حضـور دبلوماسـي ناجـح

سياسة هجومية نجحت في محاصرة خصوم الوحدة الترابية وتعزيز دور المغرب في المنتظم الدولي لم يعد المغرب مهادنا في سياسته الخارجية، يبحث عن طرق دبلوماسية « ناعمة» و» مهذبة» لاتقاء شر الجيران، الذين صنعوا آلاف المناورات على مدى نصف قرن، عبر إحداث ميلشيات «بوليساريو»، وشراء ذمم برلمانيي المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية، وفشلوا وسيفشلون حتما.ولأن قضايا الوطن عادلة وتستحق الدفاع عنها بخطة هجومية، والرد بالمثل، فقد نجحت الدبلوماسية المغربية بتعليمات ملكية في تحقيق جزء من أهدافها. إعداد: أحمد الأرقام غير المغرب سياسته الخارجية التي أضحت «هجومية» بناء على معطيات واقعية للرد على «الطعنات» التي توجهها بعض الدول إلى المغرب وتخرق بذلك الاتفاقيات الإستراتيجية ومعاهدات التعاون. وجاء هذا التغيير بفضل حنكة وذكاء الملك محمد السادس، الذي أسهم في تغيير قواعد اللعب على المستوى الجيو استراتيجي، على مدى عقدين من الزمن كللت بالنجاح، وذلك عبر تأمين معبر الكركرات، وطرد قطاع الطرق، وإنهاء ابتزاز جنرالات الجزائر للدول الإفريقية، والعمل سوية على تحقيق مشاريع تنموية مشتركة بناء على منطق رابح- رابح، بدلا من الاستغلال الفاحش للثروات السائد من قبل العسكر المتحكم في بعض الأنظمة، ومن ثم فتح أزيد من 26 دولة قنصليات لها في المناطق الصحراوية المغربية، ولم تعد تعترف بجمهورية الوهم بتندوف سوى بضع دول، وبرلمانيين ومدعين الدفاع عن حقوق الإنسان، مقابل المال الذي يمنح جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية على حساب مطالب الشعب الجزائري الذي طالب بتقرير مصيره، وعدم سرقة دولته. "ضربة معلم" تمكن الملك محمد السادس، بذكائه، وتبصره، وحكمته، من إقناع مسؤولي الدول العظمى، والمؤثرة في صناعة القرار السياسي، وتلك التي لها ثقل ووزن دولي، بجدوى مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وحرص جلالة الملك محمد السادس، الذي يتحدث لغات أجنبية بطلاقة على الاشتغال بعيدا عن الأضواء، وفي هدوء تام مع كبار مسؤولي الدول من دولاند ترامب، الرئيس السابق لأمريكا ومساعديه، ومسؤولي دولة إسرائيل، في مفاوضات دامت أزيد من سنتين، لتوقيع الاتفاق الثلاثي بمشاركة جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، ومئير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وأفراهام بيركوفيتش، المساعد الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية، والحرص على صدور الإعلان المشترك والمرسوم الرئاسي الأمريكي والذي بموجبه تعترف أمريكا بالسيادة المغربية على كامل الصحراء، وتجدد دعمها لمقترح الحكم الذاتي. وتيسيرا للعمل من أجل بلوغ هذه الغاية، ذكرت البلدان الثلاثة أن الولايات المتحدة «ستشجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك في الصحراء، وستقوم، لهذا الغرض، بفتح قنصلية في الداخلة، من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية لفائدة المنطقة» وعلى المنوال نفسه، سهر الملك محمد السادس شخصيا على تذويب الخلافات مع ألمانيا واسبانيا تدريجيا، وهكذا عادت ألمانيا إلى جادة الصواب وغيرت من سياستها العدائية السابقة التي أضرت بمصالحها في إفريقيا، حينما أغضبت المغرب بسبب ثلاث قضايا حيوية تهم أمنه القومي، ما دفع الرباط إلى استدعاء سفيرته زهور العلوي، من برلين للتشاور، وقطع العلاقات مع سفارة ألمانيا بالرباط، وتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بمنظمات مدنية ألمانية. وبتبصر جلالته، الذي فتح قنوات التواصل من جديد، تراجعت ألمانيا عن عدائها في ملف الصحراء المغربية على الخصوص وتوقفت عن التلاعب في معطيات حساسة قدمتها مصالح الاستخبارات المغربية في مجال محاربة الإرهاب الدولي، وعدم التدخل في الشأن الليبي لعرقلة مساعي المصالحة التي أشرف عليها المغرب في الصخيرات، وبوزنيقة، وطنجة. وهكذا توصل الملك محمد السادس برسالة من فرانك والتر شتينماير، الرئيس الألماني بمناسبة حلول السنة الجديدة 2022، لدعم الإصلاحات الكبرى التي أنجزت تحت قيادة جلالته. وأضاف الرئيس الألماني» أثمن عاليا مبادراتكم المبتكرة في مكافحة التغير المناخي وفي مجال التحول الطاقي، وأنه بفضل التطور الديناميكي لبلدكم، أصبح المغرب موقعا مهما للاستثمار بالنسبة إلى المقاولات الألمانية بإفريقيا». وبخصوص قضية الصحراء المغربية، أكد شتاينماير في رسالته إلى الملك محمد السادس أن ألمانيا تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق لهذا النزاع