بماذا يمكن تفسير الإقبال على الغش والتطبيع معه من الناحية النفسية؟ الغش ظاهرة سلوكية بنسبة مرتفعة. وحسب الفئات العمرية المختلفة، نظرا لتكريس اتجاهات نفسية واجتماعية تسعى إلى الربح والنجاح بطرق سهلة تعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. ويمكن تفسير ظاهرة الغش من خلال التحولات الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي مجتمعا استهلاكيا يكون الفرد فيه أنانيا، يبحث عن تلبية الحاجيات بكل ما أوتي من وسائل وحيل وإمكانيات حتى ولو كانت غير مشروعة. وإذا حاولنا التركيز على الغش في الامتحانات لدى فئة عمرية محدودة من التلاميذ غالبا في سن المراهقة، نجد أن هؤلاء من المتكاسلين الذين لا قدرة معرفية لهم لفهم الدروس، وبالتالي يصبح السبيل الوحيد للنجاح هو الغش الذي يبدعون في طرقه لتحقيق مآربهم. كيف تساهم التنشئة الاجتماعية في تكريس هذه الظاهرة ؟ > فعلا تلعب التنشئة الاجتماعية دورا أساسيا في نقل القيم والسلوكات عبر الأجيال، وقد كانت المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة فعالة في اكتساب المهارات والمبادئ التي تتأسس على الاجتهاد والمواظبة خاصة في مجال الدراسة، عندما كانت المدرسة العمومية تحث على التنافس، وتمنح الأفراد تكافؤ الفرص، وهي في تناغم وانسجام مع الأسرة التي تذكي في أطفالها حب العمل، ومبدأ الاحترام والجد لبناء الشخصية المتوازنة، وتحديد الأدوار الاجتماعية، وتحقيق المركز الاجتماعي الذي يليق بالفرد وقدراته الجسدية والفكرية. وفي خضم التحولات الاجتماعية، فقد تدخلت عوامل كثيرة جعلت الأفراد يستطيعون منع الغش في جل أدوارهم، ويعتبرونه الطريق الأوحد لتحقيق الأهداف، فالتلميذ الذي يغش في الدراسة هو رب الأسرة، والموظف الذي تأقلم مع الغش في كل علاقاته، وهو التاجر الذي يغش الناس في البيع والشراء. لقد عملت المؤسسات على اعتبار الغش ظاهرة طبيعية تكسبها لأفراد المجتمع على اختلاف المراتب والفئات ... كيف تحول الغش من قيمة سلبية إلى حق مشروع؟ > ذكرت سابقا أن التحولات التي عرفها المجتمع عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية، قد جعلت الغش حقا مشروعا، فالأسرة تشجع أفرادها على تحقيق النجاحات في الدراسة والشغل عن طريق الغش، بل إن العلاقات الزبونية أصبحت هي العملة السائدة بدل المنافسة الشريفة. وهكذا تغيرت تمثلات الناس للغش كقيمة سلبية إلى عنوان للترقي الاجتماعي بعد أن انقلبت المعايير، وصار الوصولي والانتهازي هو الأذكى، بينما ذاك الذي يعتمد على الكفاءة، قد لا يحقق إمكانياته الفكرية والعملية أمام أولئك الذين يتخذون الغش طريقا ووسيلة للترقي الاجتماعي. وهذا ما يضر المجتمع الذي يتخلف بفعل سيطرة الغشاشين ومن لا كفاءة له. أجرى الحوار: عزيز المجدوب * باحث في علم الاجتماع وعلم النفس