اشتراط موافقة الأب لتسلم وثائق إدارية ينتهي بابتزاز مصالح أطفال تضيع بين ولاية شرعية للأب وحضانة منقوصة للأم، سببها مقتضيات قانونية تتضمنها مدونة الأسرة، والتي تعطي للأب حق تدبير شؤون أبنائه دون سن الـ 18، في كل ما يتعلق بوثائقهم الإدارية المختلفة، قصص وملفات تروج في المحاكم، ونساء يلجأن إلى مراكز الاستماع من أجل الشكوى وطلب المساعدة للخروج من دوامة البحث عن موافقة "الأب" لإعداد وثائق هوية لصغارهن، هي رحلة نساء قد تنتهي بالابتزاز. إنجاز : خديجة عليموسى ترفض سامية (19 سنة) لقاء والدها رغم محاولاته العديدة لذلك، حيث يتردد هذا الأب على منزل عائلة والدة ابنته، والسبب يعود لرفضه منحها الموافقة على إعداد جواز سفرها عندما كانت في الخامسة من عمرها. كره للأب قصة معاناة سامية بدأت بعد حصول والدتها على فرصة عمل بإسبانيا، والتي لم تستطع ترك طفلتها ذات السنوات الأربع، فلجأت إلى طليقها من أجل تمكينها من إعداد جواز السفر لطفلتها، فكان الجواب هو مطالبته للأم بمنحه 8 ملايين سنتيم مقابل ذلك، وهو ما اعتبرته ابتزازا واضحا، فلم يكن أمامها من خيار سوى ركوب أمواج البحر سرا في اتجاه الجارة الشمالية. وتحكي أم سامية لـ"الصباح" كيف استطاعت أن تحصل على وثائق ابنتها بعد مسار طويل وشاق، قائلة "بعدما هاجرت إلى إسبانيا وضعت طفلتي في المدرسة ولم يطلب مني أي وثائق إلا عقد الازدياد الذي كنت أتوفر عليه، ولما رغبت في اصطحاب ابنتي إلى المغرب وجدت نفسي أمام مشكلة عدم توفرها على جواز السفر، إنها مشكلة استغرقت مني أربع سنوات لأناله في النهاية، وذلك بمساعدة إحدى الجمعيات بإسبانيا". لم ينته المشكل بحصول هذه الفتاة على كافة وثائقها واندماجها بالمجتمع الإسباني، بل تولد لديها حقد تجاه والدها الذي أصبحت ترفض رؤيته بعدما كبرت، وتقول والدة سامية "إن والدها يتردد حاليا على منزل أسرتي لطلب الوساطة للتواصل مع ابنته، لكنها ترفض بالمطلق رغم محاولتي إقناعها، ربما الخطأ الذي ارتكبته هو أنني أخبرتها برفضه منحي الموافقة لإعداد جواز سفرها". وتستقبل "جمعية الأمل في المستقبل" بمدينة توليدو بإسبانيا، عددا من حالات النساء اللواتي لهن مشاكل مرتبطة بوثائق أطفالهن، حيث تقول رئيستها عزيزة السحلي، في تصريح لـ"الصباح" إنه "عادة ما نستقبل نساء يكن محطمات وفي وضع نفسي سيء بعدما يرفض أبو أطفالهن منحهن الإذن لإعداد وثائق خاصة بهؤلاء الأطفال، وقد يكون المشكل بينهما في طريقة التواصل ويكون الضحية هو الطفل، فأحيانا يلجأ الأب للابتزاز والمقايضة، وأحيانا قد يغير رقم هاتفه، ما يجعل المرأة تبحث عن أي وسيلة لإعداد الوثائق لطفلها". ونبهت السحلي إلى أن هناك الكثير من النساء من تجهل القانون، ولا تلجأ إلى القضاء الإسباني من أجل الحصول على وثائق الأطفال، مؤكدة أن جمعيتها تقوم بتحسيس الأمهات في هذا المجال. مصلحة الطفل أولا فاطمة أوطالب، العضو المؤسس لاتحاد العمل النسائي، تؤكد أن تمكين المرأة من الولاية الشرعية لم يغب عن الملف المطلبي للحركة الحقوقية النسائية، حيث