آثار خطيرة الغش ظاهرة قديمة اكتوت بنيرانها كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة، ولا يرتبط بالتعليم بقدر ارتباطه بصور متعددة ومظاهر وأشكال متنوعة. وهو في كل مناحي وشؤون الحياة، رغم أنه ينسب بشكل خاطئ للتلاميذ والطلبة في الامتحانات الإشهادية فقط. فكما يغش التلاميذ في الامتحان، نجد الغش في التجارة بما يقوم به التجار من تطفيف للميزان وإظهار سلعة وبيع أخرى وإخفاء عيوب السلع. وكذلك العمال في أعمالهم يتحايلون على أرباب العمل في إضاعة الوقت وعدم إتقان عملهم. الأطر التربوية والإدارية تغش في تحضير الدروس وعدم تبليغ الأمانة على أحسن وجه، كما أن الأساتذة يغشون بتضخيم النقط ويضيعون زمن التعلم، دون أن ننسى البرلمانيين والمنتخبين فهم يغشون في حملاتهم للوصول إلى المناصب بشتى الوسائل. خلاصة القول إن مجالات الغش متعددة ومتنوعة ولا تحصر في جانب واحد، لكن ما يجب أن نتفق عليه هو أنه نوع من السرقة والرغبة في النجاح بدرجات مرتفعة دون مجهود، بل هو نوع من أنواع الخيانة لأنه إخفاء للواقع وإظهار لخلافه. وللغش أسباب مرتبطة بثقافتنا وتربيتنا وظروفنا، وتترتب عنه آثار خطيرة تنعكس على المجتمع لأن التلميذ مثلا إذا غش ونجح فإنه لن ينفع مجتمعه حين يصبح مسيرا. حينها يكون قد ألف الغش في حياته، وسيستعمله في تسيير أمور الناس اليومية. محمد مشهور (مشرف تربوي في التعليم الأولي) مسألة بنيوية حين نتأمل واقعنا الاجتماعي، نجد أن الغش مس جميع مناحي الحياة وانتشر في كل المرافق الاجتماعية رغم التركيز إعلاميا على الغش المدرسي. الغش مستشر في كل مرافق الحياة العامة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمهنية والسياحية والحرفية والرياضية والصناعية. ولا يسلم قطاع أو عمل أو مهنة أو أي مجال، من الغش، فأصبح الحصول على مواد وأدوات لم يطلها الغش، نادرا وشبه مستحيل كما وجود إطار أو مسؤول في قطاع، لا يغش. وتغير مضمون مقولة "من غشنا ليس منا"، إلى عكسه، وأصبح من لا يغش "ليس منا ومن مجتمعنا لأنه مغاير ومختلف عنا". لقد تعايش المجتمع مع الغش ولم يعد ينظر إليه على أنه قيمة أخلاقية سلبية، بل ينظر إلى غير الغشاش على أنه إنسان ضعيف، والأمثلة كثيرة. بالمطعم لا نعرف نوعية وجودة ما نأكل، وعند الجزار كذلك لا نعلم إن كان اللحم للكلاب أم الحمير. وكم من أرواح زهقت نتيجة سقوط عمارات بسبب الغش... لقد أصبح الغش جزءا منا ومن سلوكنا اليومي، وغير الغشاش نادر وغريب في مجتمعنا وربما وافد من كوكب آخر. وقس على ذلك الغش المدرسي الذي لا يمكن الحديث عنه فقط وغض الطرف عن الغش بباقي المرافق والقطاعات الأخرى. لكن حصول التلميذ أو الطالب على شهادات لا يستحقها، له انعكاسات سلبية على الجوانب الحياتية، لأن المدرسة أساس كل القطاعات، بل أساس الدولة والمجتمع. إن من تعود على الغش في حياته الدراسية، سيمارسه في حياته العملية والمهنية، وأخطر ما يمكن أن يهدد مجتمعنا هو إسناد مهنة أستاذ في كل المستويات التعليمية، إلى شخص انتقل منذ التحاقه بالمدرسة، بالغش وحصل على الشهادة بالغش والتحق بالمركز بالغش وتخرج منه بالغش. ما الذي ننتظر من طبيب أو مهندس أو موظف أو مسؤول كيف ما كانت وظيفته، أو حرفي أو فاعل اجتماعي أو سياسي أو..