fbpx
ملف الصباح

“المواسم” … دور سياسي واقتصادي

هدأت النفوس المريضة وحلت مشاكل وهمية وربح منها التجار بدعم من الدولة

تحظى العديد من “المواسم” التي تقام في مختلف المدن والبوادي، بدعم مالي كبير من قبل الدولة، ويعتبر تنظيمها بمثابة عرس واحتفال سنوي، يحج إليها آلاف المغاربة بمن فيهم المهاجرون، الذين يقطعون آلاف الكليومترات، لأجل المشاركة فيها والاستمتاع بلحظات الفرجة التي توفرها.

ترسخت لدى المغاربة عادات تقليدية قديمة ترسخت في “لا شعورهم الجمعي” القابل للاستثمار في مناسبات كثيرة لتحقيق الأهداف الواضحة والمضمرة، التي من أجلها سهرت الدولة على ضمان استمرارية هذا الفضاء الاجتماعي، إذ يعتقد المغاربة بالخرافة حلا لمشاكلهم الاجتماعية، فيقع تبادل للمنافع والمصالح بين الأشخاص في ما بينهم، وبين مؤسسات وأفراد.

تحريك العجلة

ورغم انتشار وتوسع ظاهرة المهرجانات العصرية للفنون والغناء والطرب والسينما، والاهتمام بمهرجانات الثقافة الشعبية، مثل فن العيطة، فإن المغاربة لم يملوا من المشاركة في كبريات المواسم التي تقام عادة في البوادي والجبال، وحتى في ضواحي المدن الكبرى والمتوسطة والصغيرة، والمراكز الحضرية أو القروية الصاعدة، لأجل الاستمتاع بها وإشباع الرغبات النفسية، كلما حصل تجمع بشري يذوب فيه الفرد مع الآخرين، في فضاء معين، سواء كان “موسما” أو ضريحا أو زاوية.

ويتداول المغاربة مقولة أن المغرب بلد الأولياء، مقارنة بالمشرق بلد الأنبياء، لذلك حرص سلاطين المغرب وكبار المستشارين، وعلماء الدين، والتجار، على إبداع أنواع مختلفة من المواسم على مر تاريخ المغرب لأجل الاستفادة منها، وإفادة الناس منها، لأنها عبارة عن “محج” لتحريك عجلة التجارة، واحتواء أزمات نفسية، لذلك شجعت الدولة المواسم المتنوعة من أجل إقامة “التبوريدة”، وأنشطة ترفيهية مختلفة، وفي الآن نفسه، التبرك إلى الأولياء في مختلف الأضرحة التي تشهد بدورها أنشطة كثيرة، ما جعل بعض الدارسين لهذه الظواهر الاجتماعية، يؤكدون أن المغرب يستحق لقب مائة ألف ولي، وهو أمر مبالغ فيه، ويضم أولياء مسلمين ويهود، لوجود الرافد العبري المتجذر في ثقافة وحضارة المغاربة على مر العصور.

“الشيخات” و”النشاط”
تم إحياء ظاهرة المواسم بالمغرب، في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بشكل واضح من قبل الدولة، بعد محاولات قامت بها الحركة الوطنية، وحركة العلماء الذين اشتغلوا في الجانب الإصلاحي للممارسة الدينية، لأجل وأدها ولم يفلحوا في ذلك باستعمال أشرطة سمعية، ومنابر أئمة، وحركات دعوية دينية، التي هاجمت وبشدة المواسم والزوايا والأضرحة وربط أنشطتها بممارسة الشعوذة، والدعارة، واستعمال طقوس “شيطانية”، ونشر تيار “الشرك بالله” عبر طلب المساعدة من أولياء ناموا في قبورهم منذ قرون، ومن ثم ارتفعت حدة التهجم على المواسم.

وبعد توالي الجفاف والاحتجاجات الاجتماعية الكبرى، وبإيعاز من خبراء وزارة الداخلية الذين كانوا يشتغلون في مختبر بحث صغير بمقر أم الوزارات بالرباط، قرر المسؤولون إعادة إحياء المواسم وتوسيع مجال أنشطتها لرفع قيمة الترفيه فيها، عبر تشجيع مجموعات ” الشيخات” بألوان وأشكال مختلفة، ومجموعات غنائية اشتغلت على التراث والحي والنحيب، وإحداث ثنائي الضحك، واستعمال النكت الخاصة بأهل البادية، قصد تهدئة النفوس التي تعاني البؤس والشعور بالإحباط ، وفي الوقت نفسه تم فسح المجال للتجار أيضا لتسويق بضاعتهم، لربح المال وتفادي الكساد، وتنويع مداخيل الأسر في البوادي التي أضحت تستمتع أيضا ب”مواسمها”، على غرار المدن التي تتمتع بمهرجاناتها.

الدجاج لـ”الأسياد”

وما يميز المواسم عن المهرجانات، هو أن الثانية ينشطها فنانون، بدعم من الدولة والمجالس الترابية والسلطات المحلية وتدخل في تنشيط المجال الثقافي والفني للترفيه على سكان المدن، وقد تستفيد منها الفنادق وبعض وكالات كراء السيارات أثناء استقبال الضيوف المغاربة والأجانب، الذين يسمح لهم بالتعرف أكثر على الواجهة السياحة، فيما الأولى يتحرك فيها النشاط التجاري والثقافي بشكل محلي، خاصة تلك التي تنظم في منطقة تتوفر على ضريح أو والي.
وتعرف المناطق التي تضم أضرحة مثل “بويا عمر”، ومولاي ابراهيم، وبوشعيب الرداد، وعائشة البحرية، وغيرها، أثناء إقامة المواسم، رواجا تجاريا يهم بيع الدجاج والماعز والمواشي، التي تقدم قربانا للضريح، بمبرر أن “الأسياد أرادوا ذلك”، فيما الساهرون على الضريح، هم المستفيدون منها رفقة المشعوذين والدجالين.

دعارة وتسول

تتحرك تجارة بيع الشموع ومواد تستعمل لصياغة “أحجبة” تحرق رفقة أمور أخرى تهم لباس الرجل أو المرأة الداخلي، تباع عند العطار، بالإضافة إلى الخضر والفواكه، وبعض مواد الصناعة التقليدية، ثم تنشيط كراء المنازل، والدعارة والتسول علانية.
و يتوفر المغرب على 5038 ضريحا لا تخضع كلها لممارسة طقوس الشعوذة والسحر بكل أنواعه، والدعارة، وتقام فيها المواسم التي يطلق عليها أهل البادية “الفيجطة”.
وتنظم أيضا مواسم تحت غطاء ديني، في مناطق تضم الزوايا، إذ توجد 1496 زاوية دينية تحصل على دعم من الدولة، وهبات، وتسعى إلى تأطير المواطنين، على مستوى ما يطلق عليه التطهير الروحي، مثل الزاوية البودشيشة بمداغ بركان، والكركرية بالعروي ضواحي الناظور، اللتين تستقطبان آلاف المغاربة والأجانب للذكر وتلاوة القرآن، وتم الاهتمام بها لأجل منافسة الأضرحة، إذ تقام فيها مواسم يستفيد منها الساهرون على الزوايا، وسكان المنطقة الذين يسوقون بضائعهم.

أحمد الأرقام


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.