قالت "هناك مشاكل عديدة صادفتنا في هذا الباب من خلال مركز النجدة والإيواء الذي نديره، وتتمثل في أن الأب بقوة القانون هو الذي له الحق في أن يقرر في مسار مصلحة الأطفال، مما يدخل المرأة المطلقة أو التي لها مشاكل مع زوجها، أو التي غادر زوجها المنزل، في متاهة من أجل استمرار دراسة أطفالها". وحسب تصريح أوطالب لـ"لصباح"، فإنه تم السعي لوضع حد لهذا المشكل، حيث صدرت أول دورية وجهت لمديري المؤسسات التعليمية تم خلالها حثهم على منح تسهيل تسجيل الأطفال بالمدارس وتنقلهم وانتقالهم، كانت في عهد وزير التربية الوطنية الأسبق رشيد بلمختار، وذلك بعدما قام اتحاد العمل النسائي بمحاكمة رمزية حضرها الوزير وتم فيها تقديم شهادات وتم إثرها صدور حكم يقضي بوضع حد لمشكل عملية تسجيل الأطفال بالمدارس وانتقالهم، وهو الحكم الذي وجه للوزير بلمختار ولعدد من المؤسسات، فتم التجاوب معه عبر إصدار الدورية المذكورة. وتحكي الناشطة الحقوقية، قصة شخصية وقعت لها منذ سنين قائلة "تعرضت رفقة ابنتي لحادثة سير، فتكلفت بجميع مصاريف الحادثة بدءا من إصلاح السيارة وانتهاء بمصاريف العلاج، ولما توصل دفاعي، وكانت المحامية نزهة العلوي، بالشيك من التأمينات، أخبرتني وهي محرجة أن زوجي هو من له الحق في التصرف في هذا الشيك، فأصبت بالإحباط، ولو لم يكن زوجي متعلما لما منحني المال بعد صرفه، فكيف كان سيتصرف رجل آخر". أطفال شرعيون... لكن! نساء يجدن أنفسهن عاجزات عن تدبير شؤون أطفالهن والحفاظ على مصلحتهم الفضلى، هذا العجز يطول كل النساء مهما بلغت مكانتهن داخل المجتمع. حالات عديدة وكثيرة لنساء يعانين بسبب الحصول على موافقة الأب لإعداد وثائق أطفالهن، ومنهن أحلام، وهي مهندسة، حيث حكت لـ"الصباح" أنه بعد انفصالها عن زوجها وحصولها على حق حضانة ابنها، لم يرغب طليقها في منحها الإذن كي تنجز للابن جواز السفر رغم محاولتها العديدة. وتقول أحلام في هذا السياق "انتهت صلاحية جواز سفر طفلي، وأردت تجديده من أجل طلب تأشيرة كي نسافر معا خلال العطلة، لكن والده رفض بشدة منحي الموافقة، رغم توفري على كافة الضمانات من أجل العودة إلى المغرب"، وأضافت "حاليا سألجأ إلى القضاء الاستعجالي من أجل تمكيني من ذلك". تعتبر أحلام أنه من الظلم اشتراط موافقة الأب قبل إنجاز أي وثيقة لمحضونها، لأنها هي من تتكلف بكافة شؤون طفلها اليومية، لكن "في وثائقه الإدارية تحتاج دائما لطليقها، لتضيف في تصريح لـ"الصباح" أنه" من غير المنطقي أن تعود لي الحضانة فقط في مأكل الطفل وملبسه، وأحرم منها في كل ما يتعلق بشؤونه الإدارية، التي لوالده الحق فيها رغم أنه تزوج وأصبحت لديه أسرة أخرى ولا يعير أي اهتمام لطفلنا". هل من حل؟ إذا كانت أوطالب ترى من ضرورة اقتسام الولاية الشرعية للوالدين، فإن رئيسة "جمعية الأمل في المستقبل" بتوليدو بإسبانيا، تؤكد أن القانون المغربي ينبغي أن يمنح الأم المطلقة الحاضنة الولاية الشرعية الكاملة على طفلها دون الأب، لأنها هي التي تتكفل بكافة شؤونه. وفي انتظار حلول قانونية، فإن الحكومة قد أعلنت أنها بصدد دراسة إمكانية وضع إطار قانوني يمنح الأم حق إعداد جواز سفر لفائدة طفلها القاصر دون موافقة صريحة مسبقة من الأب، جاء ذلك في جواب كتابي لعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، حيث قال "إن هذا الإجراء القانوني سينص على أن "الموافقة ستكون ضمنية ما لم يطلب أبو الطفل القاصر من المحكمة إصدار قرار يمنع الأم من إنجاز هذا الجواز دون موافقته، وفي حال النزاع بين الأبوين يستوجب ذلك اللجوء إلى القضاء". ألمو: الحضانة للأم والولاية للأب يؤكد محمد ألمو، محام بهيأة الرباط، أن أسباب المشاكل المرتبطة بوثائق الأطفال تعود إلى أن مدونة الأسرة كرست التوزيع التقليدي للأدوار بين الجنسين، بحيث أسندت حضانة الأبناء للمرأة، في حين منحت الولاية للرجل، والدور الأول يقتصر على المأكل والمشرب، بينما الثاني اتخاذ قرارات مصيرية للطفل. ووصف ألمو، في تصريح لـ"الصباح" ، هذا الوضع بالغريب قائلا "قد تكون المرأة وزيرة أو رئيسة حكومة وتقرر في مصير البلاد والعباد ولكنها لا تقرر في مصير أبنائها، ووثيقة عادية مثل جواز السفر لا يمكن إنجازها، وهذا المقتضى القانوني لم يعد منسجما مع التطورات الحاصلة في حقوق المرأة ومكانتها". وتابع أنه "وبالنسبة للقانون فإن مرد ذلك إلى الولاية الشرعية التي تمنحها مدونة الأسرة للأب، وبذلك فإنه هو المسؤول عن التصرفات القانونية للأبناء القاصرين، وفي حال رفض الأب منح الطليقة الإذن لإنجاز وثائق للمحضون، فإنه يتعين عليها اللجوء إلى الدعوى الاستعجالية لرئيس المحكمة، للحصول عليها". وزاد مفسرا "في السابق كان التوجه القضائي هو مناقشة موضوع الحصول على جواز السفر، وكانت دعاوى ترفض، وبعدها استقر التوجه القضائي على أن تتم الاستجابة للطلب، والتعليل هو أن الوثائق الإدارية هي حق للطفل لا يعاكس مصلحة الأب". وفي نظر المحامي ألمو فإن الإشكال يطرح أيضا عندما تريد الأم السفر بالمحضون خارج أرض الوطن، موردا أنه "في هذه الحالة إذا لم يوافق الأب، يتم اللجوء إلى القضاء، هذا الأخير يتأكد من عرضانية السفر ووجود ضمانات لإرجاع المحضون لأرض الوطن، وهذه الشروط تعيق حصول الأم على الإذن". ويرى ألمو ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة بجعل الولاية مشتركة بين الأبوين، مبررا ذلك بأنه "لا يمكن مصادرة حق أي واحد منهما في الولاية على الابن وتقرير مصيره"، على أن تكون هذه الولاية "تحت إشراف القضاء الذي يضمن حقوق الطفل". ومن بين الحلول التي يرى المحامي أن من شأنها معالجة هذا الإشكال، تفعيل دور النيابة العامة لأنها طرف رئيسي في تطبيق بنود الأسرة، عبر تدخلها من أجل حماية المصلحة الفضلى للطفل، ولو كان الأمر يعاكس مصلحة الأبوين معا". وتساءل ألمو بالقول "ألا تستحق المرأة أن تكون مسؤولة عن مصير ابنها، وهي التي كانت مسؤولة عنه وهو جنين في بطنها ، فلا يمكن أن ننزع منها هذا الحق أو نشكك في قدرتها على حماية الطفل، وهي جديرة بأن تحمي مصالحه". وفي حال ما إذا ما حصلت الأم على الإذن بالسفر بطفلها، وكان هدفها هو الهجرة إلى الخارج، يبرز المحامي في هذا السياق أن "الأب له ضمانات وفي هذه الحالة ينبغي تفعيل دور النيابة العامة في هذا الباب، كما أن هناك التعاون القضائي على المستوى الدولي ومن حقه التوجه للقضاء لضمان حقوقه". ثلاثة أسئلة: حالة مرضية رفض مجموعة من الآباء بعد الطلاق منح الأم الإذن بإعداد بعض الوثائق لأطفالهم، ما هي الآثار النفسية لهذا المشكل على الأطفال؟ من المعلوم أن الأب هو الذي يكون له دور في بناء شخصية الطفل، وبالتالي فإن الوثائق التي تكون لديه هي باب الانتساب، وهو انتماء اجتماعي وتميز بالنسبة للشخص، فالطفل عندما يكون في مرحلة بناء الشخصية، ويتعرض إلى ما يمكن أن نسميه "الابتزاز الوثائقي"، والذي يكون بالامتناع عن إعداد الوثائق أو بالمقايضة، يصبح محروما من أشياء جوهرية من أقرب الناس إليه، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الطفل للثقة والشك في قدراته، ويتهم والده، بل نفسه، ويبدأ في طرح عدد من الأسئلة، هل أبي لا يحبني؟ هل أنا ابن حرام؟ وغيرها من الأسئلة، والتي تجعله غير قادر على مواجهة ما نسميه الظلم. إننا نكون بهذا أمام مرحلة حاسمة في بناء التوازن النفسي ومثل هذه التصرفات تجعل الطفل عدوانيا أو انطوائيا، وقد يكره والدته لأنه لا يفهم أن والده هو السبب ، وقد يكره سبب وجوده، فيكره والديه معا، وهذا ما ينعكس على بناء الذات المستقلة والمتوازنة ، ويقينا تظهر اضطرابات على المستوى النفسي، منها الخجل والقلق المرضي وعدم القدرة على المواجهة، والعنف. أين تتجلى مسؤولية الوالدين، وكيف يمكن توجيههما لمراعاة المصلحة الفضلى للطفل؟ ينبغي على الأب ألا يجعل طفله عرضة للابتزاز الوثائقي، وأن لا يقوم بهذا التصرف مهما كانت الظروف، وهذا يطرح إشكالا لدى الذين يقبلون على الطلاق هو أنهم لا يميزون بين وظيفة الزوج والزوجة ووظيفة الأب والأم، ويتم الخلط بينهما، فالأبوة والأمومة مستمرة مدى الحياة رغم انفصال الوالدين، ومن غير المقبول أن نبتز الطفل في وثائقه، فهذه أنانية مرضية ينبغي العلاج منها، وإذ رفض الطفل والده فينبغي أن يتحمل طبيعة قراره وما سببه من معاناة، وينبغي أن يعترف بذنبه ويطلب السماح من ابنه، وليسترجع الطفل توازنه النفسي لا بد أن تصحح هذه العلاقة، وأمثال هؤلاء الآباء عليهم اللجوء إلى المتخصص ليساعدهم على التخلص من مرض الأنانية. لكن الأب له حق الولاية الشرعية ... لا ينبغي للإنسان أن يستمر في التفكير فقط في الثغرات القانونية مع أقرب الناس إليه، لأن الثقة تنكسر، ولا يمكن أن يبدو لنا أنه لوضع حد للابتزاز هو مراجعة القانون، لأنه لا يمكن أن نجعل قانونا لكل وظيفة أسرية، أو أن نصل لوضع محكمة داخل البيت، فالمحاكم نلجأ إليها بعد الفشل. وفي اعتقادي فإن مفهوم الزواج والأسرة والوالدية أصبحت تأخذ بعدا آخر غير البعد المتمثل في التربية والحنان، وأصبحنا نرى عددا من الحالات الاجتماعية الخطيرة التي تتكاثر، وأضحينا نصل إلى نزاع ونزاع مضاد وكأننا في حرب. محسن بنزاكور مختص في علم النفس الاجتماعي