الإقليمي. وحرص الرئيس الألماني على إبراز الدور المهم للمملكة على المستوى الإقليمي، وقال بهذا الخصوص» أشيد بالمساهمة الكبيرة لبلدكم من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة». وسجل الالتزام المتفرد للمغرب في مجال محاربة الإرهاب الدولي، وهو أمر ضروري بالنسبة لألمانيا وأمنها، ودعم المسلسل السلمي في ليبيا . وبالنسبة لإسبانيا، تتبع الملك محمد السادس، شخصيا سير المفاوضات مع المسؤولين الإسبان وبشكل مباشر، لإيجاد حل للأزمة التي وقعت بين البلدين، بعيدا عن سياسة صياغة بلاغات جوفاء، أو عقد لقاءات لالتقاط صور، وإلقاء خطابات رنانة بدون نتيجة. وطبق الملك مع اسبانيا السيناريو الذي أدى إلى عودة العلاقات المغربية الألمانية، وإن اختلفت المقاربات في طريقة معالجة الأزمة، وقال جلالته في خطاب ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2021، « إن المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا. وفي الوقت نفسه، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار، وهو المنطق نفسه، الذي يحكم توجهنا اليوم، في علاقتنا مع جارتنا إسبانيا». مجلس الأمن يثمن مبادرة الحكم الذاتي شكل البحث عن حل سياسي، بعد عدم إحراز تقدم في تسوية النزاع، موضوع دعوة قارة في قرارات مجلس الأمن منذ 2002، كما شكلت مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ 2007، موضوع ترحيب من المجلس الذي اعتبرها ضمن الجهود المغربية المتسمة بالجدية، والمصداقية الرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية، الأمر الذي يعكس الترحيب بالمقاربة المغربية المبنية على جعل التشبث بمبادئ الحوار، والاعتدال، والسلم، وحسن الجوار، والاحتكام إلى الشرعية الدولية السبيل الأمثل للطي النهائي للنزاع المفتعل حول الاسترجاع المشروع للأقاليم الجنوبية. هزيمة الجزائر رفض جنرالات الجزائر استئناف مسلسل المشاورات السياسية بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بسبب كثرة الهزائم التي مني بها هذا النظام المتورط في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإفريقية، والذي يستعمل النفط والغاز الطبيعي، والأموال المحصلة منهما لممارسة الضغوطات على الدول، إذ تم صرف أزيد من ألف مليار دولار لمعاكسة الوحدة الترابية للمغرب منذ نصف قرن. وقال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، إن مجلس الأمن رد على رفض الجزائر المشاركة في العملية السياسية، بذكرها خمس مرات، أكثر مما ذكر المغرب، مبرزا أن مجلس الأمن حدد الأطراف الحقيقية في هذا النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. وأكد بوريطة أن القرار رقم 2602 الصادر عن مجلس الأمن ، كرس المكتسبات التي حققها المغرب بفضل الانخراط الشخصي والمتابعة الدائمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. الحكم الذاتي إن مقترح الحكم الذاتي هو تقرير لمصير سكان الصحراء المغربية، الذين شاركوا في الاستفتاء على الدساتير المغربية وفي الانتخابات التي تسجل أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات. وأكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أن معايير تنفيذ مبدأ تقرير المصير، المحددة في القرار 1541 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تنطبق مطلقا على حالة الصحراء المغربية التي تعد امتدادا جغرافيا للمغرب. وقال هلال، في تدخل أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن المبدأ الرابع من القرار 1541 ينص على أن تقرير المصير لا ينطبق بتاتا على جزء أو منطقة من دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، ولكن على الشعوب التي لا تربطها أي علاقة بالبلد العضو في الأمم المتحدة، والمنفصلة جغرافيا، أوإثنيا، أوثقافيا عن البلد الذي يتولى إدارة شؤونها، مضيفا « أن الصحراء هي امتداد جغرافي للمغرب، فاللغة العربية متداولة في المغرب وفي صحرائه، والإسلام هو دين الدولة في المغرب وفي صحرائه، والأصل الإثنوغرافي لسكان الصحراء يطابق أصل المناطق الأخرى في المملكة، والثقافة والتقاليد الحسانية هي نفسها، والقبائل الصحراوية، مثل بقية الشعب المغربي، متحدة بروابط البيعة لملوك المغرب وفق ما أقرته محكمة العدل الدولية في 1975 «. وسجل أنه «رغم الأسس التاريخية والسياسية والقانونية لمغربية الصحراء المغربية، فقد تم تحريف مبدأ تقرير المصير، للأسف، من قبل الجزائر وذلك في سعيها إلى تجزيئ المغرب»، مضيفا أن الجزائر استمرت في تحريف مبادئ وقرارات الأمم المتحدة، بإصرارها على