ما رأيك في من يقول إن المغاربة يبذرون رغم الأزمة؟ أعتقد أن عبارة "المغاربة" غير علمية، وصحيح أن ما يقارب 70 في المائة من اليد العاملة، تشتغل بالحد الأدنى للأجور، أي حوالي 3 آلاف درهم شهريا، لكن هذا لا يمنع وإن كانت الأغلبية تشكو الأزمة، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع الأجور، لأنه لم نعد نتحدث عن جمود الأجر بل تراجعه، نتيجة غلاء المعيشة. وأرى أن تفسير هذا المعطى وجداني، أي أننا نرى أن الأغلبية في المجتمع، تعيش الأزمة، في حين أن الفئة الأخرى لا تعير اهتماما للأزمة، وهو ما يحز في النفس، لأننا نتحدث هنا عن بعد التضامن، والإحساس بالآخر، ويلاحظ تراجع هذه القيمة داخل المجتمع، علما أن هناك مأسسة للتضامن، مثال مؤسسة محمد الخامس للتضامن، وغيرها من المؤسسات. وفي ظل هذه التوليفة المركبة، نلاحظ على سبيل المثال أسعار الأضاحي التي تضاعفت بشكل واضح، علما أن العالم يعيش أزمة، فما الذي يفسر هذا التناقض؟ هل التظاهر في ظل الأزمة، أم أن الأمر متعلق بتشبث المغاربة بالاحتفالية، فمكانة عيد الأضحى لا توازيها مكانة في أي بلاد إسلامية، وبالتالي هذا البعد الاجتماعي، يطرح السؤال حول ما إذا كانت هذه الاعتقادات تدفعنا للاقتراض وبيع أثاثنا من أجل هذه الاحتفالية، التي ليس لها ما يدعمها اقتصاديا ولا دينيا، بل هو فكر استهلاكي محض؟ الاقتراض لتوفير حاجات ضرورية مفهوم، لكن البعض يقترض لاقتناء الأثاث وأمور ثانوية ما السبب في نظرك؟ هذا الأمر له شرح نفسي، ونعرف أن اتخاذ القرار يستدعي نوعا من التعقل، وفيه معايير، غالبا ما تكون دينية أو اقتصادية، إذ يحرص العاقل على هل الأمر حلال دينيا وهل في مقدوره اقتصاديا، قبل اتخاذ قرار الاقتراض، لكن الواقع أن الإنسان معرض للإغراء، ويكون أمامه ضعيفا، ويتراجع مفهوم التعقل مقابل الإغواء، وشركات القروض على وعي بهذا العامل النفسي، وتستغله لحسابها، إذ أصبحت تسوق خدماتها داخل المحلات التجارية الكبرى، وتحاول أن تسهل كل الوثائق وتذلل الصعاب، من أجل دفع المستهلك للاقتراض والاستهلاك، وفي غالب الأحيان يكون ضحية هذه الإغراءات. تحدثت عن الاستهلاك، هل انتقل المغاربة من مجتمع عارف ب"دواير الزمان" إلى مجتمع استهلاكي؟ > الانتقال تم مع الأسف على المستوى القيمي، ولا أعني بها القيم الدينية، بل القيم الذاتية في اتخاذ القرار، ولمح السؤال إلى بعض القيم التي كانت سائدة في المجتمع، من قبيل قيمة القبيلة والترشيد، ومعروف أن البيت المغربي القديم، فيه ما يسمى بيت "الخزين" أو "العولة"، إضافة إلى "المطفية" و"أكادير" لتخزين القمح والأشياء الثمينة، وبالتالي هذه كلها مؤشرات على ثقافة "دواير الزمان"، أي أننا نترقب الأزمات التي يمكن أن تحدث، وهذا التفكير جاء نتيجة انغلاقنا واكتفائنا بما لدينا من موارد، لكن بعد عقود أصبحنا أمام نظام جديد، وأصبح كل شخص يملك الحق في الولوج إلى الأنترنت والتطبيقات الجديدة، وبالتالي أصبح معيار السلوك ذاتيا، وهو ما يبحث عنه الفكر الاستهلاكي، وبالتالي فمنظومة القيم الاستهلاكية تبناها المغاربة، لكن الانتقال الاقتصادي والاجتماعي لمجتمع الاستهلاك لم يتم، لأن المجتمع الاستهلاكي له معايير، وأهمها توفر سوق شغل قادرة على استيعاب الجميع، وارتفاع الأجور، وعمل المرأة وغيرها. أجرى الحوار: عصام الناصيري * أستاذ باحث متخصص في علم النفس الاجتماعي