الشعار الخالد لرؤساء جماعات حولوا مواسم «العيوط والمكاحل» إلى ريع إضافي أول ما يسأل عنه رؤساء جماعات ترابية أثناء إعداد الميزانيات، هو الفصل الخاص بتنظيم المواسم، وآخر ما يساءلون عليه، هي الأموال الباهظة التي تتبخر في سماء هذه التظاهرات السنوية، مع كل طلقة بارود وحبة آتيتين من "دار القائد". فبين منتخبين ومواسم "العيوط والمكاحل" و"هاكا البارود"، قصة حب مجوسية، لا يفهمها إلا الضالعون في حبك الفصول والميزانيات والمواد والتحويلات وطرق الصرف التي يتم تطويعها، كما يطوع "مقدم" بارع سربة فرسان على أرضية "محرك"، في انتظار إشارة الطلقة الأخيرة. فوراء الغبار المتطاير من سنابك الخيول المرتجفة، وخلف إيقاعات "العيوط" القادمة من منصات "الشيخات" وزغاريد الفرح، وبين أصوات السروج وقرع النواقيس النحاسية للسقائين (الكرابة)، تختفي تجارة منظمة، لا ينال منها "أصحاب الفرجة" سوى الفتات، بينما يذهب مجملها إلى قنوات أخرى "مبررة" بفواتير توضع رهن إشارة المحاسبين في الوقت المناسب. لهذا السبب بالضبط، يدافع رؤساء جماعات عن مواسم "هاكا البارود" أكثر من مشاريع "حيا على التنمية"، ويعشقون رائحة البارود أكثر من رائحة الزفت في أوراش تشييد الطرق والمسالك وبناء المستشفيات والمدارس، ومستعدون للتضحية بقنوات الصرف الصحي وشبكات الماء الصالح للشرب، في سبيل مناسبة، يطلعون من ورائها بحصاد وفير كل سنة. ولا يبذل بعض رؤساء الجماعات أي مجهود في إقناع فرق البرمجة والميزانية بأهمية تنظيم مواسم سنوية، وهم يسردون أمامهم قائمة طويلة من التبريرات، مثل "الحفاظ على الموروث الشعبي والتراث اللامادي ودعم سربات الخيل وتشجيع الصناعة التقليدية والحرف الموازية، وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية بالمنطقة، والترويج لصورة الجماعة وتثمين المنتجات المحلية وجلب السياح..". بينما لا يشجعون في الواقع سوى الشركات والجمعيات المقربة التي تستفيد من صفقات التنظيم تحت الطاولة، ولا ينشطون سوى حساباتهم البنكية وعائداتهم السنوية، ولا يروجون سوى لأحزابهم ورموزهم السياسية في "مواسم" تشكل فضاءات مناسبة للتنافس الانتخابي غير الشريف. ولا تخفي التقارير المنجزة من مؤسسات للرقابة، الاختلالات الكبيرة في الحسابات المالية لهذه المواسم، إذ تشير معطيات إلى أن أغلب الصفقات التي تخص هذه المواسم يتم تمريرها خارج الشق القانوني المتعلق بطلبات عروض عمومية. كما يتم التلاعب، بشكل كبير، في حجم التعويضات التي تتوصل بها الفرق والمجموعات التي يوقع أصحابها على مبالغ لم يتوصلوا بها في الواقع، وهم يفعلون ذلك تحت الخوف من عدم استدعائهم في المناسبات السنوية المقبلة. لذلك، حين ترى منتخبا يرتدي جلبابا أبيض ويعتمر عصابة صفراء ويجلس في المقاعد الأمامية لمنصة شرفية لموسم، فاعلم بأنه يحتفل بطريقته في "كسب الرهان". رهان خاسر في كل الأحوال تعبر عنه الشيخة حين تصدح من فوق المنصة المقابلة: "بكاني ركوب الخيل، الحبة مغشوشة والبارود قليل". يوسف الساكت