تقرير المصير في الصحراء المقترن بالاستفتاء، علما أن «آلية الاستفتاء لم ترد لا في القرار 1514، ولا القرار 1541، ناهيك عن القرار 2625، وهي القرارات التي تعد حجر الزاوية للجمعية العامة في هذا الشأن». وأوضح الممثل الدائم للمملكة بالأمم المتحدة، أنه من أصل 64 حالة تتعلق بأراضي غير مستقلة أو تقع تحت الوصاية، تمت تسويتها من قبل الأمم المتحدة منذ 1945، هناك أربعة فقط تم حلها عبر آلية الاستفتاء، مشيرا إلى أن «اثنتين من الحالات الأربع تسببتا في حروب أهلية، مما يدل على المخاطر التي تنطوي عليها هذه الآلية». وفي نهاية مهمته قال بيتر فان فالسوم، المبعوث الأممي في الصحراء المغربية، في أبريل 2008 إن خيار الاستقلال الذي تطالب به بوليساريو «خيار غير واقعي»، وإن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طُرح سابقا «أمر تجاوزه الزمن». وبعد نهاية مهمته في الصحراء المغربية، أصدر إيريك جينسن، المبعوث الأممي، كتابا بعنوان»الصحراء: تشريح المأزق»، أوضح فيه أن «مبادرة المغرب تقدم بديلا مشرفا عن الحرب وأفقا أفضل لتحقيق سلم عادل ودائم». الاتفاق الثلاثي ربح المغرب من استئناف علاقته بإسرائيل، اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، إذ تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق الثلاثي الذي يعد بمثابة خارطة طريق ستشتغل عليها الدول الثلاث في المرحلة المقبلة، ما أدى إلى زعزعة خصوم الوحدة الترابية الذين استمروا في حياكة المناورات، فسقطوا في فخ فبركة أشرطة فيديو عن حروب وهمية، سخر منها العالم، لأنه اكتشف أنها تجري في مواقع التواصل الاجتماعي. وذكرت البلدان الثلاثة أن الولايات المتحدة «ستشجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك في الصحراء، وستقوم، لهذا الغرض، بفتح قنصلية في الداخلة، من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية لفائدة المنطقة». وينتظر المغرب من أمريكا إنهاء الخلاف المفتعل حول مغربية الصحراء بمجلس الأمن، والأمم المتحدة بصفة نهائيا، لأن جنرالات الجزائر أرادوا اقتطاع الأقاليم الصحراوية المغربية، عبر دعم ميليشيات البوليساريو، لضمها لأراضيهم على طريقة ما فعل إيران مع الإمارات العربية المتحدة، وفي اليمن، ولبنان، وسوريا، لذلك سخرت كل قدراتها لمعاكسة وحدة تراب المغرب في كل المحافل الدولية. 3 أسئلة إلى * عبد الفتاح البلعمشي <حققت الدبلوماسية المغربية تحولات أساسية منذ 2016، بخصوص القضايا الجوهرية التي تشكل هدفا للسياسة الخارجية للبلاد. وعلى رأسها القضية الوطنية، التي حققت بفعل الدبلوماسية الهجومية تطورات سياسية وقانونية وميدانية، أفضت إلى انهيار أطروحة الانفصال وتراجع بوليساريو من الشريط العازل خصوصا في منطقة الكركرات، بعد تطهيرها من الأعمال المعادية، وافتتاح عدد مهم من القنصليات العامة بالعيون والداخلة، ثم التوجه الجديد لهيأة الأمم المتحدة الذي أصبح يدعم بشكل متجدد الطرح المغربي في حل نزاع الصحراء. < إقليميا المغرب أعاد تموقعه بشكل جيد على الساحة الدولية خصوصا بعد الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، والعمل على تعزيز الفعل والتفاعل مع دول القارة، ثم إن تدبير بعض الأزمات والتوترات مع ألمانيا وإسبانيا، أبانت فيه الدبلوماسية المغربية عن ترجمة واضحة للوزن الجديد الذي أصبحت تمثله المملكة دوليا، وغياب أوراق ضغط عليها في هذه الأزمات خصوصا مع إسبانيا . < بعد الإقرار الأمريكي بمغربية الصحراء شهدت المنطقة تحولات كبرى، أفضت إلى دعم متزايد للسياسة الخارجية المغربية ليس فقط بخصوص قضية الصحراء، ولكن في البعد الاقتصادي كذلك، إذ أصبح المغرب شريكا موثوقا في الاستراتيجيات الاقتصادية الدولية، تحديدا تجاه إفريقيا، إضافة إلى وجوده المتزايد في تدبير القضايا الدولية، التي تؤرق النظام الدولي، من قبيل مواجهة الإرهاب، والمخاطر الأمنية، والجريمة المنظمة والهجرة، وحوار الأديان، والثقافات، وغيرها من الإشكالات التي ساهمت المملكة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في تنظيم منتديات حولها. وأخيرا فالمغرب الدولة الوحيدة في إفريقيا، التي تتمتع باتفاقية للتبادل الحر، وتنظم مناورات عسكرية مشتركة بشكل منتظم وفعال يعزز هذه الشراكة. أجرى الحوار: أ.أ * أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض مراكش

حضـور دبلوماسـي ناجـح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شبكات تركية لتزوير وثائق مغربية

زفاف في بيت أسد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات