيبة النائب الشرعي، وفي حال الضرورة إذا خيف ضياع مصالح المحضون، وهو ما يعني أن الحضانة غير الولاية التي تعتبر شكلا من أشكال النيابة الشرعية. والأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حال حصول مانع للأب، وتنتقل الولاية للأم الراشدة عند عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك. عدم منح الأم الحاضنة الولاية الشرعية لابنها يجعلها مقيدة اليدين في العديد من الحالات، رغم أن المادة 54 من مدونة الأسرة تنص على أن "للأطفال على أبويهم مجموعة من الحقوق على رأسها التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني"، ما يفيد أن تلك الولاية في غياب الأب تنتقل إلى الأم كيفما كان نوع ذلك الغياب، إلا أن الواقع يهزم القانون والنص التشريعي في حالات عدة، إذ تجد الأم نفسها في مواجهة تعنت إدارات عدة تربط الولاية الشرعية للابن بالأب لا غير، وترفض أن تمنح للأم أي وثيقة تتعلق بابنها، وهي الدوامة التي تعانيها نساء كثيرات، بعضهن ارتكن إلى قبول الواقع وأخريات رفضنه وتوجهن إلى القضاء للإنصاف. الزواج مسقط الحاضنة الأصل في مدونة الأسرة أن زواج الأم الحاضنة يسقط عنها الحضانة إلا في حالات معينة حددتها المادة 175 من مدونة الأسرة، وهي إشكالية حقيقية تعانيها المرأة المطلقة، وهي معاناة حقيقية للمرأة التي تجد نفسها مجبرة بين الاختيار بين أبنائها وحياتها الشخصية في ضرب حقيقي لمبدأ المساواة، الذي ينص عليه الدستور في الفصل 19 والعديد من المبادئ الكونية، إذ أن المرأة عليها التخلي عن احتياجاتها البيولوجية إن هي أرادت أن تبقي على حضانة أبنائها، وهو ما يثير نوعا من التمييز الذي يفترض إعادة النظر فيه، خاصة بعد أن أعطى الملك محمد السادس الضوء الأخضر لتعديل بعض بنود المدونة، خاصة أن هناك العديد من الاجتهادات القضائية المتضاربة في أحقية المرأة الحاضنة في الزواج من عدمه، إذ أن اجتهادا قضائيا، أكد أن مناط إسناد الحضانة هو مصلحة الطفل، وعليه لما تبين لمحكمة الموضوع بما استقته من جلسة البحث التي أجريت بحضور المطلقين والطفل المطلوب الحكم بسقوط حضانته عن أمه تشبثه الوثيق بها، وأنه مصاب بمرض، وهو ما يجعله في حاجة لأحد والديه، وأن الأولى بذلك هي أمه وقضت بإبقاء حضانة الأم له، تكون قد طبقت صحيح مقتضيات المادة 175 من مدونة الأسرة، التي نصت على أن زواج الأم الحاضنة لا يسقــط حضانتها فــي حـــالات قررتهـــا ومنهـــا إذا تحققــت الخشية من أن يلحق بالمحضون ضرر بسبب فراق أمه أو كانت به علــة تجعل حضانتــه مستعصـيــة على غير أمه. في حين أن اجتهادا آخر اعتبر أنه لا يشترط لإسقاط الحضانة إدانة الحاضنة بالخيانة الزوجية، بل يكفي المحكمة تلمس عدم استقامتها من خلال ما يعرض عليها من أدلة مادية، كالصور الفوتوغرافية والمراسلات الالكترونية غير المنازع فيها أو تقارير مؤسسات رسمية تشهد عدم أهلية الحاضنة للحضانة، تطبيقا للمادة 175 من مدونة الأسرة. التنازل قبل الطلاق أقر اجتهاد قضائي لمحكمة النقض، أخيرا، التنازل عن الحضانة قبل الطلاق، واعتبر القرار أن المادة 164 من مدونة الأسرة تفيد أن الحضانة من واجبات الأبوين مادامت العلاقة قائمة بينهما، كما أن الفصل 18 من قانون الالتزامات والعقود يؤكد أن الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت عنه بمجرد وصولها إلى علم الملتزم له، وأكد القرار أن تنازل الأم عن حضانة ابنتها خلال فترة الزواج لوالدة زوجها وقبول الأخيرة ذلك، هو التزام لا يمكن الرجوع عنه، معتبرة أن ما تضمنه قرار محكمة الاستئناف الحق في الحضانة وإسقاطه لا يحصل إلا وقت الحكم بالطلاق لا قبله، وإلا عد تنازلا قبل أوانه، تكون قد خرقت الفصل 18 لغياب سبب فسخ الالتزام أو إبطاله أو بطلانه. 18 سنة على مدونة الأسرة طالب اتحاد العمل النسائي، بضرورة إلغاء التمييز الحاصل في مواد الحضانة وعدم اعتبار زواج الأم الطليقة عاملا لإسقاطها عنها، كما هو الحال بالنسبة للأب المطلق، وأكد الاتحاد أن مدونة الأسرة التي شكلت عند صدورها قفزة نوعية في مجال الأحوال الشخصية لم تقطع كلية في فلسفتها ومضامينها ولغتها مع المنظور الذكوري المحافظ للعلاقات الأسرية ولمكانة وحقوق النساء ضمنها، وهو ما تم الوقوف عليه في حينه وأكدته تجربة 18 سنة من التطبيق، إذ لازالت تتضمن نصوصا تمييزية تكرس التراتبية في العلاقة بين الزوجين والحيف والعنف ضد النساء والفتيات، وتؤدي إلى انتهاك حقوقهن الأساسية وتفقيرهن وعدم شعورهن بالأمان.