fbpx
ملف الصباح

التطبيع مع الغش … ‭”‬بغاتــو‭ ‬الوقــت‭”‬

تجار‭ ‬يتلاعبون‭ ‬في‭ ‬البضائع‭ ‬ويحملون‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الله‭ ‬يجعل‭ ‬الغفلة‭ ‬بين‭ ‬البايع‭ ‬والشاري‮»‬

ما‭ ‬يدعو‭ ‬للحيرة،‭ ‬سيادة‭ ‬مظاهر‭ ‬التدين‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬وسلوك‭ ‬المغاربة،‭ ‬فاسم‭ ‬الجلالة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لسان،‭ ‬والجميع‭ ‬يحفظ‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ “‬من‭ ‬غشنا‭ ‬فليس‭ ‬منا‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬نقشه‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬مزركش‭ ‬وعلقه‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المكاتب‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬أن‭ ‬الغش‭ ‬خط‭ ‬أحمر،‭ ‬وحتى‭ ‬داخل‭ ‬المساجد‭ ‬تشعر‭ ‬بتأثير‭ ‬خطابات‭ ‬الأئمة‭ ‬وهم‭ ‬يعظون‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الصدق‭ ‬في‭ ‬حديثهم‭ ‬ومعاملاتهم،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يذرف‭ ‬الدمع‭ ‬وهو‭ ‬يؤنب‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬غش‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تورط‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬المسوح‭ ‬المريمية،‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬التنكر‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ،‭ ‬واستغلال‭ ‬أول‭ ‬فرصة‭ ‬للغش‭ ‬فيها‭ ‬وبـ‭”‬تخراج‭ ‬العينين‭”.‬

الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬الغشاش‭ ‬بالمجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬صار‭ ‬ينظر‭ ‬له‭ ‬رمزا‭ ‬وأيقونة،‭ ‬فهو‭ ‬الإنسان‭ ‬الناجح‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ومثال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬فهو‭ ‬الذكي‭ ‬و‭”‬القافز‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ “‬من‭ ‬أين‭ ‬تؤكل‭ ‬لحم‭ ‬الكتف‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬تمجيد‭ ‬سلوكه‭ ‬الشاذ‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ” ‬تبارك‭ ‬الله‭ ‬عارف‭ ‬أشي‭ ‬كايدير‭ ‬أو‭ ‬قافز‭”‬،‭ ‬وأن‭ ‬شخصيته‭ “‬هي‭ ‬اللي‭ ‬بغات‭ ‬الوقت‭”‬،‭ ‬بدل‭ ‬ذم‭ ‬سلوكه‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬ينخر‭ ‬المجتمع‭.‬

الغش‭ ‬ليس‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبية،‭ ‬ينفذها‭ ‬بإتقان‭ ‬المتدين‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يقرب‭ ‬صلاة‭ ‬ولا‭ ‬عبادة،‭ ‬الصغير‭ ‬والكبير‭ ‬ولا‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬وجد‭ ‬الفرصة‭ ‬للغش،‭ ‬استغلها‭ ‬دون‭ ‬تردد،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المكاسب،‭ ‬ستخرس‭ ‬أفواه‭ ‬منتقديه‭.‬

وعلى‭ ‬الطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬يتنافس‭ ‬سائقو‭ ‬السيارات‭ ‬الفاخرة‭ ‬والعادية‭ ‬والأجرة‭ ‬على‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬قانون‭ ‬السير،‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬محموم‭ ‬من‭ ‬يحظى‭ ‬بشرف‭ ‬خرق‭ ‬علامات‭ ‬التشوير‭ ‬والشارات‭ ‬الضوئية،‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬الذروة،‭ ‬ويصنف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬خانة‭ “‬القفوزية‭” ‬والمهارة‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬السياقة‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬التجارة‭ ‬هناك‭ ‬تجار‭ ‬ملتحون‭ ‬وعاديون‭ ‬يفتنونك‭ ‬بعبارات‭ ‬التكبير‭ ‬والتمجيد‭ ‬والحمد‭ ‬لحظة‭ ‬الاستقبال،‭ ‬وفي‭ ‬الأخير‭ ‬يبيعونك‭ ‬سلعا‭ ‬مغشوشة،‭ ‬ومتلاعبا‭ ‬في‭ ‬أوزانها،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬حظي‭ ‬بسلعة‭ ‬ذات‭ ‬جودة‭ ‬عالية،‭ ‬يكتشف‭ ‬أنه‭ ‬اقتناها‭ ‬بضعف‭ ‬سعرها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وعند‭ ‬الاحتجاج‭ ‬يكون‭ ‬الرد‭ “‬الله‭ ‬إجيب‭ ‬الغفلة‭ ‬بين‭ ‬البايع‭ ‬والشاري‭”.‬

في‭ ‬العمل،‭ ‬الغشاش،‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬معبود،‭ ‬بدل‭ ‬ذم‭ ‬سلوكه‭ ‬الذي‭ ‬يتضرر‭ ‬منه‭ ‬زملاؤه‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬التهليل‭ ‬له‭ ‬أنه‭ “‬هو‭ ‬اللي‭ ‬عرف‭ ‬الوقت‭ ‬أش‭ ‬باغا‭”‬،‭ ‬مرددين‭ ‬عبارات‭ ‬ممثل‭ ‬مصري‭ “‬ما‭ ‬تشتغلش‭ ‬خالص‭ ‬ومتغلطش‭ ‬خالص،‭ ‬تترقى‭”.‬

الغش‭ ‬صار‭ ‬أيقونة‭ ‬وحقا‭ ‬مكتسبا،‭ ‬وخير‭ ‬دليل‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬اللاذعة‭ ‬لآباء‭ ‬وأمهات‭ ‬خلال‭ ‬امتحانات‭ ‬الباكلوريا‭ ‬على‭ ‬أساتذة‭ ‬لم‭ ‬يتساهلوا‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬الغش‭. ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬كان‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬سبة،‭ ‬إذ‭ ‬يبقى‭ ‬المتورط‭ ‬فيه‭ ‬مذموما‭ ‬بين‭ ‬زملائه‭ ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬توجه‭ ‬له‭ ‬الأصابع‭ “‬هذاك‭ ‬راه‭ ‬نجح‭ ‬غير‭ ‬بالغش‭”‬،‭ ‬لكن‭ ‬اليوم‭ ‬وبشكل‭ ‬علني‭ ‬وأمام‭ ‬الكاميرات،‭ ‬الجميع‭ ‬يبكي‭ ‬بحرقة‭ ‬على‭ ‬منعهم‭ ‬منه‭.‬

مصطفى‭ ‬لطفي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.