ملك التسامح والتعايش

الرافد العبري في الدستور والثقافة اليهودية في المقررات الدراسية وترميم المقابر والمعابد وإحداث هيآت لتنظيم شؤون الطائفة أبان أمير المؤمنين محمد السادس، في العديد من المناسبات، أنه ملك التسامح الديني والتعايش والتلاقح بين الثقافات والديانات. ولعل اهتمامه الكبير بشؤون الطائفة اليهودية المقيمة بالمغرب، واستماعه إلى نبضها، حين أعطى تعليماته بضرورة العودة إلى إجراء انتخابات في صفوفها، بعد توقفها لأكثر من خمسين سنة، خير دليل على حجم وقيمة هذا الاهتمام، الذي بدأ منذ توليه العرش، حين احتفظ بأندري أزولاي، مستشار والده الراحل الملك الحسن الثاني، ثم أعطى تعليماته من أجل إعادة ترميم المقابر والمعابد اليهودية في العديد من مدن المملكة، وأعاد لأحياء اليهود القديمة أسماءها التي كانت عليها، ليكتمل النصاب بالإشارة في نص الدستور الجديد، إلى المكون العبري واعتباره جزءا لا يتجزأ من الثقافة المغربية، ثم إدراج الإرث اليهودي ضمن المقررات الدراسية. وكان المغاربة اليهود، المقيمون في إسرائيل، يحلون أهلا وينزلون سهلا على أرض المملكة، حيث يتم استقبالهم على أرضية المطار مثلهم مثل جميع المواطنين المغاربة، حتى قبل تطبيع العلاقات بين المملكة والدولة العبرية، حيث يقضون عطلتهم بين أهلهم وأصدقائهم، ويحرصون على التنقل بأمن وأمان داخل مختلف مناطق البلاد، يزورون مقابر أجدادهم ويقيمون المواسم و"الهيلولة" ويحتفلون بأعيادهم و"شاباطهم" في احترام كامل لطقوسهم ومراسيمهم. وجاءت التدابير الجديدة التي أقرها المجلس الوزاري، أخيرا، لتبرهن أكثر على الأهمية التي يوليها الملك محمد السادس لأبناء الوطن، سواء من أبناء الطائفة اليهودية المقيمة في المغرب، أو من بين أفراد الجالية اليهودية المقيمة في إسرائيل أو في غيرها من بلدان العالم. وأعطى جلالته تعليماته بإحداث ثلاث هيآت تشرف على موروث وثقافة وتقاليد الطائفة اليهودية في المغرب. ويتعلق الأمر بالمجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، الذي سيشرف على تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، التي ستعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة، إضافة إلى مؤسسة الديانة اليهودية المغربية، التي يتجلى دورها في النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته. وتستمد هذه التدابير روحها "من الأمانة العظمى التي يتولاها الملك، أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريسا للرافد العبري باعتباره مكونا للثقافة المغربية الغنية بتعدد روافدها". ألفا يهودي بالمغرب وتم إعداد هذه التدابير تنفيذا للتعليمات الملكية بشأن اليهود المغاربة، كما تم التوصل إليها بعد مشاورات موسعة مع ممثلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة لها، حسب البلاغ. وظلت العلاقة بين المغرب وأبناءه اليهود المقيمين في إسرائيل وخارجها، متينة وقوية، حتى قبل أن يستأنف المغرب علاقاته مع الدولة العبرية في نهاية 2020، في إطار ما عرف ب"اتفاقات أبراهام"، التي رعتها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترامب. يقدر عدد اليهود الذين يعيشون في المغرب اليوم، بحوالي ألفي مغربي يهودي، يشكلون أكبر طائفة يهودية في منطقة شمال إفريقيا والمغرب الكبير، في حين هاجر منه أكثر من 700 ألف يهودي مغربي، منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 1948، التي يعيش فيها اليوم أكثر من مليون يهودي من أصل مغربي، يتقلدون أعلى المناصب والمسؤوليات السياسية. وثمن مجلس الجالية المغربية بالخارج، منظومة التدابير المتعلقة بتنظيم شؤون الطائفة اليهودية المغربية، المرفوعة إلى الملك، معتبرا، في بلاغ توصلت "الصباح" بنسخة منه، "هذه المبادرة السامية خطوة أخرى على درب تعزيز مشاركة اليهود المغاربة بالخارج في الارتباط المكين بالهوية المغربية الغنية بكل روافدها الدستورية"، ومضيفا أنها "آلية من شأنها تمكين المغاربة اليهود بالخارج من خدمة قضايا وطنهم الأم والدفاع عن مصالحه العليا". نورا الفواري

ملك التسامح والتعايش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

6 سنوات لهاتك عرض قاصر

صمام الاستقرار الإقليمي

مقالات ذات صلة