، حصل على شهادته بالغش بما في ذلك شهادات الدكتوراه وفي كل التخصصات. يحز في نفسي رؤية ذلك وسيادة مقولة "من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه". هذا يؤكد أن الغش أصبح مشروعا مجتمعيا بعدما استشرى بشكل مخيف. وباختصار، فالغش المدرسي جزء من الغش المجتمعي، والمسألة بنيوية مرتبطة بثقافة المجتمع. ولمحاربة الظاهرة وجب الغوص في أعماقها باعتماد المناهج العلمية في البحث لمعرفة أسباب ودوافع استفحالها بهدف العمل على إيجاد الحلول لتجاوزها وانقاذ هذا المجتمع من الانهيار. العربي المنصوري (أستاذ متقاعد) كلنا غشاشون الغش اكتسح المجتمع، ولا أحد اليوم معصوم منه، سواء كنا طلبة أو رجال سلطة أو بقالين أو..، فقراء أو أغنياء. وبذلك فالغش لا انتماء له ولا وطن، وله أسباب مختلفة ومتنوعة غير التي تعودنا سماعها من قبيل غياب الوازع الديني والفقر والطمع أو فساد الدولة واستحقاقها للمعاملة بالمثل. هذه الأسباب ليس وحدها وراء استفحال ظاهرة الغش. وتخفي وراءها أسبابا أخرى حقيقية، بل تبقى مجرد أسباب سطحية نبرر بها الظاهرة في غياب أسبابها العميقة. وفي نظري، فالغش لا يصدر إلا عمن يفتقد للصدق والثقة واحترام الذات قبل الآخر والإحساس بالمسؤولية. هناك انعدام للوعي بخطورة هذا الفعل على المجتمع الذي نسعى فيه إلى المساواة والكرامة والحرية وتكافؤ الفرص لأجل عيش أفضل يحول دون ذلك. إن من يراهن على التغيير، عليه أن يبدأ بالفرد أولا، وأن ينزهه عن كل فعل غير سوي مهما غلفه المجتمع بغلاف العادي والمقبول والنمطي. مهما كانت الظروف أو قست على الشخص، فالإنسان المبدئي يبقى صامدا منتصرا لكرامته وقيمه ذات المرجعية الذاتية، إذن، فالمسؤول الخفي والحقيقي عن ظاهرة الغش هي تركيبة شخصية الإنسان التي تتداخل فيها عوامل كثيرة". زهرة العامري (طالبة) روح المسؤولية الغش ظاهرة خطيرة في المجتمع للأضرار الوخيمة التي يسببها، فتجد مثلا الغش في المواد الغذائية، كما نجد التلميذ في المدرسة يلجأ إلى الغش للنجاح في الامتحان، في غياب المبادرات اللازمة لغرس الخصال الحميدة فيه ومنها الاعتماد على النفس. نحن جميعا مطالبون بمحاربة الظاهرة ونشر القيم النبيلة والسلوكات الحميدة وغرس مبادئ الدين وتشجيع الشباب على الاجتهاد والمثابرة، وهذا ما ينقصنا وتقلص الاهتمام به في العقود الأخيرة بعدما كان "من غشنا ليس منا" عنوانا في يومياتنا ومدارسنا ومؤسساتنا وإداراتنا. وبنظري، فالأسباب التي شجعت وتشجع على الغش، مختلفة ومتنوعة، وبينها وجود أشخاص يسعون للنجاح أو الربح السريع دون مجهود أو اجتهاد، وللأسف لما يوضعون في مراكز المسؤولية، فهم لا يحسنون التصرف لأن هدفهم الوصول ولو دون بذل أي مجهود. علينا أن نزرع روح المسؤولية في نفوسنا ومدارسنا ومجتمعنا، خاصة في جيل المستقبل المراهن عليه والمحتاج إلى تنشئة سليمة لبلورة جيل ناضج ومواطن واع بالمسؤولية". نعيمة الفحفوحي (مستثمرة في السياحة) استقاها: حميد الأبيض (فاس)